العدد 4070 - الإثنين 28 أكتوبر 2013م الموافق 23 ذي الحجة 1434هـ

وغاب صوتها على وقع القنبلة الصوتية

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لو كانت في زمن الكاتب الروائي الراحل نجيب محفوظ، وتعيش في زاوية من زوايا القاهرة لأبدع عنها أروع قصص الإنسان المهضوم؛ ولكنها أسرة بحرينية بحرينية.

ولو كانت في زمن فيكتور هوجو، لجعلها أهم عنوان في رائعته الإنسانية «البؤساء»؛ لكنها بحرينية.

ولو كان ما حدث لها، قد جرى في إحدى مدن الولايات المتحدة، أو بريطانيا أو فرنسا، لجعلت منها جمعيات حقوق الإنسان شعارها للدفاع عن إنسانية الإنسان المضطهدة؛ لكنها من «كرزكان» البحرينية.

لو قرأ أروع كُتاب التراجيديا، منذ الإغريق وحتى اليوم، هذه العبارة التي تقطر دماً بدل الدموع، حول ابن معاق ذهنياً يعيل عائلة معاقين، حين بكته والدته الثكلى: «كان حنوناً يخشى أن يصيبني أي مكروه، كان يخشى من إبرة السكر التي أتلقاها، فكان يخاف أن أموت بسببها، كان يُعيلني لعدم وجود من يقوم بذلك، ويعيل أخواته وإخوانه غير القادرين على النطق، فما أن يتسلم راتبه الشهري حتى يلبّي جميع احتياجات المنزل. كان يلبي احتياجاتي واحتياجات أخواته، وفي الوقت ذاته كان يحلُم بالزواج، وببناء شقة صغيرة له ولزوجة المستقبل. لم أعتقد أن الموت سيكون أسرع وسيخطفه في لمح البصر»، ولصنع منها أعظم مخرجي الأفلام رائعة مأساوية تُبكي العالم بأسره، لكن لأنها في البحرين فقط، فهي لا تُبكي أصحاب النفوس المريضة والمتجمدة إحساساً، ولا تهز لهم رقبة.

من يصدّق أن معاقاً ذهنياً يعيل عائلة معاقين، يفقد هاتفه النقال، ويذهب ليقدّم شكوى، فيعود هو على النقالة وبدون هاتفه النقال الذي لن يحتاجه في الآخرة عند السؤال، بأي ذنب قُتل حسين؟

مهلاً أيها الزمن الردئ، فمن لم يشاهد صور ذاك البيت المتهالك ذي السلم الخشبي الذي يذكرنا ببيوت أوروبا القرن السادس عشر، أو زمن ما قبل النفط في الخليج؛ ومطبخه المزري حقاً، وواجهة البيت الخارجية المتساقطة؛ فليحاول ذلك ليشعر بمدى عمق مأساة عائلة بحرينية، وليس عائلة تعيش وسط غابات أفريقيا أو مجاهل استراليا. عائلة من المفترض أنها تعيش في دولة نفطية، وفي زمن الرفاهية، والعدالة الاجتماعية التي تروّج لها صفحات العديد من المنافقين هنا وهناك.

بدأت قصة حسين في سماهيج، وانتهت بقدرة قادر على شارع الفاتح دون تبرير، وأُغلقت قضيته هناك في شهر رمضان الماضي، عندها غصّت الأم بلقمتها على سفرة الإفطار، وصرخت بالصمت المخيف في زمن العتمة والأصوات النشاز، فلم يسمعها أحد. ولم يجب أحد أو يقف أحد على معنى أن يخطف الموت، بطريقة غير طبيعية ذات علامات استفهامية، ابناً لك في ريعان شباب الثلاثين، لأنك في البحرين فقط.

مضى حوالي الشهرين منذ أن تم نشر مأساة هذه العائلة البحرينية في هذه الصحيفة، ولم نسمع شفقة ورحمة ورأفة بإنسان هذه العائلة البحرينية وليس بإنسان الاسكيمو. وماتزال تلك الدنانير البائسة التي ترمى للعائلة المنكوبة وبصعوبة نهاية كل شهر، لم يشعر مراقبو جوانب صرفها بأنها لا تلبي أياماً معدودة من احتياجات هذه العائلة، ولكن لا حياة لمن تنادي، لأن القنبلة الصوتية قد أصمت الآذان عن سماع آهات وأنين وشكوى مثل هذه العائلة المنكوبة حقاً في هذا الزمن البحريني العجيب والغريب.

هل تذكرون أصحاب هذه القصة؟ أم تم نسيانها لأنها بحرينية! هي عائلةٌ بلا معيل، فقد توفّي الزوج الفقير أساساً منذ زمن، ولم يترك حتى راتباً تقاعدياً، ولم يوجد أحدٌ ممن يسهرون على الرعاية، سأل نفسه أو العائلة عن أسباب ذلك!

ولكن الأهم هو أن يصدق الجميع، ويطبل البعض لهذا، وتمنع الدهشة بالقول: أيعقل أن يتهم مجموعة معوقين بقضايا أمنية وجنائية؟ مجموعة يضمهم بيت متهالك آيل للسقوط، فتاتان إحداهما مصابةٌ بإعاقة ذهنية، والأخرى خرساء، وابنان أحدهما به إعاقة ذهنية وآخر أخرس لا يتكلم، كتب عليهم الزمن ألا يعلموا بما يدور حولهم من أحداث، وبعضهم يعلم ولكن لا يستطيعون أن ينطقوا، فكيف يصبحون بين يوم وليلة متّهمين؟ قضية شائكة وغريبة وبعيدة عن المنطق والفهم تماماً.

المنزل يهدّدهم، والشارع يهدّدهم، والزمن لا يرحمهم، حتى نطقت جدران المنزل الآيل للسقوط ذات مرة وطلبت من أم حسين أن تحترمه وترمّمه، فقُدم الطلب للجنة البيوت الآيلة منذ ثمان سنوات، ومن يصدق أنه بسبب بضعة مئات من الدنانير، وليس القنابل الصوتية، تأجل الطلب! بل، ويبدو أن الطلب ذهب بطريق الخطأ إلى جهةٍ غير مسئولة، فجاء الردّ على وقع الربيع العربي باتهام العائلة بالتخريب والإرهاب، ومن ثم التهديد والاعتقال لأحد الأبناء.

من يصدق في زمن الكشوف الطبية والتقارير التي يضعها الأطباء عن المرضى وحالاتهم، ألا يتم تصديق الأوراق الصحية الرسمية بأن المتهم والمعتقل حسين معاق ذهنياً، لا مخرباً، ولا معارضاً، ولا سياسياً، ولا إرهابياً، وليس وفاقياً، ولا وعدياً، ولا منبرياً، ولا وحدوياً ولا ديمقراطياً، ولا شيوعياً ولا إخوانجياً، ولا سلفياً ولا... ولا...!

فأين، بعد كل هذا، أصحاب القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء، أم حتى هذه تشوّهت بالطائفية والخوف من أن تكون مع الموالين الصامتين، أو المعارضين الحركيين.

ولا تنتهي هذه القصة إلا لتبدأ من جديد، ولكن تبقى قصة هذه العائلة التي طغى على صوتها صوت القنبلة الصوتية، ليس لأنها الوحيدة في سياق ما يحدث منذ أشهر لمعظم العائلات، بل لأن قصتها من أغرب قصص هذا الزمان القميء وهي تعيش وسط أناس جفّت الرحمة وانعدمت الرأفة في قلوبهم، وفقدوا كل معاني الإحساس الإنساني العالي الذي عمل النبي الأكرم (ص) على زرعه في النفوس. فهل تصحو الضمائر أمام هذه القصص؟ أم مازال على القلوب أقفالها حتى يوم الحشر الأكبر...

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4070 - الإثنين 28 أكتوبر 2013م الموافق 23 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 1:19 م

      قست القلوب...

      قد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي

    • زائر 22 | 10:29 ص

      قتل مظلوما

      الشهيد حسين قتل مظلوما والدليل تناقض ساعة الوفاة الصادرة عن الطبيب الشرعي الذي حددها الساعة الخامسة والنصف وبين التقرير المروري الذي ذكر بان الحادث حصل الساعة السادسة والنصف فمن يحاسب القاتل بجريمته بحق هذا الشهيد وعائلته .... لك الله يا شعبي

    • زائر 21 | 8:45 ص

      احسنت

      احسنت وكثر الله من أمثالك

    • زائر 20 | 8:45 ص

      يا الله

      قصة تبكي حتى الضمائر الميتة ولكن اصبح الانسان اسوء من اشرس حيوان. ......

    • زائر 17 | 7:56 ص

      ظلامة شعب

      تحية للكاتب الأستاذ محمد حميد السلمان .. على الالتفات لظلامة هذه العائلة البحرينية المظلومة و مآساتها المريره .. توصيف دقيق لسياسة الكيل بمكيالين ضد حراك الشعب البحريني ..البحرين مملكة الظلامات .. لك الله يا شعبي ..

    • زائر 16 | 7:54 ص

      حسبنا الله ونعم الوكيل

      ان الله يمهل ولا يهمل ، ولنا في التاريخ عبر ،

    • زائر 14 | 6:03 ص

      ستراوية

      كلمات أبكتني فعلا

    • زائر 18 زائر 14 | 8:23 ص

      الم الفراق

      المشتكى لله عميت القلوب ومات الضمير يرحمك الله ياولدي الى جنان الخلد

    • زائر 11 | 3:11 ص

      عدد التعليقات

      لا اعلم مالذي اصابنا!
      كيف اعمت السياسة فينا البطر والبصيرة
      بعد ان انتهيت من الفصة اعتقدت انه سيكون هناك سيل من التعليقات والاعتذارات ولكني للاسف وجدت 4 تعليقات جوفاء فقط. فاضف لها تعليقا اجوف آخر.
      لا استثني احدا.....

    • زائر 10 | 3:09 ص

      اوجعت قلبي

      كل يوم نتجرع الم فراق الابرياء من ابناء هذا البلد الذي اصبح قاسي على ابنائه ومن قبل من يقتلون من قبل مرتزقة جلبوا ويعطوا كافة الامتيازات لهدف وهو قتلنا ولكن دم هؤلاء الابرياء لن يتركهم

    • زائر 9 | 3:04 ص

      عند الله لا تضيع الظلامات

      يضيعها الانسان ويضيعها القضاء ويضيّعها ما يضيّعها ولكنها عند الله محفوظة ولحكمة يعلمها وحده هو يمهل ولا يهمل

    • زائر 8 | 2:24 ص

      عند الله تتراكم هذه الجرائم ليكون يوم القصاص

      نعم لا تضيع عند الله قطرة دم. نعم هو يمهل ويعطي الفرصة تلو الأخرى لكي لا يكون لأحد حجة على الله ثم يخاطبهم يوم القيامة بخطاب يلقمهم فلا يستطيعوا ردا حيث يسألهم الباريء سؤال مقرّر لهم: أولم نعمركم ما يتذكّر فيه من تذكّر؟
      فيأتي جوابهم من خلال الايدي التي اقترفت الجرائم والارجل التي سعت لأذية خلق الله بنعم اعطيتنا عمرا وفرصة تلو الاخرى ولكن كنا نرى ان تلك الفرص والعمر هو نوع من نشوة النصر، ولكنه المكر السيء الذي يحيق بصاحبه ومكر الله الذي يحيق بالظالمين

    • زائر 7 | 2:14 ص

      لاظمير

      انعدم الظمير واصبح الباطل حق والحق باطل واصبح الانسان ياكل لحم اخيه ويقتله بدم بارد فما هذه الا بوادرها فخروجه هو حلها ولنا في الاخرة حساب مع من تلطخت يده بهذه الجرائم

    • زائر 6 | 2:11 ص

      سؤال ؟

      وين راحت عنهم جمعية الوفاق ليش ماتساعد المحتاجين من انصارها بس شاطرة تدعم الارهاب مو من حق هالجمعيات تساعدهم بعد؟

    • زائر 5 | 1:26 ص

      مهتم

      كفانا متاجرة بمأسي الاخرين !!!!!!!!!!!!

    • زائر 4 | 12:35 ص

      الله ينتقم منهم

      حسبنا الله و نعم الوكيل
      والله على الظالم
      ويوم المظلوم على الظالم اشد
      والله لا يخلف وعده

    • زائر 3 | 12:23 ص

      المشتكى لله

      يا الله

    • زائر 2 | 12:09 ص

      .

      حسبنا الله و نعم الوكيل

    • زائر 1 | 10:25 م

      وحدها الطائفية!

      حتى يوم الحشر الأكبر
      لن تستفيق ضمائرهم
      لأن الحقد وحده من يتملكهم الساعة
      البحرين ما عادت كسابق عهدها
      أين الرحمة؟ الطائفية المتبناة وحدها من تعيش الآن!
      حسبي الله..

اقرأ ايضاً