العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ

طفلي خائف... لماذا؟

في كتابه القيِّم «مشكلة الخوف عند الأطفال»، يتساءل المؤلف الباحث التربوي عبدالحليم الببليسي، عن أسباب الخوف لدى الأطفال، وهو ذاته السؤال الذي تسأله الكثير من الأمهات، لكنه وقبل التفصيل في الإجابة يُعرّف الخوف بأنه حالة انفعالية طبيعية يشعر بها الإنسان وكل الكائنات الحية في بعض المواقف التي يهدده فيها نوع من الخطر، وقد تظهر هذه المخاوف بصورة واضحة في سن الثالثة من العمر، وتتراوح درجاتها بين: الحذر، والهلع والرعب.

ويعتبر الخوف أمراً طبيعياً يشعر به الإنسان في بعض المواقف التي تهدد حياته بالخطر، ويضيف على ذلك بالقول إن الخوف الطبيعي المعقول مفيد للإنسان، فإذا كان الفرد منا لا يخاف النار؛ فقد تحرقه أو تقضي عليه، لكن هناك من الخوف ما هو مَرَضي، بل إن من الخوف ما هو قاتل! فالخوف المبالَغ فيه والمتكرر لأي سبب يكون خوفاً غير طبيعي.

الأطفال... ممَّ يخافون؟

ويأتي بالإجابة، في السنة الأولى يخاف الطفل من الأصوات العالية الفجائية بصفة أساسية، ومن عامين إلى خمسة أعوام تزداد تأثيرات الخوف بتعدد أنواعها، والطفل يخاف من الأماكن الغريبة الشاذة، ويخاف الوقوع من مكان مرتفع، ويخاف الغرباء، كما يخاف الحيوانات والطيور التي لم يألفها، ويخاف تكرار الخبرات المؤلمة كالعلاج والعمليات الجراحية مما يخاف منه الكبار في بيئته، سواء كانت مخاوف واقعية أو وهمية أو خرافية، ويخاف الظلام، والدخان المتصاعد من النار، ويخاف تصديق الأطفال للتهديدات المحيطة، مثل: سأذبحك وسأصل الكهرباء إلى جسمك، العفريت ينتظرك في هذا المكان.

أما بالنسبة للخوف وعلاقته بالثقة بالنفس، فيرى الباحث أن بعض الأطفال يعانون من الخوف مع معظم المواقف، وهؤلاء يعانون من ضعف الثقة بالنفس، وعدم الشعور بالأمن والطمأنينة، وقد يصاحبها ظهور مخاوف غير واقعية، وأعراض أخرى كعدم القدرة على الكلام والتأتأة والانطواء، والخجل والاكتئاب، والتشاؤم وتوقع الخطر.

ماهي الأسباب وراء ذلك؟

السبب هو التربية الخاطئة في الطفولة الأولى، كالحماية الزائدة، أو التدليل الزائد، ومقارنة الآباء بين طفل وآخر، بهدف التحفيز والتحميس مما يأتي بنتائج عكسية.

النقد والزجر والتوبيخ والضرب، أضف إليها التنشئة الاعتمادية التي لا تدفع الطفل إلى التعرف بمفرده على مواقف الحياة.

ومن جملة الأسباب أيضاً تسلط الآباء وسيطرتهم، واضطراب الجو العائلي ومنازعات الوالدين.

وللأسباب الجسمانية أثر، ومنها العرج والحول والطول المفرط، القصر الشديد، التشوه، السمنة المفرطة، انخفاض درجة الذكاء، أما النشأة في بيئة تعاني من القلق النفسي والخوف وعدم الثقة، وتكرار الفشل والإخفاق فهي من أخطر الأسباب.

كيف نعالج المشكلة؟

لعلاج المشكلة يذهب المؤلف إلى عدة خطوات، منها إحاطة الطفل بجو من الدفء العاطفي والحنان والمحبة، مع الحزم المعتدل والمرن، وإذا صادف الطفل ما يخيفه يجب على الأم ألا تساعده على النسيان حتى لا تصبح مخاوف مدفونة، فبالتفهم والطمأنينة والإجابة عن الأسئلة التي تُحيِّرهُ يستطيع التخلص من مخاوفه، ومن المهم تربية روح الاستقلال والاعتماد على النفس في الطفل بالتقدير وعدم السخرية وعدم المقارنة، وتوفير جو عائلي هادئ ومستقر يشبع حاجاته النفسية، ولا ننسى ضرورة اتزان وهدوء سلوك الآباء (بلا هلع ولا فزع) في المواقف المختلفة خاصة عند مرضه، أو إصابته بمكروه؛ لتفادي الإيحاء والتقليد والمشاركة.

ومن الخطوات العلاجية، مساعدة الطفل في مواجهة مواقف الخوف - دون إجبار أو نقد - وتفهمه حقيقة الشيء الذي يخاف منه برقة وحنان، وإبعاده عن مثيرات الخوف (المشاكل - الروايات المخيفة - الخرافات - الجن والعفاريت)، وعدم الإسراف في حثه على التدين والسلوك القويم بالتخويف من جهنم والشياطين حتى لا يزيد شعوره بالضيق والخوف، ومساعدته على معرفة الحياة وتفهم ما يجهل، وبثّ الأمن والطمأنينة في نفسه.

ومن الأهمية بمكان تنشئة الطفل على ممارسة الخبرات السارة كي يعتاد التعامل بثقة وبلا خوف، وعدم قلق الآباء على الأبناء، والتقليل من التحذير وعدم المبالغة والاستهزاء والحماية الزائدة.

المعالجة النفسية

ويمكن للمعالج النفسي المتخصص أن يساهم في علاج المشكلة بإزالة خوف الطفل بربط ما يخيفه بانفعال سرور (تطبيق قاعدة الاشتراط تطبيقاً عكسياً)، وبالعلاج النفسي بالكشف عن مخاوفه ودوافعها المكبوتة، وتصحيح مفاهيمه، وبالعلاج الجماعي الذي يشجعه على الاندماج مع الأطفال وبتفاعله الاجتماعي السليم.

لكن من المهم علاج مخاوف الوالدين وتحسين الجو المنزلي، والتعاون بين البيت والمدرسة في علاج الأطفال، وعدم استعمال التخويف والضرب في المدرسة.

أما الجانب التربوي الديني، فيتوجب على الأم أن تعلِّم ولدها دائماً الخشية من الله -عز وجل- حتى يرق قلبه، وتصير التقوى صفة لازمة له، قال تعالى: «وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى»، (النازعات: 40- 41)، لكن عليها أن تحذر من الإسراف في تهديد طفلها من التخويف والتهديد بالعذاب والنار، وتدرك أن خوف الطفل من الله وحده يمنع عنه الخوف مما سواه.

كيف يمكن اكتشاف علامات الخوف؟

يمكن معرفة تلك العلامات في سنة الطفل الأولى، وهي فزع على ملامح الوجه وصراخ، وبعد السنة الثانية تظهر على هيئة صياح وهروب ورعشة وتغيرات في ملامح الوجه وتقطع الكلام، وقد تظهر مشاكل أخرى كالتعرق والتبول اللاإرادي، أضف إلى ذلك الخوف من الظلام وهو طبيعي لطفل السنة الثالثة، أما إذا نتج عنه فزع شديد، وفقد الطفل اتزانه، كان خوفا شاذَّاً في ضوء التقاليد السائدة.

ويلفت الباحث النظر إلى أن مرحلة الحضانة والطفولة المبكرة مرحلة مهمة لزرع الشعور بالأمن والطمأنينة، ولكبح جماح الطفل في التعبير عن الخوف، والضغط عليه لضبط انفعالاته بالتخويف، يحول دون نموه وجدانيّاً نحو حياة غنية بالخبرات، ويؤدي به إلى الضحالة الانفعالية والانطواء، كما أن دفع الطفل في المواقف التي تخيفه بهدف مساعدته للتغلب على الخوف لا يجدي معه، وقد يضره بشدة، والطفل الأكثر ذكاءً في البداية يخاف من أشياء كثيرة بسبب نمو مدركاته واستطلاعه لما حوله، ومع تقدم السن تقل هذه المخاوف غير المنطقية.

العدد 4072 - الأربعاء 30 أكتوبر 2013م الموافق 25 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً