العدد 4085 - الثلثاء 12 نوفمبر 2013م الموافق 08 محرم 1435هـ

الحُسين ثائراً... وشهيداً

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) وأهله وصحبه، في معركة كربلاء المجيدة، وصمود أخته العقيلة زينب (ع) وما تبقى من أهله في مأساة وبطولة السبي، تواردت إلى خاطري مسرحية عبدالرحمن الشرقاوي «الحسين ثائراً... الحسين شهيداً بطلاً»، التي أخرجها المخرج المسرحي نور الدمرداش، ومثل فيها عبدالله غيث وسميحة أيوب بشخصية العقيلة زينب (ع)، لأن الإمام الحسين وأبطال كربلاء لم يُشخّصوا، بل إن ملحمة كربلاء رويت في المسرحية على لسان أخته العقيلة زينب ومن تبقى من أهله.

المسرحية عُرضت على المسرح القومي، وحضرتها مرتين وحظيت بحديثٍ مع مخرجها الدمرداش حيث كان التواصل حينها سهلاً. كنت أريد معرفة مدى اطلاعه على معركة كربلاء وسيرة أهل البيت، وماذا تعني المسرحية له؟ كذلك أتيحت لي الفرصة لاحقاً للقاء عبدالرحمن الشرقاوي، بعد أن أصبح رئيس منظمة التضامن الآسيوي الإفريقي، وناقشته في المواضيع ذاتها. واتضح لي مدى الانفتاح والتسامح الديني حينها، خصوصاً في مصر التي يعتبر أهلها محبين بالفطرة لأهل البيت، وتحتضن قاهرة المعز مقام رأس الحسين (ع) ومقام الست زينب الصغرى (ع) ابنة الإمام الحسين (ع)، وحكمها الفاطميون لمئتي عام تقريباً.

لكن المهم هو أن مثقفي مصر في عهد الرئيس الخالد والبطل القومي جمال عبدالناصر كانوا ينهضون بحلم النهضة العربية والقومية العربية والوحدة العربية، ولذلك فلم تكن الاختلافات الدينية والمذهبية لتشغلهم، بل إنهم استوعبوا ما في التاريخ العربي والإسلامي من ملاحم بطولية ومنها ملحمة كربلاء.

أما الحدث الثاني ففي بيروت حيث درست بالجامعة الأميركية، وكان الاحتفال بالعاشر من محرم يتم في صورة حفل خطابي في قاعة الكلية العاملية على طريق الشام، وتلقى فيه كلمات لقيادات دينية وسياسية من المسلمين والمسيحيين. وكلها تؤكد التسامح الديني واعتبار الإمام الحسين (ع) شهيد الإنسانية وليس الشيعة أو المسلمين فقط. وأعتقد أن مثل هذه الاحتفالات كانت تتم في بغداد وحواضر عربية وإسلامية أخرى، وكلنا يذكر العديد من المؤلفين المسيحيين الذين اشتغلوا على المواضيع الإسلامية والشخصيات الإسلامية ومنهم جورج جرداق.

ما هي العبرة من ذلك؟ العبرة هي أن نكون إنسانيين أولاً، أي تتملكنا القيم الإنسانية في تعاملنا مع الآخرين الذين يختلفون معنا في الدين أو المذهب أو العقيدة أو القومية أو العرق أو الجنس أو غيرها، وفق قول الإمام علي (ع): «الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق». ومن هنا يجب أن ننظر إلى الأحداث التاريخية في جوهرها وجوهر من قام بها وليس حسبه أو سنه أو دينه أو مذهبه أو أصله وفصله.

إن من الخطأ اليوم، والتعصب الديني منفلتٌ من عقاله والكراهية مستشرية والطائفية تضرب بأطنابها، اعتبار ملحمة كربلاء كأنها شيء يخص الشيعة الإثني عشرية فقط، وأن الإمام الحسين (ع) هو ضحية صراع على السلطة، مأسوف عليه فقط، كما أن من الخطأ للشيعة الإمامية اعتبار الإمام الحسين (ع) يخصّهم فقط، أو أن معركة الطفّ مأساةٌ يجب عليهم الندب واللطم والأسى. كما من الخطأ الكثير من المظاهر المصاحبة لعاشوراء من التطبير، والزنجيل، واللطم والعويل، مع ما يصاحبها من ولائم وذبائح.

إن الإمام الحسين (ع) شهيدٌ ومظلومٌ هو وأهله وصحبه، لكنه بطلٌ هو وأهله وصحبه. وأخته العقيلة زينب على رغم الرزية وعظم المصيبة لم تلطم خدها ولم تنشر شعرها ولم تشقّ جيبها، لا هي ولا أهل الحسين (ع)، بل على العكس، فقد كانت شجاعةً ومتحديةً، وقادت ما تبقى من أهل البيت من النساء والأطفال بحزم وعزم، في ظلّ ظروف السبي المهين عبر الصحراء القفراء على هزّل الإبل.

وكانت مواجهتها للمستبد يزيد بن معاوية في مجلسه آيةً في البلاغة والشجاعة والصمود، حافظت بها على رسالة الإمام الحسين (ع) بألا تنتكس بمذبحة كربلاء. هل لنا من الشجاعة، شيعةً وسنة، مسلمين ومسيحيين، أن نعيد النظر في مواقفنا وسلوكياتنا وإحيائنا لملحمة كربلاء، لنحيي ذكراها كما أراد الإمام الحسين (ع) وأهله وصحبه في ملحمة كربلاء، بأن تكون بطولةً وليست كارثةً؛ وأنها الوقفة الأخيرة في وجه حاكم مستبد؛ وأنها وقفة لإحياء الدين الإسلامي بمعانيه الحقيقية، وليس ديناً شكلانيّاً يسوغ الخضوع للحاكم المستبد. وقد قالها الشاعر على لسان الإمام الحسين (ع)... إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني.

في هذه الأيام لن نفاجأ كما في الأعوام السابقة، بأبواق الفتنة وهي تتصيّد الأخطاء لتنفخ في نار الطائفية البغيضة، أو نزع قوات الأمن لبعض يافطات إحياء عاشوراء، كما لن نفاجأ ببعض مظاهر الشطط من قبل المعزين بالحسين (ع) وأهله وصحبه. لكن لنتذكر كيف كنا نحتفل بعاشوراء في أيام هيئة الاتحاد الوطني المجيدة، حيث كانت خطب المقرئين وخصوصاً القادمين من العراق، مثل الشيخ أحمد الوائلي والخالصي، تركّز على الدروس الوطنية والإنسانية المستمدة من ملحمة كربلاء.

لدي اقتراح طرحته أكثر من مرة ولم أجد أذناً صاغية، فليحتفل بيوم العاشر من محرم في احتفال خطابي من قبل الوطنيين والإنسانيين في هذا البلد شيعةً وسنة، مسلمين ومسيحيين وغيرهم، وبذلك نخطو خطوةً صحيحةً للاحتفال بملحمة كربلاء كما يليق بها، وكما أرادها الإمام الشهيد الحسين (ع) ومن معه من الشهداء من أهل البيت وأصحابه. وأشيد هنا بمبادرة جمعية «المرسم الحسيني» على امتداد عقدٍ في تصوير ملحمة كربلاء ببعد إنساني.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4085 - الثلثاء 12 نوفمبر 2013م الموافق 08 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:47 ص

      مأجورين

      مأجورين بمصاب الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه

    • زائر 2 | 12:38 ص

      وأنا من حسين

      هذا الشطر من حديث متواتر عند كل المسلمين (حسين مني وانا من حسين)
      الشق الاول ربما يفهمه البعض يعني مسألة النسب المادي والمقصود غير ذلك فالنبي الاكرم ابلغ من ان يوضح الواضحات من الامور وهو صنيعة رب العالمين في الاقوال والافعال ليأتي ويقول للعالم هذا سبطي او حفيدي مني!
      المهم الشطر الثاني والذي يدلل على ان المقصود في الشطر الاول هو المنية الراسالية. باختصار هو المجدد لمباديء رسالتي والمعيد للاسلام غضاضته وروحه الرافضة للظلم والاستبداد الطبقي والقبلي والعشائري لذلك استشهد معه من كل الملل

    • زائر 1 | 11:52 م

      الحسين عليه السلام اماما قام او قعد فهو ليس شخصية عاديه

      فما في نفوسنا تجاهه مبدئيا لامبدلا غيره اولا
      فالتأسي بالندب والطم عبرة يغفل كثيرا من يجهلها ويتوهم غير اتساقها لمعانيها فكريا وانسانيا ووجدانيا ووشائج العاطفة بالشعور الذاتي الانساني الصافي
      وفيما يخص الخطابة السياسية بهكذا مناسبة فهي قائمة ومذ قدم ولنا بأبيات الشاعر المرحوم عبدالرحمن قاسم المعاودة فى حمسينات القرن الماضي برثاءه الحسين فى يوم عاشوراء بالتجمع بوسط المنامة والرثاء مازال مستمرا لقيام الساعة

اقرأ ايضاً