«أكثر من 60 في المئة من السيدات يعانين من سلس البول، وهو تسرّب البول لا إرادياً. وعلى رغم إمكانية التخلص من هذه المشكلة أو تخفيفها بنسبة 90 في المئة من الحالات، إلا أن الحقيقة أن شخصاً واحداً فقط من كل أربعة يطلب العون ويسعى وراء الحل من هذه المعاناة».

الدكتورة فضيلة سلمان النجار، استشارية أمراض النساء والولادة والمتخصصة في سلس البول وترهلات الحوض تتحدث لنا عن سلس البول بصورة موسعة. فهي من أوائل الأطباء المتخصصين في هذا المجال في البحرين، فعاملَي عدم وجود أطباء متخصصين في المرض بالبحرين وعدم فهم المريض والطبيب أسباب سلس البول وطرق علاجه، دفعا النجار لخوض التجربة. حيث أتيحت لها الفرصة للتدريب في المستشفيات الباريسية علي أيدي أشهر الأطباء في مجال الجراحة النسائية ومشاكل سلس البول وترهلات الحوض وعلاج التشوهات الخلقية والترهلات الناجمة عن الولادات المتكررة بتقنيات حديثة.

وتقول النجار «بعد أربع سنوات من الدراسة عدت محملة بالكثير من الآمال لعلاج أهل بلدي، ولكن صعوبة نشر ثقافة العلاج كانت في استقبالي»، والآن بعد مضي عشر سنوات على ممارسة النجار التخصص، تجزم أن نساء البحرين يُقبلن على العلاج من غير تردد أو حرج.

ماهو سلس البول ؟

سلس البول هو عدم القدرة على التحكم في عملية إخراج البول، ما يؤدي إلى تسربه لا إرادياً. وهي مشكلة شائعة وتسبب الكثير من الإحراج. وهناك الملايين ممن يعانون من سلس البول أو تسرب البول. وتختلف حدة سلس البول من تسرب بسيط للبول عند السعال (الكحة)، أو حمل أي شيء ثقيل، إلى فقدان القدرة على التحكم الكلي في البول. ولا يعتبر سلس البول حالة طبيعية مع تقدم السن أو نتيجة الولادات المتكررة للسيدات أو بلوغهن سن انقطاع الطمث، فهو حالة مرضية تحتاج التوجه للطبيب.

في الحالات الطبيعية يتجمع البول في المثانة وهي عبارة عن عضو يشبه البالونة تتصل بالإحليل (مجرى البول) الذي يخرج من خلاله البول إلى خارج الجسم من خلال فتحة موجودة في نهايته. أثناء التبول تنقبض العضلات الموجود في جدار المثانة؛ فتقوم بدفع البول الموجود بالمثانة إلى الإحليل (مجرى البول). وفي الوقت نفسه ترتخي العضلات المحيطة بالإحليل لتسمح للبول بالمرور إلى خارج الجسم من خلال فتحة الإحليل. وتحدث الإصابة بسلس البول إذا انقبضت عضلات المثانة فجأة أو ارتخت العضلات المحيطة بالإحليل فجأة.

هل صحيح إن سلس البول هو مرض نسائي بحت؟

سلس البول يصيب السيدات والرجال على السواء، لكنه أكثر انتشاراً بين السيدات؛ فتبلغ نسبة إصابة السيدات ضعف الرجال، وذلك يعود إلى تعرض السيدات للحمل والولادة وفترة انقطاع الطمث، ما يؤدي إلى زيادة فرصة الإصابة بسلس البول خاصة مع تقدم السن. وتصاب السيدات بهذا المرض نتيجة مشاكل في العضلات المسئولة عن التحكم في البول.

ما أنواع سلس البول؟

هناك عدة أنواع مختلفة من سلس البول:

1- سلس البول التوتري (Stress Incontinence):

يُحدث سلس البول التوتري تسرباً لكمية قليلة من البول عند الكحة / السعال، الضحك، رفع جسم ثقيل، أو أي شيء يسبّب زيادة الضغط على المثانة؛ فيؤدي إلى عدم القدرة على التحكم في العضلات ثم تسرب البول. وتظهر المشكلة بوضوح عند امتلاء المثانة بالبول. ويعتبر أكثر أنواع سلس البول انتشاراً هو الذي يصيب السيدات خاصة بعد الولادة وفي سن انقطاع الطمث. ويحدث نتيجة ضعف عضلات منطقة الحوض التي تقوم بدعم المثانة.

2- سلس البول الإلحاحي (Urge Incontinence):

وفي هذا النوع من السلس يحدث تسرب لكمية كبيرة من البول فجأة دون سابق إنذار ودون أي سبب واضح. تشعر السيدة فجأة بالرغبة في التبول، ولكنها قد لا تستطيع التحكم فيه؛ فيتسرب البول منها قبل وصولها إلى الحمام. كما يحدث أثناء النوم. ويحدث نتيجة انقباض فجائي لا إرادي للمثانة.

• سلس البول الوظيفي ( Functional Incontinence):

يصاب بهذا النوع كبار السن؛ بسبب إصابتهم بمرض يعوق وصولهم إلى الحمام عند الحاجة للتبول وعدم وجود شخص يساعدهم في الوصول للحمام، أو فقدهم الإدراك بالوقت نتيجة تقدم السن والشيخوخة، مثل عدم القدرة على الحركة والجلوس على كرسي متحرك، أو الإصابة بالألزهايمر.

• سلس البول الفيضي (Overflow Incontinence):

في هذه الحالة لا يحدث تفريغ كامل للمثانة من البول أثناء التبول. وبذلك تتبقى دائماً كمية كبيرة من البول في المثانة، ما يؤدي إلى تسرب كمية صغيرة من البول كل فترة نتيجة امتلاء المثانة. ويحدث ذلك نتيجة ضعف عضلات المثانة (نتيجة مرض عصبي أو مرض السكر)، أو انسداد الإحليل (نتيجة حصوات أو ورم). وهذا النوع من سلس البول نادراً ما يصيب السيدات.

• سلس البول المختلط (mixed incontinence):

وفي هذا النوع يجمع المريض بين سلس البول التوتري والإلحاحي معاً.

• سلس البول المؤقت (Transient incontinence):

يكون هنا تسرب البول مشكلة مؤقتة نتيجة بعض الأدوية، التهاب المسالك البولية، إمساك شديد،... وبمجرد انتهاء السبب ينتهي تسرب البول ويعود المريض إلى طبيعته.

ما هي عوامل الإصابة بسلس البول المؤقت؟

إنّ الإكثار من شرب الماء والسوائل عن الحد الزائد يؤدي إلى سرعة امتلاء المثانة بالبول في فترة قصيرة؛ ما قد يؤدي إلى تسرب لا إرادي للبول. كما أن شرب الكحوليات يؤدي أحياناً إلى الرغبة في التبول مع عدم القدرة على التحكم في البول.

وهنالك بعض المشروبات مثل القهوة، الشاي، العصائر الحمضية تؤدي إلى تهيج المثانة؛ ما قد يسبب تسرباً للبول بشكل لا إرادي، كما يعتبر الكافيين من المواد المدرة للبول؛ فيؤدي إلى سرعة امتلاء المثانة بالبول وبالتالي يمكن أن يسبب سلس البول.

ويلجأ بعض المصابين بسلس البول إلى الإقلال من شرب الماء والسوائل حتى يتجنب امتلاء المثانة بالبول وتسرب البول. ويؤدي ذلك إلى أن يصبح البول الموجود بالمثانة مركزاً جداً وبه نسبة أملاح عالية، ما يسبب إثارة المثانة وتهيجها وزيادة سلس البول.

ويمكن تصنيف المهدئات، مدرات البول، مضادات الاكتئاب كأدوية تساعد في الإصابة بسلس البول، فهي تؤدي أحياناً إلى عدم القدرة على التحكم في البول. كما أن التعرض للتخدير الكلي بعد العمليات الجراحية، التهاب المسالك البولية، والإمساك، من عوامل الإصابة بالمرض.

ما أسباب سلس البول الدائم؟

يؤدي ضعف عضلات الحوض والمثانة، وبعض الأمراض العصبية، أو وجود ما يعوق مجرى البول، إلى الإصابة بسلس البول الدائم. ومن العوامل المسببة لذلك الحمل والولادة المتكررة، حيث تصاب السيدة الحامل بسلس البول نتيجة التغيرات الهرمونية وزيادة وزن الرحم. وقد تتسبب الولادة في ضعف عضلات الحوض وحلقة العضلات المحيطة بالإحليل التي تمنع تسرب البول. ويؤدي ذلك إلى تسرب البول لا إرادياً من خلال تلك العضلات الضعيفة ويساعدها أي ضغط على المثانة مثل الكحة / السعال أو رفع أجسام ثقيلة. كذلك قد تؤثر الولادة على أعصاب المثانة والأنسجة الداعمة للمثانة؛ ما يؤدي إلى هبوط المثانة إلى أسفل من منطقة الحوض وظهور بروز من خلال المهبل. وقد يحدث هبوط لأعضاء أخرى غير المثانة مثل الرحم أو المستقيم فتنزلق إلى أسفل من مكانها وتبرز من المهبل. ويتسبب هذا السقوط في الإصابة بسلس البول.

ويلعب تقدم السن دوراً كبيراً في الإصابة بالمرض؛ فمع تقدم السن تقل قدرة المثانة على تخزين البول، كذلك انخفاض مستوى هرمون الإستروجين عند بلوغ السيدة سن انقطاع الطمث يؤدي إلى تسرب البول لا إرادياُ.

ومن العوامل المساعدة في الإصابة بسلس البول هي حصوات المثانة أو سرطان المثانة، أمراض عصبية مثل مرض باركينسون، ورم بالمخ، واستئصال الرحم. وهذه الأخيرة تكون بسبب ارتباط المثانة والرحم بالأربطة والعضلات نفسها؛ فعند استئصال الرحم لأي سبب ترتفع خطورة إتلاف عضلات الحوض؛ ما يؤدي إلى الإصابة بسلس البول.

من أين نبدأ العلاج؟

دائماً نردد «الوقاية خير من العلاج»، فمعرفة المريض أسباب مرضه يجعله أكثر حذراً، كما أن ممارسة التمارين والإكثار من شرب الماء يقلل من نسبة حدوث سلس البول. وبالحديث عن التمارين، فهنالك تمارين خاصة تسمى تمارين كيجل (Kegel)، يمكن للسيدة القيام بها لتقوية عضلات الحوض وبذلك يقل سلس البول أو يختفي تماماً.

وطريقتها أن تنام السيدة على ظهرها ثم تحاول قبض عضلات مجرى البول والمستقيم وكأنها تحاول منع نزول البول أثناء التبول. ثم تنتظر 5 ثواني تقريباً ثم تقوم ببسط العضلات مرة أخرى. وتكرر هذا التمرين 10 مرات في التمرين الواحد في البداية ثم يزداد العدد تدريجياً بأقصى عدد تستطيعه السيدة. وتقوم بعمل هذا التمرين 4 مرات يومياً.

ويمكن القيام بالتمرين نفسه لكن أثناء التبول. تقوم السيدة أثناء التبول بمحاولة وقف نزول البول بانقباض عضلات الحوض وتنتظر 3-5 ثواني، ثم تستمر في نزول البول، ثم تتوقف ثانية، وتكرر ذلك مرات عدة.

ماذا عن التحفيز الكهربائي الذي يستخدمه الأطباء للعلاج؟

التحفيز الكهربائي (Electrical Stimulation)، هو عندما يتم استخدام تيار كهربائي ذي شحنة قليلة لتقوية عضلات الحوض. حيث يتم وضع الأقطاب الكهربية في المهبل أو الشرج لتحفيز العضلات. وتستخدم تلك الطريقة في حالات سلس البول التوتري وسلس البول الإلحاحي. ونتائج هذه الطريقة تشبه تمارين تقوية عضلات الحوض.

متى يكون التدخل الجراحي لازماً؟

ينصح الطبيب بالعلاج الجراحي في حال فشل العلاجات الأخرى أو بسبب توقف المريض عن العلاج لأي سبب كان. ويتم اختيار نوع الجراحة حسب نوع السلس. وبشكل عام يتم إجراء الجراحة لتقوية عضلات الحوض أو لرفع المثانة إلى أعلى. وتحتاج العديد من الجراحات المتبعة فقط إلى شق بسيط صغير في منطقة البطن، أو كما في البعض الآخر عن طريق المهبل.