العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ

حين يكون الوطن مرّاً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كلُّ مواطن يحلم بأن يكون وطنه بطعمٍ حلو يروق له، فيصاب بخيبة أملٍ حين يكبر ويكتشف أن طعم موطنه مرٌّ كالعلقم، فالأوطان هي الحضن الأول الذي يشعر فيه المواطن بالأمان، وهي السقف الذي يظلله من كل ما يهدر عليه هذه الحاجة التي يجب أن تكون مرادفةً لكلمة وطن.

ولهذا؛ فإن الكثير من الشعوب تركن إلى النزوح عن أوطانها حين لا تُحقِّق لها هذه النعمة، كما يحدث في حالات الحروب وحالات الاضطرابات الأمنية التي ترافق الثورات المسلحة مثلاً، كما يحدث الآن لفئات كثيرة من الشعب السوري، التي هاجرت بحثاً عن السلم والأمن، حين أهدرهما الصراع المحتدم بين المعارضة المسلحة والسلطة فراح ضحيته أبرياء كثيرون، وكما يحدث كذلك في العراق الذي هجّر كثيراً من أبنائه بحثاً عن ذات الضالة التي ينشدها البشري حين يكون طبيعياً على فطرته، بعد كل السعار الطائفي الذي يقتل عشرات الضحايا في كل أسبوع، وهو نفسه الدافع الذي من أجله يهاجر أبناء أي وطن حين يبخل عليه بخيره كما يحدث مع أبناء بعض الدول العربية التي اعتدنا رؤيتهم في كل الأقطار العربية، وهم يعملون ويبنون بلداناً غير بلادهم بحثاً عن رزقهم ورزق من يعيلون، فالفقر في الأوطان غربة لا يتحقق معها الأمان لأن المواطن سيكون مشغولاً بقلقه طوال حياته، وهو ما يدعو بعض أخواننا من المواطنين لهجرة بلادنا خوفاً من الملاحقة الأمنية بسبب رأي سياسي أو كلمة حق قيلت في وجه ظالم.

في بلادنا، صار طعم الهواء مرَّاً بعد أن نُفِيَ المواطنون ووطُِّن الأغراب، وصارت الأرض شوكاً وهي تضنُّ بخيراتها على بنيها، بينما تقرّب من جاءها طامعاً.

في بلادنا صار الفساد أمراً طبيعياً يمرّ مرور الكرام في صفحات تقارير أخذت الوقت والجهد الكبير لإعدادها وكتابتها، لتخرج في كل عام بمئات الفضائح المكشوفة التي تخفي وراءها مئات أخرى لم يعلَن عنها أو لم يستطع الآخرون كشفها لأنها مناطق محرمة عليهم ومحرمٌ على أي مواطنٍ الخوض فيها ودخول محيطها، فصار الفساد مدعاة أخرى لانعدام الأمان لما يتبعه من سرقة لأموال المواطن وخير البلاد في وضح النهار وبمباركة رسمية في ظل سياسة الإفلات من العقاب التي عرفناها منذ أن فهمنا معنى الفساد بعد أن انقشع الضباب عن أعيننا لإصرارنا على الرؤية من غير حجاب.

فالوزراء الذين يباركون كل هذه السرقات ويوقعون الأوراق مازالوا على مقاعدهم، والمدراء الذين سرقوا مازالوا محميين، والموظفون الذين نفذوا يتمتعون حتى اليوم بالمكافئات والهبات، بينما المواطن الشريف يبحث عن عمل يليق بشهاداته وشرفه وإخلاصه فلا يجد.

في بلادنا تسقط قطرة مطر فتغرق القرى والمدن والشوارع الرئيسية حتى تلك التي صُرِفت على صيانتها ملايين الدنانير، وما إن تتوقف الأمطار، حتى تشرع الجهات المسئولة «بشفط» المياه كما «شفطت» الخيرات من قبل، وتنسى أن تقوم بواجبها كاملاً، فاليوم مازالت بحيرات المياه في بعض القرى موجودة على الرغم من تصريح الوزارة المعينة بأنها انتهت من شفط جميع المياه في فترة قياسية.

في بلادنا يعجز المرء عن تعداد مواطن الضعف، وتعداد مواطن الفساد، وتعداد مواطن القهر التي يعيشها المواطن، ويعجز عن تعداد عدد المواطنين المحرومين من أبسط حقوقهم كالسكن الملائم لتكون أرقام المنتظرين من أبناء الوطن الأصليين وعدد سنوات انتظارهم دليلاً على عجز المسئولين عن حل هذه المشكلة، والعمل المناسب، والخدمات الصحية المناسبة، كمرضى السكلر التي عرَّت معاناتهم كل التصريحات الواهية لوزارة الصحة ومنتسبيها، والأخطاء الطبية المتكررة مازالت تحتل الصفحات الأولى من الصحف اليومية، كما يعجز المرء تماماً عن تعداد عدد الأراضي المسروقة وعدد الدنانير المنهوبة وعدد الصفقات غير القانونية التي تتم من تحت الطاولة ومن فوقها وفي الظلام والنور.

في بلادنا صار من يكتب كلمة حق في عداد المشكوك بوطنيتهم، ومن يكشف السرقات عميلاً مدسوساً، ومن يدافع عن حقه وحق أبنائه مجرد دمية تحركها دولة خارجية فلا يستحق أن يكون مواطناً.

هلَّا غيَّرت طعمك يا وطني لتصبح بطعم الشهد بدلاً من طعم قهوتهم التي لا أحب.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 10:05 ص

      محمد

      يا اختي الكريمة ؟؟ كما تكونوا يولى عليكم ؟؟ وللاسف الفساد جاي من الموظفين الصغار ومدرائهم ؟؟ والقبيح ان الفساد مو لمصلحة انما لتطبيق جزء من عاداتهم وتقاليدهم ودمروا روحهم بخرافات والاوهام

    • زائر 15 | 9:00 ص

      كله

      كله هادى الظلمات جاء من التكفيريين الى ابتدعو دين جديد غير الاسلام حتى دين السنه دمروه المجرمون الشره على السدج من البشر الى صدقوهم واتبعوهم الله على زمان اول محبه بين الشعب السنه والشيعه اتو التكفيريين ودمرو كل شى المشتكى لله ياناس افهمو انه عيسى ابدينه ومو سى بدينه

    • زائر 14 | 3:25 ص

      خوش

      الفقر فى الوطن غربه

    • زائر 13 | 3:14 ص

      واقع نعيشه

      نعم هذا واقع نعيشه نحن كمواطنين في هذا البلد بينما الغريب يرى غير ذلك تماما لذلك يخرج ابن الوطن ليبحث عن الكرامه خارج بلده ويترك بلدة للاجنبي

    • زائر 12 | 3:09 ص

      آه يا وطن

      حتى عيالنا الصغار عرفوا الطعم المر لهذا الوطن - اسمغوهم أثناء المذاكرة لمادة التربية للمواطنة

    • زائر 11 | 2:38 ص

      المختصر هو

      نُفِيتُ واستوطن الأغراب في وطني
      ودمروا كل أشيائي الجميلاتِ

    • زائر 10 | 1:40 ص

      يسلم قلمك

      تسلمين استاذة مقال ممتاز

    • زائر 9 | 1:32 ص

      2030

      تلك هي الايام الجميلة التي لم نعشها بعد

    • زائر 8 | 1:25 ص

      مقال جميل وواقع مرررررر

      مقال مميز جدا كتب بقلم رشيق جدا

    • زائر 5 | 11:36 م

      نفسي وإن جارت عليَّ عزيزة لكن المرأه في الغربه وطن!

      قيل في الصبر كثير منها أن الصبر جميل كما الصبر مفتاح الفرج إلا أن الصبر مر يقال! يعني ولرب نازلة يضيق الفتى بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
      ضاقت ولما إست حكمة حلقاته فرجت وأنا الذي كنت أضنها لا تفرج
      فقد يكون بعض الضن إثم لكن دوام الحال من المحال هنا يقال أن الظلم الواقع على الناس قد يكون بسبب أفعال أو أعمال البعض من المتمصلحين من الوضع القائم لكن الأمر لله ونسأل الله أن يكون فرجه قريب. أووا ليس الصبح بقريب؟

    • زائر 4 | 11:36 م

      سلمت أناملك

      مقال جميل جدا هذا هو الواقع سلمت أناملك

    • زائر 2 | 11:13 م

      الاديبة السياسية

      كيف لقلب غارق في الادب ان يغرق في السياسة .. انه الزمن المر الذي غرق في وحله الكبير والصغير .. لم يبق لنا هذا الوطن غير طعم العلقم نتجرعه كل يوم .. ((هلَّا غيَّرت طعمك يا وطني لتصبح بطعم الشهد بدلاً من طعم قهوتهم التي لا أحب.))

    • زائر 1 | 11:10 م

      للأسف هذا ما يريدونه

      هذا ما يفعلوه بوطني لأنهم غرباء عن الوطن، ولكن بوجود الناس التي تسعى للتغيير وإقاف هذا المرار من أمثالك والمواطنيين الذين يهمهم أمر مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في هذا البلد، سيكون بلدنا أفضل وقريبا قريبا بإذن الله.

اقرأ ايضاً