العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ

الأبعد من جنيف بين إيران والغرب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رايان كروكر، دبلوماسي أميركي منذ العام 1971. وهو سفير سابق لبلاده في كل من لبنان، باكستان، أفغانستان والعراق، وقبلها دبلوماسي في إيران قبل الثورة، وكذلك في القاهرة. هذا الرجل، كَتَبَ مقالاً مهماً قبل أسبوعين في صحيفة «نيويورك تايمز»، حول «الطبيعة المفترضة» للمفاوضات «الناجحة» مع إيران بشأن ملفها النووي، وهو ما سأعتمد عليه في هذا المقالة.

كروكر، يستذكر مفاوضاته مع الإيرانيين، قبل اثني عشر عاماً، عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، وقرار الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بالتدخل في أفغانستان. كروكر قال: «كان موقف الإيرانيين بنَّاءً وبراجماتياً ومركَّزاً» خصوصاً وأن طهران كانت في عداء مع حركة طالبان في وقت سابق بعد قيام الأخيرة بقتل تسعة دبلوماسيين إيرانيين في مزار شريف.

بعد الإجهاز على حكم حركة طالبان في كابل وقندهار، عقب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2001 «لعب الاتفاقُ الإيراني الأميركي في مؤتمر بون حول أفغانستان دوراً مركزياً في تأسيس السلطة الأفغانية المؤقتة التي ترأسها حامد كرزاي، رئيس أفغانستان الحالي» كما يقول كروكر. ثم يضيف: «وقمنا بصياغة اتفاقيات حول قضايا أمنية مختلفة ونسَّقنا مقارباتنا لموضوع إعادة البناء».

في أتون هذا التعاون، أخطأ جورج بوش بعد وضعه إيران في محور الشر مع العراق وكوريا الشمالية، الأمر الذي جعل طهران تعتقد أن الولايات المتحدة «لا تزال تكنُّ عداءً متصلباً للجمهورية الإسلامية»، فـ «كان دفعُ الثمنِ فورياً» من قِبَل الإيرانيين ضد واشنطن كما يقول كروكر، حيث سهَّل الإيرانيون سراً دخول «لورد الحرب» قلب الدين حكمتيار (الذي كان يسكن إيران) إلى أفغانستان فـ «ظلَّ طليقاً وحُراً في شَنِّ هجماته على التحالف والأهداف الأفغانية».

وطبقاً لإحصائية نشرتها وكالة «أسوشيتد برس»، أنه ولغاية الثالث عشر من أغسطس/ آب من العام 2013، بلغ عدد قتلى الجيش الأميركي في أفغانستان 2126 جندياً، وجُرِحَ تسعة عشر ألف ومئة وثلاثة جنود من الجيش الأميركي، حيث كان للحزب الإسلامي الذي يتزعمه حكمتيار دور رئيسي فيها. وقد كان عمل الإيرانيين مزدوجاً في أفغانستان، عبر دعم حكومة كرزاي والأعضاء السابقين فيها من تحالف الشمال الذي كان يحظى بدعمهم سياسياً وعسكرياً خلال الصراع مع طالبان منذ العام 1996 ولغاية العام 2001، وأيضاً عبر دعم العمليات التي تجري ضد الأميركيين والناتو.

في ختام مقاله يُعطي رايان كروكر، أربع نصائح للمفاوضين الأميركيين، إذا أرادوا لاتفاق جنيف النووي مع الإيرانيين أن ينجح. الأول: أن تكون هناك محادثات مباشرة بين الأميركيين والإيرانيين، مع «استمرار مشاركة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وألمانيا». ثانياً: أن تكون تلك المحادثات بعيدة عن الأضواء ويُحيطها التكتُّم، لأن «الكشف عن التفاصيل قبل الأوان سيوفّر ذخيرةً لأولئك الذين يعارضون المحادثات وَيَحِدُّ من مرونة المفاوضين» حسب وصف كروكر.

ثالثاً: «على أميركا أن تكون مستعدةً لطرح قضايا أخرى إلى جانب قضية الملف النووي»، حيث «يمكن أن يَبنِي إحرازُ تقدمٍ في أحد المجالات الثقةََ، ويسهّل التقدم في مجالات أخرى» كما يقول. رابعاً: «يجب على الولايات المتحدة توضيح» أنها لا تسعى «إلى إسقاط النظام الإيراني»، كون «الرُّهاب الإيراني حول هذه المسألة لا حدود له». ولو دقّقنا في هذه النصائح الأربع، سنجد أن الولايات المتحدة طبقتها أثناء وقبل التفاوض مع الإيرانيين في جنيف، الأمر الذي أنجح اتفاقهم.

ففيما خصَّ النصيحتيْن الأولى والثانية، سنرى أنهم (الأميركيون والإيرانيون) ومنذ عام، كانوا في حوارات سرية عبر وسيط، أنضَجَت لحظة جنيف. وقد نقلت «رويترز» عن دبلوماسيين غربيين قولهم أنه «على الرغم من وجود ست قوى (دولية خلال محادثات جنيف النووية) فإن مَنْ لديه في النهاية سلطة إبرام أو إفشال التوصل إلى اتفاق هما إيران والولايات المتحدة».

أما فيما خصَّ النصيحة الثالثة، فإن مسألة طرح قضايا أخرى بشكلٍ موازٍ لطرح الموضوع النووي، لهو أمر شبه محسوم، سواءً في جنيف أو في اللقاءات السرية التي جرت خلال عام، وهي باعتقادي التي أفضت إلى تحقق نظرية رايان كروكر بأنه «يمكن أن يَبنِي إحرازُ تقدم في أحد المجالات الثقةَ، ويسهّل التقدم في مجالات أخرى» وبالتحديد قضايا الشرق الأوسط وغرب آسيا.

وقبل أيام، صرَّح المستشار العسكري للمرشد الأعلى في إيران الجنرال يحيى رحيم صفوي قائلاً: «إيران محور اتصال القارات الثلاث، آسيا وإفريقيا وأوروبا، وحلقة الوصل بين الشمال بالجنوب، ونفوذها السياسي والثقافي قد ازداد في الوقت الحاضر، وعلى القوى الكبرى أن تدرك أن إيران هي التي تحدّد التغييرات والتطورات في منطقة غرب آسيا، وهي الضمانة في هذه المنطقة ومركز ثقلها».

أما في النصيحة الرابعة، فإن النصائح الثلاث يكرسونها آلياً، كون الأميركيين أخذوا في الاعتراف بالدور الإيراني في المناطق التي يتواجدون فيها، أو هم يستعدون إلى تعزيز مركزهم فيها. وقد يكون الموقف التركي الأخير، فيما خصّ الدعوة إلى وقف القتال في سورية لإنجاح جنيف، أحد الدفوع الأميركية في ذلك، فضلاً عن مواقف الائتلاف السوري «الناعِمة» فيما خصّ مشاركته في المؤتمر المذكور، رغم إصرار دمشق على بقاء الأسد ووصف رحيله بالحلم.

ما يبدو في كل الذي جرى ويجري، أن هناك تغييرات بدأت تعتمل في السياسة الدولية، مع بداية التحضير لـ: انسحاب أميركي من أفغانستان؛ مؤتمر جنيف الخاص بسورية؛ أمن العراق والخليج العربي؛ تحديات الولايات المتحدة الأميركية وأوربا في أوراسيا والقوقاز بالتحديد. الاضطرابات في بحر الصين الشرقي، بعد نشر الصين بما أسمته «منطقة تحديد الهوية للدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي» في منطقة مهمَّة للغاية، وتعادل «ثلثي مساحة بريطانيا».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4102 - الجمعة 29 نوفمبر 2013م الموافق 25 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:01 ص

      يقال انفكت السبحة وبدات خرزات الاجتماعات الامريكية السرية في الظهور للملآ..

      فقد ذكرت جريدة وورلد تربيون الامريكية أن هناك محادثات وحوارات "سرية" جارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحزب الله اللبناني الذي ترعاه إيران.
      وقالت مصادر برلمانية لبنانية إن دبلوماسيين أمريكيين بدءوا اتصالات مع سياسيين تابعين لحزب الله في بيروت، مشيرين إلى أن المحادثات متعلقة بالاستقرار في لبنان وحول تشكيل الحكومة المقبلة.
      يبدو ان امريكا تطبق القول الماثور {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان}.

    • زائر 5 | 8:46 ص

      شكرا

      تحليل راقي ومتابعة جسدة منك استاذ محمد

    • زائر 2 | 2:53 ص

      السفير الامريكي

      اذا كان سفيرا في ايران قبل الثورة فهو اذا عراب الجاسوسية فيها.

    • زائر 1 | 9:46 م

      احسنت

      مقالاتك دائما دسمه
      ربي يوفقك ولايحرمنا من ثقافتك

    • زائر 3 زائر 1 | 4:51 ص

      القوة

      منطق القوة هو المسيطر والقوة هو اعتماد الدول على شعوبها ولي استيراد آخرين هدفهم اثراء انفسهم وليس خدمة الوطن الجديد

    • زائر 4 زائر 1 | 4:56 ص

      القوة

      ايران هي من فرضت نفسها على العالم رغم الحصار الذي فرض عليها..آه ثم آه ، متى بعد اشوفش يا بحرين في هالموقف

اقرأ ايضاً