العدد 4103 - السبت 30 نوفمبر 2013م الموافق 26 محرم 1435هـ

هلوسات صحافي افتراضي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

جلس الصحافي الافتراضي مع شلة الأنس في شرفة الشاليه بجزر أمواج والصهباء رفيقة ليلة أنس واعدة حيث أرخى الليل سدوله، والأنوار متلألئة وتنعكس على مياه البحر الزرقاء، وأمواج البحر تتكسر على الشاطئ الرملي، وتصدر أصواتاً موسيقية متكررة وكأنها لحن العناق.

بعيداً عن الاحتجاجات الصاخبة، والهتافات المرتفعة، والشوارع المسدودة، ونقاط التفتيش المزعجة، وتجوّل قوات شرطة الشغب الخانقة، وبعيداً عن غبار الأتربة، ومناظر البؤس، تداعت إلى شلة الأنس مشاعر الحبور والرضا لما هم فيه من نغنغة وعز.

الصحافي الافتراضي الذي تعلّم أصول المهنة وأساليب التدليس والدسّ، تفوق على معلّمه.

وبدأ الجو يحلو، مع الناعمات البيض، والقوام المتماوج، يا جماعة نحن نعيش في أحلى بلد، نحن ننعم بحياة لا يحلم بها الاسكندنافيون، نحن نتمتع بحريات لا يتمتع بها الإنجليز. نحن نشرب الراح التي تضاهي راح الفرنسيين، ونأكل أصنافاً من الطعام لا تتوافر للإيطاليين.

نحن نعيش في ظل نظام ديمقراطي أفضل من فنلندا. نحن أحرار دون أن ندرك ذلك، ويتوجب على العالم أجمع أن يأتي إلينا ليتعلم كل شيء، التخطيط والتنظيم والمؤسسات والقوانين وبناء الدولة وتلاحم المجتمع، وتجليات الإبداع في التعليم والصحة والأشغال والمواصلات والثقافة والعلوم والفن وعلم الفلك وعلم الفضاء أيضاً.

أحد رفاق السهرة ضاق ذرعاً باستطراداته فنهره قائلاً: «يا للخو مو كأنك كثرت من شرب الآيس! يعني صحيح نحن بنعمة والإنسان ما يدرك النعمة إلا بعد أن يفقدها، لكن أنت لم تترك شيئاً للمستقبل وللأجيال القادمة! يعني نحن عندنا طموح للمزيد، والكمال لله، صحيح أن نظامنا الديمقراطي ممتاز لكننا نطمح لأن يكون نموذجاً يستنسخ من قبل الدول الطامحة للانضمام إلى ركب الحضارة. صحيح أن حقوق الإنسان مصانة وتحظى بالرعاية لكننا نطمح أن يأتي إلينا الخبراء والمسئولون ليطلعوا على تجربتنا ويستوعبوها من خلال المعاهد العتيدة والجامعات الراقية لدينا. كما يمكننا أن نرسل الأساتذة والمدربين إلى جامعاتهم ومعاهدهم لإطلاعهم على تجربتنا الفذة. لكن ذلك لا يعني أننا بلغنا الكمال، ويمكننا أن نتواضع ونتعلم من الآخرين.

ثالثهم وقد تجلى، خاطب الجميع: يا جماعة! خلونا من النقاش والسياسة خلونا نستانس. أنا ما صدقت بتجاوز نقاط التفتيش وزحمة السير وزوغت من أم العيال واليهال، اللي طاقَّة روحهم من الضيق، وهم يلحون عليّ: ودنا انروح للساحل نشم هوا، وهو وين الساحل، أنا هربت منهم وادعيت إني في شغل طارئ.

يا جماعة حياتنا ترى كدره. وين أصدقاء أيام زمان، وين أصدقائي جعفر وحسين وعباس، اللي درست معاهم على كرسي واحد، وينهم يا اللي كنت أبيّت في بيوتهم وآكل معاهم، وأفرح وأحزن معاهم. أم جعفر (فطوم) مثل أمي (شمة)، وأبوجعفر (كاظم) مثل أبوي عبدالرحمن، وين شاطئ اليابور اللي كنا نصيف فيه كل سنة بعيداً عن حر محرق؟ وينه؟ حد منكم يعرف وينه؟ وين نخل الإسماعيليات اللي كنا نسبح في بركتها؟ وين أصحابي اللي كانوا يتمشون ويانا في دواعيس ستيشن بالمحرق ونأكل حلوى اشويطر، وسمبوسة راجو؟ وينهم اللي كنا نزوغ من المدرسة ونسبح معهم في عين عذاري؟

ثم انخرط في نشيج، وغطّى عينيه الدامعتين بكفيه.

رابعهم التفت للصحافي الافتراضي معنفاً: «ما قلت لك لا تجيب خرابيطك هنيه، زين اللي سويته! طيّب، ما في أحد منا عايش النغنغة اللي أنت فيها، لكن حنا أصدقاك، ولازم تراعي مشاعرنا وتخلي الربربة عنك.

تكهرب الجو ولم يعد المزاج رائقاً، وانفض السامر، وتفرق الأحباب، لكن الصحافي الافتراضي، سارع لكتابة الربربة على الورق، وفي اليوم التالي فوجئ أفراد الشلة بقراءته في الصحيفة المعروفة، وهو يستشهد زوراً بأقوالهم التي تدعم ربربته!

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4103 - السبت 30 نوفمبر 2013م الموافق 26 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:56 م

      شكرا

      شكرا لك على هذا المقال الاكثر من رائع ، سلمت اناملك التي مسكت بها هذا القلم الحر الذي يابى الضيم .

    • زائر 9 | 12:34 م

      لفتة

      العيش في هضيمة على أمل احلى من النغنغة على وجل

    • زائر 8 | 12:34 م

      لفتة

      العيش في هضيمة على أمل احلى من النغنغة على وجل

    • زائر 7 | 8:35 ص

      ما شاء الله يا دكتور ..الاسلوب القصي أسلوب شيق ومثير

      أنني دائما آلاقي المتعة في قرائة مواضيعك إضافة إلى قيمة الموضوع. فعلا هذا هو الحال. يضحكون على بعضهم البعض هم وغيرهم يضحكون بالذل والهوان، لكن على قول غوار الطوشي "تنقصنى شوية كرامه".

    • زائر 5 | 4:20 ص

      نبده

      نبده عن الصحفيين الموالين حقا انهم شاطرين فى الكذب ولااشلون من كذبهم وفى ناس سدج كله اصدقهم

    • زائر 3 | 1:18 ص

      حثالة البشر نظرهم قصير بقصر لذاتهم الشخصية

      هؤلاء لا يستطيعون النظر ابعد من لذة الآيس ولذة الرقص والهزّ الذي يعيشونه
      العالم دنياه وآخرته تتمثل لديهم في كأس من الآيس كما قلت فلا دين ولا دنيا ولا آخرة ولا مبدأ سوى تلك اللذة الآنية الوقتية تباع اوطان وتباع المباديء وتباع الاخوة ويباع كل تاريخ

    • زائر 1 | 9:51 م

      ابداااااااااع

      أحسنت والشكر موصل لك يامخلص لله والوطن ، كلماتك من القلب للقلب تباً لكل يداً هدمت نسيج وطننا ويرينا الله سبحانه وتعالى فيهم قريباً

اقرأ ايضاً