العدد 4116 - الجمعة 13 ديسمبر 2013م الموافق 10 صفر 1435هـ

الكوارث وأخطار الطبيعة في مرآة الصحة العامة

محمد حسين أمان

طبيب ومدرس إكلينكي، باحث في طب الطوارئ

تقنيا، تعرف الكارثة على أنها حالة من الاختلال الوظيفي الشديد قد يتعرض لها مجتمع وما ينتج عنها من ضرر واسع النطاق بشرياً، وبيئياً، واقتصادياً، ومادياً ولا يستطيع ذلك المجتمع بامكاناته وموارده المحلية المختلفة درء العواقب ومواجهة تحديات الاستجابة الفاعلة وتقليل الضرر، ويستلزمنا هنا الانتباه إلى المعنى اللغوي السليم فبدلاً من أن نقول الكوارث الطبيعية وما يستجلب ذلك من معنى، مفاده أن أثر تلك الكوارث نتيجة حتمية (أو طبيعية)، بينما الأصل في المفهوم هو أن ما يحدد حجم وشدة الضرر هو استجابة المجتمع لما تأتي به الطبيعة من معطيات تؤثر في الفرد وما اليه من مقدرات.

منذ الوجود البشري، رسمت كوارث الطبيعة سمة وعاملا فاعلا للمراضة والموت، ومع تقادم الوقت أخذت في الازدياد المطرد، فمنذ العام 1990، أثرت كوارث الطبيعة على ما لا يقل عن مئتين وسبعة عشر مليوناً سنوياً، وهو ما ينذر، على المستوى المنظور والمستقبلي، بنشوب أزمات انسانية خانقة.

ففي العقود الأخيرة، شكلت التدخلات المهنية للصحة العامة في الاستجابة الانسانية لتلك الأحداث تطوراً نوعياً في المساعدة العاجلة.

بشكل عام تصنف كوارث الطبيعة على أنها اما أن تكون كوارث بيولوجية، أو جيوفيزيائية أو هيدرومترولوجية أو مناخية، ولن نتعرض هنا إلى البيولوجية منه لما لها من خصوصية تحليلية لا يتسع لها المكان هنا ولا تقتضيها موارد بحثنا هذا، كما أنها لا تشكل علاقة وثيقة بما يسبقها من كوارث، حيث شكلت الكوارث المناخية ما يقارب الثمانين في المئة من الارتفاع المطرد في الحدوث، في حين ثبت معدل الجيوفيزيائية، وقد أسهمت عوامل عدة منها زيادة رقعة التصحر، وتنامي التمدن، واستهلاك البيئة في تقوية المتغيرات المناخية مثل ارتفاع الحرارة، وازدياد الرياح العاتية والعواصف المائية، وانعكس كل ذلك سلباً على صحة السكان وجعلهم معرضين لخطر الوباء أو العاقة أو الموت المحدق.

على سبيل المثال خلف زلزال هاييتي، في دقائق معدودة، في العام 2010 250 ألف ضحية، وأتى على دمار معظم المستشفيات والمنشآت الصحية، وترك الكثير بلا مأوى.

شكل العام 1970، وما شهده من حوادث مثل اعصار بنغلاديش، علامة بارزة في آلية تعاطي أدوات الصحة العامة مع عوائق شح وقلة فاعلية الموارد المحلية في نطاق الاستجابة والمساعدة الانسانية، وقد شهدت تلك الحقبة كذلك ادماج أدوات ووسائل علم الوبائيات لتقليل المراضة وخطر الموت للمدنيين الذين يقعون تحت طائلة السواد الأعظم من الكوارث. وعلى الصعيد ذاته، انثنى ممارسو الصحة العامة في توسعة الأعراف الأخلاقية العالمية، وحقوق الانسان والقانون في حالات الكوارث.

تشكل الصحة العامة لبنة أساسية في الاطار العملي والتشغيلي لمجهودات التخفيف والاستجابة على المستوى الاقليمي والعالمي، حيث يشمل ذلك التحكم ومواجهة الأمراض، الصحة الانجابية ورعاية الأمومة، الاسناد النفسي والاجتماعي، التدخلات الطبية والجراحية العاجلة، والغذاء وخدمات الصرف الصحي. وعادة ما يتدهور الوضع الصحي عندما تطرق الكوارث أبواب المجتمع، تساهم بشكل فاعل في نزوح الأفراد وهدم مفردات أنظمة الرعاية الصحية، ما ينتج عنه الاضرار بالخدمات الضرورية كبرامج التمنيع ورعاية الأمومة والتغذية العلاجية.

ومن أهم الاحتياجات الضرورية عند حدوث كوارث الطبيعة، الماء والغذاء والصرف الصحي والملجأ، ويبقى ما يتأتى للمجتمع من بنية تحتية صلبة، هو المعيار الأهم في تحديد فاعلية الاستجابة كماً ونوعاً، حيث يمثل التحضير المسبق والمتقدم لكوادر الرعاية الصحية في مجال البحث والانقاذ، إلى جانب سرعة وآنية الرعاية الطبية الطارئة الأساس في زيادة فرص البقاء للمصابين، في حين تبقى الحاجة ماسة للرعاية التمريضية والتأهيلية المحلية في مرحلة ما بعد الاصابة والمراضة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"

العدد 4116 - الجمعة 13 ديسمبر 2013م الموافق 10 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً