العدد 4125 - الأحد 22 ديسمبر 2013م الموافق 19 صفر 1435هـ

ألسنا بحاجة إلى ما هو أبعد من الدّببة والنمور؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تمَّعنوا في خارطة العالم. ربما هي الوسيلة المثلى لفهم الصراعات الدولية في السياسة والاقتصاد والثقافة ومعرفة قضايا النفوذ. هدفي أن نرى صورة الولايات المتحدة الأميركية ضمن تلك الخارطة «العالمية». ليست صورتها الجغرافية، وإنما صورتها في الصراعات الممتدة وشواغل السياسة، والحضور الاستراتيجي في كل منطقة من العالم على حِدَة.

عندما دقَّقتُ في مشهد «الولايات المتحدة الأميركية في العالم» وجدتُ أن حضورها في الحدث العالمي من أقصى الأرض إلى أقصاه، نابعٌ من جوهر السياسة التي تتبعها واشنطن في التعاطي مع القضايا الدولية، والقائمة على التمدُّدية، وإبقاء نفسها كدولة إمبريالية عظمى. فلا تكاد منطقة من العالم، إلاَّ وصار للأميركيين فيها حضور ومناكفة.

دعونا نبدأ بالجوار الأميركي في أقصى الشمال الغربي. مع الكنديين، لديهم خلاف حول مسألة ترسيم الحدود وقضايا النفوذ في القطب المتجمد الشمالي، التي تريد أوتاوا اعترافاً أميركياً «صريحاً» بسيادتها على أجزاء منه، ضمن اتفاقية حقوق الملكية في الجرف القاري، الصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1982، وتتشارك فيه معهم روسيا والدنمارك أيضاً.

في الجنوب الأميركي، لا نريد الحديث عن مشاكل واشنطن مع المكسيك بشأن عصابات تهريب المخدرات، ولا عن خلافها الأزلي مع كوبا، التي تفرض عليها حصاراً خانقاً منذ عشرات السنين، ولا عن مشاكلها في خليج المكسيك، لكننا سنتحدث عن الخلاف الأميركي مع قطب القارة اللاتينية وهي البرازيل، التي تعتبر أحد مكونات الـ «بريكس».

مع البرازيل، كان الخلاف الأميركي معها هو حول تجارة القطن، بسبب ائتمانات التصدير الأميركية، التي اعتبرتها منظمة التجارة العالمية غير قانونية، وما تلا ذلك من اعتزام البرازيل فرض عقوبات على الولايات المتحدة الأميركية تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات دولار.

مؤخراً، دفعت الوثائق السرية التي كَشَفَ عنها المتعهد السابق لدى وكالة الأمن القومي الأميركي ادوارد سنودن حول قيام واشنطن بعمليات تجسس الكترونية على التقارير التي تُقدَّم لرئيسة البرازيل ديلما روزسيف إلى غضب الأخيرة، وإلغاء زيارتها للولايات المتحدة، وطلبها «تخزين البيانات التي تحصل عليها شركات الانترنت العالمية من المستخدمين البرازيليين» داخل حدود البرازيل فقط.

مع الأوروبيين، لا يمكن ستر الخلاف الأميركي معهم في المسائل الاقتصادية وتحديداً «تخفيض الإنفاق الحكومي قبل الحصول على ضمانات التعافي خشية الدخول في الركود مجدداً» ومواصلة ضخ الأموال الحكومية بالأسواق، وحول وكالات التصنيف الائتمانية.

في المنطقة الشمالية المبتدئة مع روسيا، لا يخفى على أحد حجم الصراع على منطقة القوقاز وسورية وإيران والمياه الدافئة وأفغانستان، وعلى الدرع الصاروخي في أوروبا، ورد موسكو بنشرها لصواريخ إسكندر – ام، وكذلك الخلاف الأميركي الروسي على سيادة موسكو «المعلَنَة» على الرصيف القاري في قاع القطب المتجمد الشمالي، والتي دفعت واشنطن لأن ترسل كاسحة الجليد هيلي إلى المنطقة لرسم خرائط لقاع المحيط.

في الجوار القريب، يظهر النفوذ الأميركي في منطقة آسيا الوسطى، وبالتحديد حول بحر قزوين، مع كل من كازاخستان وتركمانستان وآذربيجان، وذلك للعمل بشكل مزدوج، ضد القسمة الإيرانية في البحر، وفي الوقت نفسه، ترتيب قضايا نقل الطاقة (أنابيب الغاز) إلى أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية، لقطع الطريق على تحكم موسكو في قضايا الطاقة.

لو قفزنا إلى ما دون غرب آسيا والهلال الخصيب، ونزلنا جنوباً، حيث منطقة شمال إفريقيا وأخذنا جزءًا منها فقط، فإن الولايات المتحدة لديها خلاف مع المغرب بشأن طلبها أن تقوم بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المسمَّاة (مينورسو) في الصحراء الغربية المتنازع عليها، بالمساعدة في «مراقبة أوضاع حقوق الإنسان هناك» وهو الأمر الذي دفع بالمغرب لأن يعتبر المبادرة أحادية الجانب ومنحازة وتمس بسيادته.

بالاتجاه نحو الشرق، فإننا سنتجاوز الحضور الأميركي في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وخلافاتها فيه، لننتقل مباشرة إلى حيث باكستان، حيث الخلاف على أشدِّه مع إسلام آباد بخصوص برامج مكافحة الإرهاب عبر تسيير طائرات بدون طيار فوق منطقة القبائل الباكستانية، وكذلك في كيفية إدارة الملف الأفغاني.

بالذهاب إلى الشرق الجنوبي والأدنى، فإن الولايات المتحدة تنوي اليوم التوصل إلى اتفاق تجاري يضم اثنتي عشرة دولة مطلة على المحيط الهادي، لإقامة «كتلة للتجارة الحرة تمتد من فيتنام إلى تشيلي واليابان، وتضم نحو ثمانمئة مليون شخص، ونحو أربعين في المئة من الاقتصاد العالمي»، بغية التحكم فيها وتضييق الخناق على الصين أو ترويضها فيه.

مع الصين، يُحذر الأميركيون بكين من إنشاء منطقة للدفاع الجوي فوق بحر الصين الجنوبي، وخلافها معها حول بحرها الشرقي، وما قدمته واشنطن من دعم مالي للفلبين، بغية تعزيز قدرتها على مراقبة بحر الصين الجنوبي الذي يعتبر منطقة بحرية حيوية للتجارة العالمية، وما يُمكن أن يحتويه من احتياطات محتملة من النفط والغاز والثروة السمكية.

أما مع كوريا الشمالية، فإن الخلاف الأميركي جلي وقاسٍ معها. وقد أعلنت الولايات المتحدة في وقت سابق، بأنها ستنشر أربع عشرة بطارية باتريوت اعتراضية إضافية في ولاية ألاسكا، لمواجهة التهديد «المزعوم» لكوريا الشمالية، بشنها ضربة نووية وقائية.

أما في منطقة شبه القارة الهندية، فإن الولايات المتحدة، تحاول تدعيم موقع الهند، عبر إقامة شراكة اقتصادية وعسكرية وتقنية معها، وذلك رغبةً من واشنطن نحو دفع نيودلهي باتجاه إعادة التوازن في مسألة الأمن بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، نكايةً بالصين وكوريا الشمالية. لكنها (أي واشنطن) وفي نفس الوقت قامت قبل سنوات بالنفاذ إلى مؤسسة الفضاء الهندية والقوات الهندية، لمساعدتها في إطلاق أقمار صناعية من إنتاج أميركي لضمان سيطرتها على البيانات العلمية والاستخباراتية.

أمام كلِّ ذلك، تظهر أمامنا حقيقة واحدة، وهي أن الولايات المتحدة الأميركية تقيم علاقاتها عبر مزيج من التحالفات والخصومات «غير المَحْضَة» سواء مع حلفائها أو خصومها، من منطلق إمبريالي. وهي تفعل ذلك كونها لا تقيم علاقاتها إلاَّ من خلال المصلحة، وربما «المصلحة الصفريَّة» حتى. وهو ما يعني أن الموازين العالمية لن تتغيَّر إلاَّ بتعدد للقطبية بشكل واضح وحاسم، تتخطي شعارات «الدب الروسي» و»النمر الآسيوي» و «العملاق الصيني»... وإلاَّ ستبقى أوضاع العالم على حالها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4125 - الأحد 22 ديسمبر 2013م الموافق 19 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:56 ص

      رايس: امريكا ستسعى الى وضع وسائل لاعادة فرض العقوبات على ايران

      هذا الخبر منشور في رويترز

اقرأ ايضاً