العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ

رفسنجاني يُعيد رسم خارطة إيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من دقيق الكلام أن نقول: إيران «الروحانية»، لكن الأدق منه هو القول: إيران «الرفسنجانية». ليس انتقاصاً من الرئيس الإيراني «المنتَخَب» حسن روحاني، بقدر ما هو تكبير لمجهرٍ يرينا السياسة الداخلية لإيران كما هي، والتي تشير، إلى أن مجيء روحاني إلى الرئاسة، كان يعني مجيء التيار الدافع له، قبل مجيئه هو، والقائم على توجهات سياسية وفكرية واقتصادية، أسَّسَها وبنى أركانها هاشمي رفسنجاني منذ أمَد.

لذا، فإننا نؤكد هنا، أن «تيار الرفسنجانية» هو الذي يحكم الرئاسة في إيران بِكُلِّه بإدارة عرَّابه وليس بشخص روحاني فقط. شخصيات عديدة، انزوت إلى الظل، وبدأت تظهر اليوم كمكعبات مُقطَّعة لصورة «الرفسنجانية». بدأنا نسمع مرةً أخرى عن حسين عادلي، وعن بيجان زنكنة، وأقطاب اليمين الصناعي الذين عملوا في الفترة من العام 1989 ولغاية العام 1997، عندما كان رفسنجاني رئيساً للحكومة لدورتيْن.

مَنْ كان يُراقِب المشهد السياسي الإيراني، ومظهره الإعلامي خلال أغلب الفترة التي قضاها أحمدي نجاد في السلطة، سيرى غياباً واضحاً لصورة رفسنجاني، الأمر الذي عزَّز من فرضية «إقصائه» من «شراكة» الحكم. وخلال ظهوره النادر، كان يبعث برسائل ضمنية، تعبِّر عن استيائه من طريقة إدارة الدولة، وبالتحديد في الفترة التي تَلَت العام 2009.

اليوم، ومنذ انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران، بدأ رفسنجاني بالظهور بشكل منتظم. وأصبح في كافة لقاءاته وتصريحاته، يتحدث بوصفه «الأب الروحي» لمرحلة الرئاسة الحالية، التي يديرها حسن روحاني. وما يفعله رفسنجاني ليس «تقمُّصاً» لدور وهمي، بل هو حقيقة واقعة، أثبتتها التوجهات الجديدة للحكومة الإيرانية في السياسة والاقتصاد والبرمجة الثقافية.

وربما مَنَحَ هذا الحضور للرجل، وما تَبِعَه من إعادة بَعْثٍ لتيار سياسي عريض، إلى ضبط إيقاع التوازنات السياسية في الدولة الإيرانية، بعدما عاشت ثمانية أعوام بِلَونَيْ «الأسود والأبيض»، عَقِبَ حملة إقصاء قادها أحمدي نجاد ضد شخصيات من خارج سَمْتِهِ السيا/آيدلوجي، ثم حملته الثانية، في تنقية «الأصلح من الصالحين» كما كان يعتقد.

نظام الحكم في إيران معقد بما يكفي، لكن تعقيده الأبرز هو في كونه قائماً على «تشارك تاريخي» تأسَّس أصلاً ما بين الحوزة الدينية والجامعة، ثم انتهى باستحواذ الأولى على الثانية، ثم بانشطار الأولى نحو مِلَلٍ حزبية، قادت إلى بروز ثنائية سياسية وفكرية، تصارَعَتَا إلى حدِّ «المَحْق السياسي». لكن ذلك لم يُفضِ إلى وجود «طبقة حكم واحدة».

لذا، فقد تبيَّن أن القوَّة الغالِبَة انتهت إلى ثنائية جديدة، مثَّلَها كل من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وهاشمي رفسنجاني نفسه. وقد استقرَّ الحال على ذلك منذ العام 1989 ولغاية الساعة، باستثناء الأزمة التي مرَّت بها إيران بُعيْدَ فوز أحمدي نجاد بالرئاسة في العام 2005 واستحكمت لاحقاً بفوزه في العام 2009.

وربما من المهم أن نذكر هنا، بأن ما جرى في العام 2009 من انقسام سياسي حاد، شبَّهه قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري على أنه «أخطر من الحرب العراقية الإيرانية»، كاد أن يُحدِثَ صراعاً «مفتوحاً» على السلطة، فيما لو قرَّر التيار الذي يُمثله رفسنجاني النزال المباشر، كون نفوذه كبيراً في داخل الحكم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فضلاً عن نفوذه في روافد السلطة الأخرى كطبقة رجال الدين في طهران وقم ومشهد.

ونحن نتذكر، أنه وبعد الأزمة التي ضربت إيران خلال مرحلة إزاحة حسين علي منتظري، قد قادت إلى تمرُّد ثكنات عسكرية في أصفهان ومواقع أخرى، كان لمنتظري فيها نفوذ. لذا، فإن الخطورة التي تحدَّث عنها قائد الحرس الثوري، هي ضمن هذا المسار، الذي وصفه لا يقل عن «أزمة حكم» كانت ستُولِّد انشقاقات في كيان الدولة والولاءات السياسية.

رفسنجاني، كان عضواً في مجلس قيادة الثورة، ووزيراً للدفاع والحرس الثوري، والقائد الفعلي للحرب مع العراق، ورئيساً للحكومة المؤقتة، ورئيساً للبرلمان والجمهورية لدورتيْن لكل منهما، ثم رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وخطيباً لجمعة طهران، وعنواناً قديماً للثورة، وبالتالي كان قادراً على «إقلاق» الحكم بشكل يزيد خطراً على «خطر الحرب العراقية الإيرانية»، لكنه لم يفعل، وآثر الصمت، وترك أحمدي نجاد يغرق بسياسته.

في السنتين الأخيرتين من حكم أحمدي نجاد، بدأت الأمور تسير لصالح هاشمي رفسنجاني. لقد ظهر أن إيران «الداخل» وإيران «الخارج» تسير نحو الجدار. وبدت العلاقات السياسية في الداخل تزداد عقدها كل ساعة بعد حملات الإقصاء والإقالات. هذه الأجواء أعادت النظر في تفسير الوضع السياسي الإيراني في الداخل، فبدأ «رفسنجاني» وتياره يستعيدان دورهما كونهما «مشروع ضرورة» لا كمشروع منافس أو بديل فقط.

وربما يتساءل البعض اليوم: هل من الممكن أن تقوم حكومة حسن روحاني وفي بحر ثلاثة أشهر فقط من انتخابها، بإعادة ترتيب علاقات إيران الخارجية مع الغرب وبالتحديد مع الولايات المتحدة الأميركية؟ كثيرون يعتقدون أن الأمور ليست كذلك، بل إن الموضوع مضى عليه زهاء العام يُطبَخ على نار هادئة، من قِبَل جهات موازية لحكومة أحمدي نجاد حينها، وكانت تتشكل أساساً من فريق موسَّع تحت إشراف المرشد الأعلى، ويديره هاشمي رفسنجاني، وبالتحديد عبر مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه. وربما تكشف الأيام القادمة شيئاً من ذلك، كلما ظهرت ملامح اتفاق جنيف «النووي».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4130 - الجمعة 27 ديسمبر 2013م الموافق 24 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 11:27 ص

      يحمل هاشمي رفسنجاني عدة القاب فهو صانع الملوك وهو شهبندر التجار وهو رجل الفستق ..

      وأذكر ان البعض من الاخوة هنا من اصحاب الذاكرة الضعيفة في حفظ الاسماء كان يطلق عليه الرجل المعمعم ابو "كذلة" وذلك بسبب خصلات الشعر الامامية التي تبدومن تحت العمامة ويقال انه عراب التفاوض من تحت الطاولة مع الامريكان. ما يخيفنا حقا ان تتوجه البوصلة الايرانية تحت تاثير رفسنجاني نحو التطبيع الكامل مع الغرب مما يؤدي الي تراجع القضية الفلسطينية بتاتا لدي القيادة الايرانية وليس سرا ان الكثير من الايرانيين يطالبون بالابتعاد عن العرب الذين كانور يصدونهم كلما حاولوا الاقتراب منهم..وتلك ثالثة الاثافي

    • زائر 8 | 9:42 ص

      حياكة السجاد

      ما شاء الله عليه استاذ محمد. كل مقال له يعطيك معلومات ، دليل ان الرجل متابع ، إلا ان اغفل الشأن العراقي ما عاد يحضى بإهتما خصوصا والعراق مقبل على انتخابات ، واتمنى ان يسلط الضوء على الشأن العراق خصوصا بعد إنتشار الفساد فيها واين موقع السيد مقتدى الصدر في المعادلة القائمة والقادمة
      موفقين

    • زائر 7 | 8:19 ص

      متابع

      فيصل القاسم : ((( بعد الاتفاق الايراني الأمريكي من المرجح أن يتدفق النفط والغاز الإيراني على الأسواق، وخاصة الأوروبية، وهذا من شأنه أن يخلق توتراً كبيراً بين روسيا وإيران وخاصة فيما يتعلق بتوريد الغاز الإيراني إلى أوروبا. فقد كانت روسيا تتحكم بتوريد الغاز إلى أوروبا، لكنها الآن ستواجه المورد الإيراني. هذا ما كانت تطمح إليه واشنطن من خلال اتفاقها الأخير مع إيران: دق إسفين بين إيران وروسيا. ))) . . . . هل هذا الكلام صحيح ؟

    • زائر 6 | 7:28 ص

      متابع

      أسئلة : ما هي أبرز الخلافات بين السيد علي خامنئي و الشيخ هاشمي رفسنجاني ؟ الفكرية و غيرها ( ما يعم حتى الفكر الاقتصادي والاجتماعي ) ؟ . . . أحقا ما يقال أن مصباح اليزدي يمثل فكر خامنئي ؟ أم أن بينهما اختلافات مهمة لها أئر عملي ؟ . . . ماذا كان سيحصل لو أن أمثال رفسنجاني كانوا مكان السيد الخامنئي على سدة الحكم ؟ أين موقع علي لاريجاني من كل هذا و كيف يفكر هو الآخر ؟ أي تيار وأي تفكير يبدوا الأصلح لحكم ايران ؟ ما هي مشكلة ايران في الجانب السياسي و ما هي ايجابياتها ؟

    • زائر 5 | 5:09 ص

      شكرا

      شكرا أخي الكاتب مقال جدا مفيد

    • زائر 2 | 3:21 ص

      ولد الديره

      انته ماعندك الا ايران .............. من سنين وانه اتابع مقالاتك وانته ايران جدي وايران دكتاتوريه ماتقدرر الا ع ايران عفور اكتب مقال ع الديمقراطيه العريقه ف المملكه الشقيقه ....... ؟

    • زائر 4 زائر 2 | 4:38 ص

      زائر 2 لمعلوماتك كاتبنا القدير محمد مراقب للشئون الايرانية ..

      او بكلام اخر خبير درجة اولي في السياسة الايرانية رغم تعقيداتها نظرا لصعوبة فهم الشخصية الايرانية..اذا تريد مقالات في الديمقراطية الدستورية فليس عليك الا قراءة الاعمدة الاخري فهناك من سبعة الي ثمانية كتاب أعمدة يوميا في جريدة الوسط فربما تشفي نفسك الي هذا النوع من المقالات ورحم الله من لولا إختلاف الاذواق لبارت السلع

    • زائر 1 | 1:03 ص

      نصيحة

      رفسنجاني رجل طاعن في السن ويجب عليه ان يفسح المجال لغيره بدل التشبث بالسلطة له

    • زائر 3 زائر 1 | 3:32 ص

      ضحكتني النصيح

      حبيبي رفسنجاني يمثل مؤسسة داخل مؤسسات النظام وليس هو النظام وهو عقل يحتاجة الحكم في حل مشاكل البلد وهو من الغنى قبل الثورة يجعله غني عن وجع الرأس التي تسببه السياسة ولكن ينظر لمصالح بلد وليس شخص.
      انصحك اقرأ المقال من جديد المقال لا يتكلم عن ..........العربية التي لا يعرف المواطن واب المواطن وجد المواطن حكام غيرهم كانو شذاذ الافاق وهم اليوم اجشع اهل الارض.

اقرأ ايضاً