العدد 4135 - الأربعاء 01 يناير 2014م الموافق 28 صفر 1435هـ

الباحثون عن الحلول في القمْع واهمون!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

القمع لا يأتي بالقلوب خاضعةً بالحب والاحترام. القمع يجعل القلوب تعيد النظر في تصعيد كراهيتها وتبرّمها وسخطها، ومستقبلاً، انتقامها. يكفي انتقاماً منها أنها لا ترى الذي يقمعها. تواريه أكثر من قبر في وعيها وقلبها ومشاعرها وكل جوارحها. ذلك لا يعني أن تنساه؛ فشواهد موته تذكّره بالحياة التي حوّلها موتاً وقبوراً ومآسيَ وعذابات وكوارث.

***

لم يخلق القمع ومنذ خلق الله الأرض ومن عليها، شعوباً وأفراداً على مستوى من التوازن في خياراتها. القمع يسلبك التركيز في كثير من الأحيان. لا يترك لك خيار أن ترى كل الأشياء على حقيقتها. تبدأ تشكّ حتى في الحقيقة، في واقع مثل ذاك. القمع لا يعِد باستقرارٍ وضمانِ طاعة. يعِد بمزيدٍ من التمرُّد، ومزيدٍ من البحث عن طرق خلاصٍ تحقق الاستقرار المنشود والتوازن الذي إليه يتم التطلُّع.

***

القمع عدوُّ الجمال في كل شيء؛ بدءاً بجمال الأشياء، وصولاً إلى كل جميل في نفس وروح الإنسان. القمع آلة ووحش قبح وتشويه وتدمير. كل مستوٍٍ يأخذ به إلى الالتواء. كل واضحٍ يعمل على «تضبيبه». كل صوت مستنكر وشاجب ومحتج هو إما مشروع خرسٍ أو مشروع تأهيلٍ لحجزٍ أو قبر.

القمع يلتهم الذاكرة. لا يدع ذاكرةً لشيء أو أحد؛ أو هكذا يتوهّم. ذلك ما يسعى إليه. ينجح في مساحةٍ، ومع نوعيةٍ من البشر؛ لكنه في نهاية المطاف لا يحقق غاياته وأهدافه على المدى الطويل؛ وإن أعاد الكرَّة، وأغلظ وضاعف من آلته ووحوش قبحه وتشويهه وتدميره.

علاوةً على كل ذلك، للقمع كُلَفُه الباهظة على الذين يموّلونه ويرفدونه بأسباب استمراره وتراكمه. كُلَف تتبدّى في التهام موازنات تسخَّر للدمار والبؤس والخراب، فيما الحياة في بدائيتها، والإنسان كأنه أحد سكَّان الكهوف بالدرجة الدنيا التي يحياها، والمعاش الذي لا يطال منه شيئاً!

***

ثمة وهم ودرس لم يتم التعلّم منهما، وهم أن القمع يمكن أن يحقق استقراراً لمن يتبنّونه حتى آخر الشوط. هي دائرة لا مخارج لها.

المخرج الوحيد الذي يمكن أن يتأتّى هو بالاعتراف بحق الذين يمارس عليهم القمع. حقهم في الحياة بكرامة، كاملي الحقوق، من دون تمييزٍ أو أي شكلٍ من أشكال العنصرية التي تُمارَس تحت عناوين شتى. حقهم في شكل ومضمون الحكْم الذي يرون فيه تلبيةً لتطلعاتهم وآمالهم وأحلامهم. هنا يمكن كسر كوّةٍ في الدائرة المغلقة التي تستنزف الموارد والجهد والزمن.

والدرس في أن مجتمعاتنا لم تفتتح الاجتماع البشري. والأنظمة التي تحكمنا لم تفتتح قيادات الأمم؛ بحيث هبطنا وهبطوا من الجنة بالشكل الذي نحن عليه اليوم. درس أن أنظمة خاضت ذلك الخيار (القمع)؛ وشعوبها عانتْه وعانت من نيْره؛ منذ عشرات آلاف السنين، فلا الذين قمعوا أفلحوا وعمّروا واستطاعوا احتلال التاريخ في جانبه المضيء؛ بحيث امتد أثرهم ونموذجهم اليوم؛ ولا الشعوب ركنت إلى نيْر الجور ذاك وسلّمت لجلاديها بحق الممارسة وكانت ممتنة لهم؛ إذا الشواهد من التاريخ البعيد والقريب تقول خلاف ذلك.

***

عبدالرحمن الكواكبي في «طبائع الاستبداد ومصَارِع الاستعباد» لم يقف على اكتشافٍ عظيمٍ بقدر ما أن الرجل أتيحتْ له بيئة للوصول إلى تقريرات ونظر عميق بالاستقصاء والتتبّع، وذلك حين يكتب: «ما من مستبدٍّ سياسي إلاَّ ويتخذ له صفة قدْسية يُشارك بها الله؛ أو تُعْطيه مقاماً ذا علاقة بالله».

ذلك تحصيل حاصل في الشواهد اليوم، وتقرير يكاد لا يُذكر أمام ما يحدث من تضخّم في الذوات حد انفجارها، ودرجة انعدام الحياء بقمع وسحْل وتغييب المعارضين، ومطلوب منهم ومن ذويهم أن يُثبتوا عدم تحريضهم على الكراهية لتتم تسوية الأمور بالطريقة المعهودة! عليك أن تكون ممتناً للقمع الواقع عليك، وعليك في الوقت نفسه أن تثبت حبَّك وهيامك بمن يقمعك!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4135 - الأربعاء 01 يناير 2014م الموافق 28 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:34 ص

      ويمكرون ويمكر الله بهم

      اوقفو العنف بالشارع ليتوقف القمع

    • زائر 3 | 1:23 ص

      اين العدل

      لماذا ننظر بعين واحده كل مايحصل في الشارع من ارهاب والتصدي له تسميه قمع

    • زائر 1 | 10:55 م

      لن استكين لهكذا قمع مجبول بالحقد

      قطعت نصف المشوار وتاقلمت مع هذا القمع الشديد لن اسكت لن استسلم سانتزع حقوقي فهي لا تعطى وانما تاخد

اقرأ ايضاً