العدد 4143 - الخميس 09 يناير 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1435هـ

موسم البر ومسئولية الحفاظ على البيئة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المناطق البرية في شبه الجزيرة العربية موقع رئيس للسياحة البيئية وللراحة والاستجمام، ومقصد للأفراد والأسر في موسم الشتاء، وهي معلم بيئي وحضاري بارز، وتتميز بتداخل خصوصياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياحية والبيئية. ويتمثل ذلك في الأهمية التي تتميز بها في المكون الروحي وفي وجدان وثقافة وتقاليد المجتمعات المحلية الأصلية، التي توارثت قيم ومفاهيم العلاقة الرشيدة في الاستثمار الموزون لما تكتنزه بيئات المناطق البرية من موارد وخيرات، والحفاظ على مكوناتها لضمان استدامتها لتكون مصدراً رئيساً في تأمين أمنها المعيشي والحياتي.

الخواص البيئية تشكل أهم معالم المناطق البرية، ويتكون نظامها البيئي من منظومة من البيئات الطبيعية التي تضم الكثبان الرملية والواحات البرية الجميلة ومنظومة التنوع الحيوي التي تضم الزواحف والحيوانات والطيور المستوطنة والمهاجرة، والغطاء النباتي المتنوع في مكوناته وفوائده الطبية، بالإضافة إلى الأشجار ذات الأهمية مثل الغاف والسدر والسمر التي أهلت هذه المناطق لأن تكون واحة متميّزة للجمال الطبيعي، ونظاماً بيئياً متميزاً.

العلاقة مع بيئات المناطق البرية تشكّل الموروث الحضاري للعلاقة المجتمعية طوال عقود من الزمن. وتشكل تلك المفاهيم القيمية علامة بارزة في المكون الروحي للجماعات البشرية التي قطنت المناطق البرية في شبه الجزيرة العربية، ما يشير إلى عمق ارتباط تلك الجماعات بالأرض، وإعلائها لمكانة القيم الحضارية للثروات والموارد التي تكتنزها نظم البيئات البرية.

ان الباعث الفعلي للعلاقة التي تكونت في وجدان المجتمعات المحلية الأصلية تمثل نتيجة فعلية للارتباط التاريخي لمتواليات مسيرة علاقة تلك المجتمعات بالبيئة البرية حيث كانت ولا تزال المكان المميز للمعيشة والحاضن الرئيس للأنشطة الاجتماعية والحياتية، وسجّلت تلك العلاقة مآثر تاريخية ظلت محفوظة في ذاكرة ووجدان أهل البر، ومرتادي المناطق البرية.

الوعي الاجتماعي بضرورة الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية لصون ديموية بقاء المجتمعات المحلية القاطنة في المناطق البرية يمثل الباعث الفعلي في بناء منظومة القيم والعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية. ومن الثابت أن تلك المنظومة القيمية أضحت تشكل ما يشبه القانون المجتمعي الذي ينظم اتجاهات وسلوك الأفراد والجماعات المرتبطة حياتها بتلك المناطق.

حقائق الموروث الاجتماعي تشير إلى أن المجتمعات البدوية كانت تنظم سير القوافل البرية وفق مسارات متعارف عليها، يضمن عدم التأثير السلبي على الموارد البيئية في تلك المناطق. كما أن لها نظاماً للرعي وطرقاً ومواسم محدّدةً للتحطيب واستغلال ثروات وخيرات هذه البيئات البرية. وفي السياق ذاته درجت المجتمعات المحلية على ممارسة أنشطتها المتنوعة التي تميّز بها مجتمع البادية في مناطق متعارف عليها وبشكل منظم يحول دون التعدي على مكونات تلك المناطق. وقد غدت تلك المفاهيم منظومة متكاملة للعقد الاجتماعي في تنظيم العلاقة مع النظام البيئي.

عند استدراك ثوابت العلاقة المجتمعية مع بيئات المناطق البرية ينبغي مقاربة تلك العلاقة ضمن المراحل التاريخية للتطور الاجتماعي وفق معادلة المعقول واللامعقول في المنظومة القيمية لاتجاهات ومناهج السلوك الاجتماعي في مفاهيم العلاقة مع النظم البيئية في تلك المناطق. ومن الثابت في حيثيات الأنشطة المجتمعية في المناطق البرية أن قيم العلاقة في انحدار متزايد باتجاه ثقافة اللامعقول، ما يشير إلى انفصال بيّن عن المنظومة القيمية السائدة الملتزمة بثقافة المعقول في نمط العلاقة التي سادت في المراحل التاريخية السابقة. ويتمثل ذلك في تصاعد حمى الاستغلال غير الرشيد لبيئات المناطق البرية، وسيادة المفاهيم المغلوطة في تنظيم الأنشطة الاجتماعية في تلك المناطق دون الالتفات إلى ما يمكن أن يتركه ذلك من آثار سلبية على الموارد التي تكتنزها تلك البيئات، والتي ينبغي الحفاظ عليها كثروة وطنية وإنسانية.

ان من الثوابت التي تشير إلى حقائق التعارض في الممارسات مع المنظومة القيمية للعلاقة المجتمعية مع بيئات المناطق البرية التي تميزت بها المراحل التاريخية السابقة، شيوع مفاهيم العبثية في منظومة الترفيه الاجتماعي والسياحي، وضعف الوعي بالمفاهيم الصحيحة لحقوق استغلال واستثمار الموارد في تلك المناطق. ويتمثل ذلك في اعتبار المناطق البرية ساحاتٍ مفتوحةً لممارسة رياضة ركوب الدراجات والمركبات ذات الدفع الرباعي وتنظيم الأنشطة السياحية والاجتماعية، وتبني السلوك غير السليم وغير الصحي في أنشطة الراحة والاستجمام المتمثلة في طرق الشواء وترك المخلفات في المواقع التي يجري ارتيادها، إلى جانب المخالفات القانونية للشركات والمؤسسات الإنشائية والصناعية في قيامها بإلقاء النفايات المختلفة في المناطق البرية، والاستغلال غير الرشيد للثروات التي تكتنزها بيئات تلك المناطق، والمتمثلة في الرعي الجائر والتحطيب وصيد الأحياء البرية من حيوانات وطيور وزواحف.

ومن الطبيعي أن تكون تلك الممارسات ركيزة أهداف خطط العمل الموجهة للسلطات البيئية المختصة ومؤسسات المجتمع المدني في مجال الإدارة والرقابة البيئية والتوعية والتشريع البيئي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4143 - الخميس 09 يناير 2014م الموافق 08 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:01 ص

      لا يمكن تصوره

      الطريقة التى يرمون في البر مخلفات التخييم و قمامتها مؤلم. لا يمكن تصور هذا الإهمال الكبير من قبل مرتادى البر. يزبلون و كأنهم سوف لا يعودون الى البرأبدا. عند رفع الخيم، أرجو أن تذهب الصحيفة و تصور ما يتركونه من المخلفات لكى ينزل جيش من الأسيوين ليحملها. من لديه قليل من الحس لا يمكن أن يمارس هذا الإهمال.

اقرأ ايضاً