العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ

وطن مسيج بالأسلاك الشائكة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الأوطان فسحة الجمال والنور، ومنبع الراحة والأمل، هي القلب حين يُعشق، والروح حين تتعالى عن المادي، هي الأهل في توغلهم في الحنان، وجنة الله على الأرض وحضن من لا حضن له.

تلك هي صفة الأوطان في الوضع الطبيعي، لكنها في بعض الأحيان سجنٌ كبيرٌ كل ما بداخله محاطٌ بأسلاك شائكة. أسلاك كنا قبل وقت قصير من الزمن فقط، نظن بأنها لا يمكن أن تُسَوِّر إلا البلدان المحتلة أو تلك التي تعاني ويلات الحرب، وكنا نراها أحياناً على جدران مراكز الشرطة القصيرة، أو في بعض البيوت المهجورة.

بعض الأوطان اليوم غدت كالبيوت المهجورة، وكالبلدان التي تعاني ويلات الحرب؛ فما تبقى من بعض مساجدها أصبح مسوّراً بأسلاكٍ شائكة، وبعض قراها التي قرّرت أن تنافح ظلام الذل صارت مسورة في وضح النهار، وبعض أراضيها التي كانت يوماً ملكاً مشاعاً للشعب وجزءاً من شوارعه، باتت مسوّرةً وممنوعةً من الدخول عليها إلا ببدلةٍ عسكريةٍ، من غير أن يكتب عليها ممنوع الدخول، حتى إذا اقترب منها قطٌّ منهكٌ قد يصادر صوت موائه ويؤخذ إلى المعتقل بحجة اقتحام أرض ممنوعة الدخول، ناهيك عن تلك الأراضي الواسعة التي تمتد بامتداد البصر في بعض المناطق، والتي تحوّلت بفعل هذا السور الشائك إلى ملك خاص، لم يُشْتَرَى ولم يُدْفَع ثمنه للشعب الذي هو في الحقيقة مالك كل الأرض ومالك خيراتها.

أراضٍ بمساحات شاسعة باتت مسوّرةً بأسلاك شائكة كان من المفترض أن تكون جزءاً كبيراً في حل المشكلة الإسكانية التي يبدو أنها لن تحل قريباً في ظل الفساد المالي والإداري، وهذه الأسوار التي تتسع بقعة ما ورائها باتساع طمع من سوّرها وباتساع غفلة جزء كبير من الشعب، وتغافل المسئولين، والتي قد تتحوّل مع الوقت إلى أسوار اسمنتية كي تحجب البصر عن مساحتها كما حجبت بصيرة بعض من آثر العمى.

ولم يقتصر استخدام الأسلاك الشائكة على الأراضي والمباني والمجتمع الواقعي فحسب، بل امتد إلى فضاءات المجتمع الافتراضي أيضاً، حين حُجِبَت بعض المواقع الإلكترونية وسُوِّرَت بعبارة: هذا الموقع محظور، لأنه ينشر ثقافة خاصة لا تريد لها هذي الأوطان أن تنتشر، بينما تم حماية مواقع أخرى تحمل عفن الكره وعطب الطائفية، ولم تكتفِ بتسوير هذه المواقع فقط بل سُوِّرَتْ بعض الكلمات أيضاً وباتت ممنوعة من الكتابة كي لا يصل إليها إلا من يتحمل مروره بتلك الأشواك، وعليه أن يكون بقدر حجم قراره في الخوض في الممنوع إن كان ممن لم تصل تلك الأسلاك إلى لسانه بعد أن أُجِيْدَ ربط بعض الألسنة بها فصمتت كي لا تتأذى مما قد ينالها من أشواك حين تتحرك معلنةً تمرّدها على من وضع الأسلاك.

هذه البلاد المحاطة بكل تلك الأسوار الشائكة، ليست بلاداً من جزر الواق واق، وليست بلاداً أسطورية، بل هي مواطن لم تجد في الربيع إلا الشوك بعد أن اغتالت الزهور ومنعت عطورها.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 12:23 م

      اللبيب يالاشارة يفهم

      ويازائر رقم 7 كل هالوضوح ومافهمت العوين الله

    • زائر 7 | 6:13 ص

      محمد

      والله ما فهمت شي

    • زائر 6 | 6:00 ص

      شكرا لكم

      مقال يحكي واقع مرير ، البحرين سجن كبير

    • زائر 5 | 4:56 ص

      رائع جدا هذا المقال

      شكرا اختي سوسن ولا تنسي ان هناك تسوير للطوائف ايضاً

    • زائر 3 | 10:31 م

      جدران الفصل العنصري

      الخلاف سياسي كيف جعلت الدولة من مذهبي؟

    • زائر 2 | 10:31 م

      هنيئا

      هنيئا لنا وللوطن بقلم أديب وبليغ مثل قلمك ونسأل الله أن يرينا نصر الوطن كله ليكلل قلمك بإكليل الورد.

اقرأ ايضاً