العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ

أردوغان ومتاعبه السورية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تركيا بلدٌ مهم، والشعب التركي شعب كبير. تاريخياً، لا يمكن إلاَّ تذكر إمبراطورية عثمانية، حاصرت أوروبا من الوسط والجنوب، حتى ألجأها ذلك الخناق نحو رأس الرجاء الصالح كممر باتجاه الشرق. جغرافياً، فإن تركيا تقع على محور التقاء قاري مهم، وثقافي متوقد بالأديان والفلسفات، أنتَجَ لها نظاماً من المصالح السياسية والاقتصادية والفكرية المتداخلة ما بين الشرق والغرب.

هذه الأهمية تبدو اليوم في حالة اختبار حقيقي وتركيا تعيش وضعاً صعباً بفعل سياسات الحكومة «شبه الإسلامية» في أنقرة، والتي تعيش وضعاً لا تُحسَد عليه. فحزب العدالة والتنمية (وزعيمه رجب طيب أردوغان)، بات مُحاصراً من أزمات عديدة ومتوالدة داخلياً وخارجياً، بعضها يتعلق بوضع كيانه السياسي، والبعض الآخر جاءه من خصومه التقليديين والجدد على السلطة وفيها.

وقد أدَّعي هنا بشيء من اليقين، بأن كل الخصومات التي تحاصر أردوغان وحكومته وحزبه اليوم، منبعها واحد في نهاية المطاف، وهو الأزمة في سورية، وإن ظهر شكلها النهائي مختلفاً. خلافه مع الحزب الجمهوري «العلماني» أساسه سوري. وخلافه مع تيار رجل الدين فتح الله غولن هو أيضاً ليس ببعيد عن المشكلة السورية وتداعياتها الكبيرة.

فهؤلاء وغيرهم، باتوا يتحدثون عن الذي نالته تركيا بفعل السياسات الخارجية «المباشرة» لحكومة حزب العدالة والتنمية تجاه سورية، ونتائجها العكسية. وقد بدأت تلك الأطراف المناوئة في توظيف ذلك الملف، للقضم من شعبية أردوغان، وتصفية حساباتها معه، من خلال نفوذها في الدولة، كالجهاز القضائي والمنظومة الأمنية.

مؤخراً، بدأت الصحافة الغربية وفي الداخل التركي، تُلصِق تهمة علاقة أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي يخوض معارك ضد الجبهة الإسلامية المعارضة، بعد اعتقال «مشبوهين أتراك» لهم علاقة بداعش في ست محافظات تركية، بينهم عضو في حزب أردوغان كما نُشِرَ.

أكثر من ذلك، فإن أحداث ميدان تقسيم، التي فجّرها منتزه غيزي، بدا أنها ذات وشيجة قوية (وإن بطريق غير مباشر) بالأحداث الجارية في سورية، بعد اندفاع الحكومة التركية «شبه الإسلامية» نحو دعم الحركة السياسية «الإسلامية» في كلٍّ من تونس ومصر، وبالتالي دعم تنظيم الإخوان المسلمين في سورية أكثر من أي فصيل سوري معارض آخر.

هذا الأمر فتح لتركيا جبهات خصومة مع القوى الإقليمية والدولية المناهضة لحكم الإخوان، أو غير المتحمسة لحكمهم، وبالتالي أضاف أردوغان على كاهله (ضمن معادلة دعم الإخوان) معاداة نظم سياسية واقتصادية قوية في المنطقة، وفي نفس الوقت حائزة على عمق جغرافي استراتيجي في أهم مناطق الشرق الأوسط.

في كل الأحوال، فإن النتيجة من كل تلك القلاقل التي تواجه تركيا، هي هذه: دخول أردوغان إلى كبد الأزمة السورية. وبحسابات الجغرافيا، فإن 900 كيلومتر (هي طول الحدود التركية السورية) باتت ملتهبة، بعد أن كانت مستقرة على الأقل منذ العام 1999. وبحسابات السياسة، فهي تعني خلافات شديدة مع داعمي نظام الأسد كإيران وروسيا، وبدرجات أقل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وقوى سياسية أخرى في المنطقة.

أخطأ حزب العدالة والتنمية، عندما اعتقد أن فتح الحدود مع سورية أمام حركة السلاح، والدخول في نظام قتالي مباشر مع دولة مجاورة سيعني تقسيماً حاداً للجغرافيا والأرض، بحيث تتم هندسة المعركة، دون شظايا، ودون تمدد أفقي. وهي قراءة غير صائبة مطلقاً، كون الحدود بين الدول هي في حقيقتها هلامية، وأيضاً من غير الممكن ضبط إيقاع المعركة حولها وكأنها مجرَّد أزرار يتم التحكم فيها عن بُعد.

عندما دخلت باكستان في عملية الصراع العسكري في أفغانستان، عبر دعم مجاميع المجاهدين المناهضين لحكم النظام الموالي لموسكو، لم ينتهِ الأمر بمغادرة القوات السوفياتية الأراضي الأفغانية، وانهيار حكم نجيب الله في كابل، ومجيء حكومة المجاهدين الأولى برئاسة صبغة الله مجددي، وما تلاها لاحقاً من حكومات، بل إن باكستان دفعت ولازالت تدفع ثمن دخولها العريض إلى المستنقع الأفغاني، وتحالفاتها فيه.

في أفريقيا، وعندما تدخلت كينيا في حرب الصومال ضد حركة الشباب، فإن نظامها الأمني بدا مرتبطاً بالوضع الصومالي، دفعته كوجبة أولى من خلال هجمات غاريسا شمال شرق كينيا، وتالياً في الهجوم على المجمع التجاري الفاخر في العاصمة نيروبي. وقد سبق ذلك التورط الكيني تورطٌ إثيوبي، دفعت خلاله أديس أبابا ثمناً غالياً هي الأخرى.

تركيا اليوم مُهدَّدةٌ في أمنها القومي من خلال الجماعات المسلحة المتطرفة التي تقاتل في سورية، والتي سَمَحَت لها أن تتعاظم في العِدَّة والعدد على حدودها، كونها تنظيمات تتبع جهات مختلفة، وبالتالي ينعكس عليها وعلى حركتها وجِهَة بندقيتها، أي اصطفاف إقليمي ودولي كما يجري في الواقع، فضلاً عن تحركات الخصم الأساس التي تقاتل ضده، وهو دمشق في الحالة التركية.

تحرُّك الورقة الكردية السورية، ثم بروز دور المعارضة السورية المسلحة في إقلاق الأمن القومي التركي، يضاف إليه انقسام الواقع الإقليمي والدولي على موضوع الإخوان المسلمين، قد جعل من تركيا تواجه تأثيرات ذلك في الداخل، ومن تحت أقدامها.

هذا الأمر لم يعد تأثيره على شكل الحكومة التركية في راهنها، بل ترك أثراً على مستقبل حزب العدالة والتنمية في مسطرة السياسة التركية. وربما بيَّنت استطلاعات الرأي الأخيرة شيئاً من ذلك، وهو ما يتوجب على أنقرة إعادة النظر في سياساتها الخارجية، وبالتحديد فيما خصَّ الملف السوري، مع قرب انعقاد مؤتمر جنيف اثنين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4151 - الجمعة 17 يناير 2014م الموافق 16 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:09 ص

      علي نور

      قراءتك للتورط التركي في الازمة السورية بدا يقارب قراءة النظام السوري ورئيس خارجيته وليد المعلم الذي بح صوته وورمت حنجرته منذ بداية الازمة وهو يحاول اقناعكم (مويدي الثوره السورية ) بان تكل الصابات التكفيرية اول ما يرتد خطرها سوف يكون على الدول الداعمة لها والمموله حينها اتهمتموه بانه يكذب يانكم الان من كلامه ، مقارتك للازمة السورية يا سيدي لم تكن منصفة ولا موضوعية مع الاسف لكن حسبي ان مقالاتك خلال الفترة الحالية بدات تتغير وتكون اكثر موضوعية .. سلام لقلمك يسمو بتبنيه حل سوري يحفظ شعب سوريا

    • زائر 2 | 1:59 ص

      خلال الرئيس ورئيس وزرائه

      هناك تناقض واضح بين رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان ورئيس تركيا عبد الله غل وقد ينفجر في أي وقت كما حصل في جنوب السودان بين الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار

    • زائر 1 | 11:15 م

      محمود

      بل قل :
      أردوغان ومتاعبه الأخلاقية

اقرأ ايضاً