العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ

مَرَقَة جنيف والمقادير الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مونترو هي بلدية تقع في كانتون فورد في الغرب السويسري لا أكثر. منظرها خلاب جداً. فهي تطلّ على الساحل الشمالي الشرقي لبحيرة جنيف، مع استحضار ساحات ليه آفانتس وليه بليياد المعنيتان برياضة التزلج فيها، ومهرجان الجاز السنوي، وأسواق عيد الميلاد. أما هدوء مونترو فهو نابع من كون تعداد نفوسها لا يزيد عن الثلاثين ألفاً فقط.

نهاية الأسبوع الماضي، حَمْلقَ العالم كله باتجاه مونترو، حيث احتضنت المشاورات الأوَّلية لمؤتمر جنيف 2، المعنِي بالأزمة السورية، عند الساعة التاسعة وعشر دقائق صباحاً بالتوقيت المحلي. المدعوون من الدول إلى ذلك المؤتمر كُثُر، فعددهم وصل إلى تسعة وثلاثين دولة وثلاث منظمات إقليمية، بعضهم قريبون من سورية سياسة وجغرافيا كتركيا والأردن، وبعضهم بعيدون عنها في الحالين كإندونيسيا وكندا.

لكن الملفت هو غياب أهم لاعب في الأزمة السورية عن الجَمْع وهي إيران، بعد أن سَحَبَ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعوته لطهران حضور المؤتمر مع اعتراض أطراف مختلفة على تلك الدعوة، وتهديد الائتلاف السوري المعارض بعدم الحضور إلى جنيف بوجود الوفد الإيراني. غياب الإيرانيين «إن حصل فعلاً» لا يعني أن «دولة هامش» لم تشارك في المؤتمر، بل إن «دولة بؤرة» لم تكن هناك.

والحقيقة، أن «الإعلان» عن هذا الغياب ليس له وزنٌ في المعطى السياسي. بمعنى، أن القول بعدم القبول بإيران في مؤتمر جنيف 2، وسحب الدعوة منها، هو إجراء بلا قيمة تذكر، سواء إن تم تفسيره على أنه حصل لمراضاة أطراف محددة، أهمها المعارضة السورية، كي يُعقَد المؤتمر بأيِّ وسيلة كانت ولا يتم تأجيله كما السابق، أو أنه مجرَّد صورة لا تعكس حقيقة اجتماع جنيف، حيث أن دوراً إيرانياً «بالضرورة» سيكون فاعلاً بحكم ظروف التداخل الإيراني حتى العظم في الأزمة السورية، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً.

سببان أساسيان يجعلنا نعتقد بهذا الرأي:

الأول: لا اعتبار آخر لأهمية مشاركة طهران في جنيف سوى أنها اللاعب الأساس في سورية (بل وحتى في جوارها: العراق، لبنان). ولطالما كان الائتلاف السوري المعارض، وأعضاؤه يقولون، بأن مَنْ يحكم دمشق اليوم هم الإيرانيون. وإذا كان الأمر كذلك، فمن غير المنطقي أن لا يتم التحاور مع الحاكم الفعلي، وهم بصدد تسوية الأمر هناك.

إذاً، إيران حاضرة في «تسوية جنيف» دون أن يُفسَّر عدم حضورها «المؤتمر» على أنه نقيض ذلك. وجودها مفروض على اجتماعات المؤتمر، بفعل وجودها على الأرض السورية، ووجودها في السياسة السورية، وفي الاقتصاد السوري، وفي العسكرتاريا السورية، وفي التحالفات السورية، وهو ما يعني أنه وجود «ضرورة» لا حباً في عينها ولا كرهاً لأنفها.

لنا أن نتخيَّل، لو أن إيران لم تكن مشاركة في مؤتمر الطائف العام 1989 فهل كان مجلس النواب اللبناني قادراً على أن يضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وتوزيع المقاعد النيابية، بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين، وبين المناطق؟ بل وهل سُوِّيَ الوضع العسكري والأمني في بيروت والجبل وطرابلس والمخيمات الفلسطينية؟ وهل انتهت أزمة الرهائن الغربيين المختطَفيْن في لبنان؟ هذه هي الصورة.

ولنا أن نتخيَّل لو أن إيران لم تكن مشاركة في مؤتمر بون العام 2001 بشأن أفغانستان، فهل استطاع المجتمع الدولي أن يدفع بجماعات المعارضة الأفغانية (التي تتحكم في أكثرها طهران) لأن تلتقي ببعضها وبممثلي الأمم المتحدة والغرب، لاختيار مجلس أعلى للقبائل «لويا جيركا»، وتالياً حكومة مؤقتة للدولة؟ وهل كان كرزاي سيضع حجراً على حجر؟

الغربيون يعتقدون بأن عدم مشاركة إيران في صناعة «الحل السوري» سيُحوِّلها إلى دولة معادية لنمط الحكم الجديد في سورية حال تحققه بعد رحيل حزب البعث، وسيجعلها تستبدل التعاطي السياسي مع الملف السوري (خلال تلك الحقبة الانتقالية) إلى التعاطي معه أمنياً واستخباراتياً، خصوصاً وأن سورية اليوم (والغد القريب أيضاً) هي دولة فاشلة، ما يعني سهولة اللعب على أرضها، وللإيرانيين نفوذٌ على أرضها وجماعاتها منذ خمسة وثلاثين سنة ما يُسهِّل لهم ذلك، وهو ما لا يريده الغرب أن يحصل.

الثاني: أن إيران ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، هي على سِكَّة الدخول في صفقة واسعة مع الغرب، وفي التسويات الدولية، بعد الاتفاق معها بشأن ملفها النووي، وبداية رفع العقوبات عنها قبل أيام. وبالتالي، يكون الغرب ساذجاً إن هو أبعدها عن القضية السورية. فهو يعتقد أن فرصة الاستفادة منها وتطويعها في هذه اللحظة التاريخية، سانحةٌ أكثر من أي وقتٍ مضى، وبالتالي هو يرى أن إبعادها عن التسوية السورية هو سوء التقدير.

والغرب لديه تجربةٌ سابقةٌ مع طهران في فترة انفتاحها السياسي، وبالتحديد بعد حرب تحرير الكويت، وبداية الحوار النقدي معها خلال عقد التسعينات من القرن الماضي. ففي تلك الفترة، استطاع الغرب أن يُوظِّف الرغبة الإيرانية في الانفتاح على العالم بمساعدتها له في تسوية صراعات تنظيمات المجاهدين في أفغانستان، عقب سقوط الحكم الشيوعي، وبالتحديد بين قوات أحمد شاه مسعود وقلب الدين حكمتيار في العاصمة كابل، وتسليم السلطة إلى صبغة الله مجددي، ولاحقاً إلى برهان الدين رباني.

كما بدأ الغربيون بالتعاون مع طهران في الملف اللبناني بعد الانتخابات التشريعية الأولى في سبتمبر/ أيلول 1992، والتي فاز فيها الشيعة، فضلاً عن تعاونهم معها في مجال أمن جنوب وغرب آسيا بعد انكفاء العراق، وفرض الحظر الجوي على جنوبه وشماله، والمساهمة في إدخال ما يبيعه العراق من النفط مقابل الغذاء، فضلاً عن الدخول معها في منطقة آسيا الوسطى، وبالتحديد في طاجيكستان، بعد معارك حزب الإحياء الإسلامي على الحدود مع أفغانستان، والصراع في ناغورني كره باغ بين آذربيجان وأرمينيا.

إذاً، الموضوع ليس مرتبطاً باعتراضات وعدم قبول بطرفٍ دون آخر في مؤتمر جنيف 2، بل هو مرتبط بالمصالح المعقدة للاعبين، والظروف الموضوعية، وأيضاً بمسألة النفوذ على الأرض، الضاغط نحو تحويل صاحبه إلى رقم فاعل في الأزمة السورية، وهو حال الإيرانيين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4158 - الجمعة 24 يناير 2014م الموافق 23 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 8:46 ص

      سحبت الدعوة لانها صاحبت مبادىء لم تعترف بجنيف واحد

      مابغت تحرج ... وتخليهم ينسحبون من المعارضة فصعدت بخطابها قام بان كمون بسحب الدعوة فجاء الفرج فعدم حضورها هو داعم لسوريا والأيام ستثبت ضعف محور اسرائيل وأمريكا

    • زائر 10 | 7:29 ص

      بلدي

      ااكتب عن هموم البلد ومانعانية من قمع ومسيلات وشوزن الله اخليك

    • زائر 9 | 6:48 ص

      سنابسيون

      عطوها دعوه او سحبوا الدعوه ماراح يغير شي بسوريا ،تعرف ليش ؟؟في رأيي الحل يكون بتعهد كل الدول الموجوده في هالاجتماع انها توقف تدفق مجرميها ومخربيها وقتلتها الى سوريا صدقني في يوم واحد بس يوقفون ارسال المال والسلاح والقتله وسوريا راح ترجع بخير

    • زائر 8 | 5:56 ص

      تهديد الائتلاف السوري المعارض والمقادير الإيرانية

      يقول المثل الإنجلينزي:They dont' know what the bleep they are missing

    • زائر 7 | 4:44 ص

      سؤال

      لكنك لم تجب بوضوح:لماذا سحبت الدعوة التي وجهت لإيران مادامت حاضرة فعلاً على الأرض؟

    • زائر 6 | 4:42 ص

      محمد

      اشوف فاتحين مطعم ؟ لكن للاسف مهما كانت المقادير الطبخة ما راح تطلع اوكي طلب السوريين باسقاط بشار طلب مؤجل لحين تفرغ الدول العظمى

    • زائر 4 | 2:38 ص

      نعم بل الظبط

      هادا ما صرح به المساعد السياسى لبنكى مون جينفر فلتمن عن السعوديه بكل صراحه ولا اريد تكرار ما قاله عن هاده العصبه المتعصبه التى تعرقل الحلول فى لبنان والعراق ولا تريد من هاتين الدولتين الاستقرار السياسى والاقتصادى وبكل وقاحه تدخل سافر فى دول الجوار

    • زائر 3 | 2:32 ص

      و ما دخل إيران في الشأن السوري؟

      لا شأن لإيران و حزب الله و لواء أبو الفضل العباس و جيش المهدي و جيش النصرة و داعش في النزاع السوري، و لندع الشعب السوري يحدد مصيره!

    • زائر 5 زائر 3 | 2:52 ص

      منطق طبيعي

      ظهرت النصرة وأهل الشيشان فظهر غيرهم. إنه منطق الصراع

اقرأ ايضاً