العدد 4159 - السبت 25 يناير 2014م الموافق 24 ربيع الاول 1435هـ

دثر وإهمال التراث وجهٌ آخر لإقصاء المواطن وتغريبه عن بلاده

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

تتميز البحرين عن غيرها من دول منطقة الخليج بأنها واحدة من الدول التي تحظى بإرث إنساني غني ومتنوع بحسب كل مرحلة تاريخية، تمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة. ولأن هذه الجزيرة الصغيرة كانت محط أنظار الحضارات القديمة فهي واحدة من المناطق الأثرية والتراثية التي استطاع المنقبون فهم ما جرى في هذه المنطقة الغنية بإرثها الإنساني.

لكن عندما يأتي الحديث عن الاهتمام بتاريخ وتراث البحرين نجد أن الدنماركيين والفرنسيين والبريطانيين هم الذين نقبوا واهتموا به، بينما تتمثل السياسات الوطنية بعدم الاهتمام بالتراث والتاريخ، بل إن كثيراً من ثروتنا التراثية تتعرض للإهمال والاندثار، بموازاة إقصاء المواطن عن حقوقه في بلاد.

مناسبة هذا الكلام هي غياب الجهود الرسمية الجادة لحماية مواقع كثيرة في البحرين مثل تلال المدافن الدلمونية والتايلوسية التي أزيل معظمها بحجة الزحف المدني دون وعي وإلمام بأهمية هذه المواقع، متناسية أن البحرين عرفت كأكبر مقبرة تاريخية عرفها التاريخ الإنساني.

واستمر الوضع على ما هو عليه حتى وقتنا الحالي الذي يشهد ممارسات سيئة لهذه المواقع وما تبقى منها سوى مساحات صغيرة جداً شاهدة على بقايا حضارة دلمون وتايلوس بل وتعكس سطوة الجشع وقلة الوعي بقيمة هذا التراث الإنساني.

للأسف يأتي ذكر هذه المدافن في ملصقات وكتيبات السياحة الترويجية التي لا تتكلم الحقيقة المُرَّة وهي تروج لآثار دُمِّرَ أغلبها بسبب غياب وعي حقيقي بحمايتها تحت أطر ومعايير دولية، ولولا الجهود الدولية بقيادة علماء الآثار الفرنسيين مثل بيير لومبارد ومونيك كرافان وغيرهما لما تم تسجيل قلعة البحرين ضمن قائمة التراث الإنساني.

إن تسجيل قلعة البحرين كان إنجازاً كبيراً، ولا بأس بتسجيل «طريق اللؤلؤ» الذي يتكلم عن مرحلة «الاقتصاد القديم الذي اعتمد على استخراج اللؤلؤ في خليج البحرين»، ولكن لدينا القنوات المائية التاريخية التي أصبحت مُلكاً شخصياً وإذا وجدنا إحداها في قرية القريّة مثلاً، فإن هناك من يسارع إلى طمرها، ولدينا مستوطنة سار وعين أم السجور ومعبد باربار والمدافن التي تبقى إمّا مُهمَلة أو تقع في ملك خاص أو أزيلت ودُمِّرت كلياً. ولن يقتصر الأمر عند هذا الحد فالأمر يذهب إلى حقب تاريخية أخرى تمتد إلى عقود طويلة في صدر الإسلام مثل مساجد البحرين القديمة كمسجد صعصعة بن صوحان في «عسكر» والأمير زيد، وأبو رمانة والنبيه صالح والشيخ ميثم والشيخ إبراهيم والبربغي وحتى مسجد الخميس الذي يؤول إلى الخراب الخ، فإننا نجد أن سياسة الإهمال تحوَّلت إلى هدم وتدمير متعمد مع إصرار على الاستمرار في ذلك رغم كل الاحتجاجات من كل جانب.

إن عيون البحرين القديمة لها ملف طويل من الإهمال والتقصير ولن ندخل في تفاصيل وإن كان ذلك أيضاً تغلب عليه مواضيع بيئية تتعلق بالتغيير الذي ساعد على انقراضها كلياً بسبب الممارسات الخاطئة وعدم حمايتها.

إن جهود المسئولين للثقافة والتراث والآثار في البحرين هي جهود لا تشمل جميع مناطق البحرين كما لا تشمل جميع الحقب التاريخية، فلو كانت هذه المدافن والمساجد التاريخية والقنوات المائية موجودة في بعض المناطق المفضلة رسمياً فإن الأمر سيكون مختلفاً كما هو ملاحظ في السنوات الأخيرة من ناحية الحماية والاهتمام.

ما يجب الالتفات إليه من قبل القائمين والمهتمين بحماية الآثار والتراث في البحرين (وهم كما لا يبدو ملتفتين) بأن رؤية اليونسكو الجديدة للعام 2014 تعتبر حماية التراث جزءاً من حقوق الإنسان؛ بمعنى أن اليونسكو حددت عدة أهداف تحت شعار «رؤية لعالم مبني على حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية؛ رؤية للبشرية بوصفها مجتمعاً واحداً لا يتجزّأ؛ رؤية لنظام متعدد الأطراف أكثر متانة، ولمنظومة أمم متحدة أكثر قوة».

وسوف تشكل هذه الرؤية أساساً لعمل اليونسكو الساعي إلى مواجهة التحديات الكبرى مثل التمييز والتطرف وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أعلنت اليونسكو أنها حددت ثلاثة اتجاهات رئيسية لعملها خلال هذا العام 2014 منها الثقافة في تنمية المجتمعات وتمكين الأفراد من حمايتها وليس فقط من قبل الحكومات ولكن من الجميع لأنها حق من حقوق الإنسان . وهو ما يعني أن اليونسكو ستوفر بحسب رؤيتها وبيانها الأخير الخبرات اللازمة وتقديم ما أمكنها من مساعدة لضمان أن تتمكن المجتمعات من المحافظة على التراث الذي يعزّز هويتها ويشكل أساساً للعمل معاً من أجل تأمين مستقبل أفضل.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4159 - السبت 25 يناير 2014م الموافق 24 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:38 ص

      اليونيسكو؟؟

      يعني اليونيسكو الي بتوقف هاي الشي؟؟
      ليش ما اتدخلت اليونيسكو في هدم المساجد التراثية في البحرين؟؟ ما نجوف احد دافع عن هالمساجد ما نجوف اليونيسكو الي لهه باع كبير في الحفاظ عل المعابد الهندوسيه ما مجوف صرحت بشي ول استنكرت هدم المساجد التراثية بالبحرين بحجة بدون ترخيص!!!

    • زائر 3 | 3:17 ص

      إهمال متعمد

      التوسع العمراني في القرى الزراعية كان أهم أسباب هذا الإهمال المتعمد. أيهما أكثر و أسرع ربحاً بيع الخضروات أم بيع القسائم السكنية؟ لكن ما دروا بتدميرهم الزراعة يعملوا على تحول البحرين لأرض عمرانية فقط غير قادرة على توفير الأمن الغذائي للمواطنين و أكبر دليل أزمة الطماطم المستورد، رغم إن البحرين كانت تنتج طماطم الصيقل من لذته كان يؤكل كفاكهة. دمروا الزراعة و دمروا البحر و لوثوا الهواء فصارت الأمراض الفتاكة كالسرطان و التهاب الكبد الوبائي منتشرة في البحرين كانتشار النار في الهشيم.

    • زائر 2 | 2:25 ص

      تدمير الاثار و التراث

      هذه خطط حكومية متبعة منذو عقود و مستمرة فكيف تجرف تلال عالي و سار بدون اذن من البلدية و المساحة و الاسكان و الثقافة؟ و كيف تهمل هذه المواقع و غيرها و هى مناطق عامة و تحت حماية الدولة. كيف تباع و تشترى؟ يجب محاكمة المتورطين. هذا اجرام و هذا استئصال للحضارة من اعداء الانسانية و الوطن. هذه اعمال الفكر التكفيري.

    • زائر 1 | 9:49 م

      لو بيدي ..؟؟

      لو بيدي لعينتك وزيرة للثقافة ..!!

اقرأ ايضاً