العدد 4159 - السبت 25 يناير 2014م الموافق 24 ربيع الاول 1435هـ

طبقة التجار من زاوية سياسية

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

أي نظام سياسي يحتاج إلى صناعة طبقة من التجار كأداة مهمة في تحقيق التوازن، وتحقيق مستوى من الرضا لدى الناس، وترويض روح القوة (الرفض والثورة) في أفراد المجتمع، بما يساعد النظام في إدارة الدولة بشكل مريح.

فعندما تأتي بأناس وتمكنهم من أن يكونوا تجاراً، يمتلكون مئات الشركات، فإن هذه الشركات ستوفر آلاف الوظائف للمواطنين، وبالتالي السيطرة على البطالة التي تعتبر واحدة من أهم العناصر المغذية للرفض والثورة ضد النظام. أو بمعنى آخر أن خلق طبقة تجار لتوفير وظائف للمواطنين تمثل ورقة الماء للسلطة في إخماد النار المستعرة من البطالة.

كما أنه يمكن توظيف طبقة التجار في توفير السكن للمواطنين من خلال بناء آلاف الوحدات السكنية، وبيعها في السوق، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، بحيث تكون الأسعار في متناول غالبية المواطنين. وبالتالي فإن التجار أصبحوا هنا بمثابة ورقة رابحة في إبطال مفعول أي شرارة تسعى لإشعال أزمة إسكانية، وإخمادها إذا ما اشتعلت.

هذان مثالان في الوظائف والسكن، وقس على ذلك كل الملفات من توفير غذاء، وتعليم، وصحة وغيرها، كلها أوراق يصنعها النظام السياسي لتحقيق نوع من الرضا لدى عامة الناس، وإجهاض ولادة روح القوة التي تتجسد في «الرفض والثورة» تجاه النظام.

والأنظمة المدنية (الدولة المدنية)، تعتمد اعتماداً كبيراً على وجود طبقات من التجار، في تحقيق التوازن، ويتم تشجيع العمل الحر، والسماح لكل فرد بالعمل وتأسيس المشروعات. وهذا ينطبق أيضاً على البحرين، لكن البحرين تعاني من خلل ناتج من الفكر السياسي غير الصحيح، في اللعبة العقلية الكبرى المنظمة لحياة الإنسان.

والنتائج والتأثير التي من المفترض أن تقوم بها طبقة التجار في البحرين، كانت معاكسة، بدلاً من أن تساهم في ترويض روح القوة، ساهمت في تأجيجها، فلو أخذنا على سبيل المثال ملف البطالة، كان من المفترض أن تقوم طبقة التجار بتوفير فرص عمل للعاطلين لاستيعابهم، لكن الواقع كشف أن القطاع الخاص وشركات التجار غير جاذبة للمواطنين، كما أن كثيراً من الشركات تطالب علناً بإلغاء «البحرنة» وتعبر عن استيائها من إجبارها على توظيف البحرينيين. وهو ما يعني أن القطاع الخاص أصبح ورقة بنزين لإشعار نار البطالة، بدلاً من أن يكون ورقة ماء لإطفائها.

وكذلك في ملف السكن، القطاع الخاص انحرف عن مسار التوازن، وبدل أن يقوم ببناء الوحدات السكنية، ويزيد من حجم المعروض بما يحقق توازناً في الأسعار بحيث تكون في متناول اليد، اتجه إلى مسار آخر وهو رفع الأسعار عبر المضاربة واحتكار الأراضي. وبقدرة قادر تضاعفت أسعار العقارات أربع مرات بين العامين 2005 و2006، وأصبحت أسعار المساكن فوق قدرة المواطنين. وإذا عجز المواطن عن شراء السكن ذهب إلى وزارة الإسكان، وبالتالي تراكم الطلبات وحدوث أزمة إسكانية. وهو ما يعني أن القطاع الخاص أصبح مولد شرارات لإشعال نار أزمة إسكانية، بدلاً من إبطال مفعول الشرارة.

ولو أن القطاع الخاص قام بدور متوازن، لتوجه المواطنون إلى شراء السكن بدلاً من انتظار وزارة الإسكان لسنوات تصل إلى 20 سنة.

وملف العمل والسكن مثالان، وقس ذلك على باقي كل القطاعات، فستجد هناك خللاً يعود إلى السلطة نفسها، وعدم قدرتها على إدارة اللعبة العقلية المنظمة للحياة. والسلطة حاولت الضبط أحياناً، وتدخّلت بشكل مباشر في بعض الملفات للضبط الإجباري، مثل تدخلها في تحديد أسعار الأدوية، فعندما رأت أن هناك انحرافاً، ولم تستطع معالجته تدخلت باستخدام لعبة القوانين وإصدار القرارات، وإنزال العقاب بمن سيخالفها. وعلى الرغم من أن سوق البحرين حر، لم تجد السلطة من خيارات غير التدخل ومخالفة مبادئ السوق الحر لضبط سوق الأدوية، وهو قرار خاطئ فلا يعالج الخطأ بالخطأ.

وتحتاج البحرين إلى إعادة بناء بيئتها، لتكون أكثر ملائمة لنمو التجار الحاليين، وأكثر خصوبة في توليد تجار جدد، وتشجيع الشباب ومساعدتهم على إنشاء مشاريع في مختلف القطاعات، ليلعبوا الدور الصحيح، وتكون طبقة التجار أوراقاً نافعة غير ضارة.

وتستطيع الحكومة الضبط والتحكم، من خلال المناقصات والمشتريات، عبر توزيعها على أكبر عدد ممكن، لتستفيد أكبر شريحة ممكنة، بدلاً من السياسة الحالية المتبعة التي تضع معايير وشروطاً لا تنطبق إلا على فئة قليلة.

وأبرز الأمثلة ما ذكره أحد المقاولين الذي اشتكى عبر «الوسط» من جرجرة التجار إلى النيابة العامة، قائلاً: «إن وزارة الأشغال أرست في العام 2013 مناقصات بقيمة 66 مليون دينار، كلها تذهب إلى مقاولين من الدرجة الأولى، وأعدادهم قليلة بين 20 و30 مقاولاً، بينما 7000 مقاول من الدرجة الثانية والثالثة محرومون من هذه المناقصات. وهذا أحد أسباب الخلل الذي يجعل طبقة التجار «غير نافعة» أو «قليلة النفع» في إجهاض ولادة «روح القوة» لـ «الرفض والثورة».

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4159 - السبت 25 يناير 2014م الموافق 24 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً