العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ

الفخاخُ لا تأتيك إلاَّ رمْزاً يا ابن الرمز!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

للغة فخاخها... للشاعر المنهزم فخاخه... للثقافة في الأزمات، التوجيه والإملاءات، وفي ذلك فخاخ. الأوطان التي لا تريدُ أن تستقرَّ، وليس من مصلحة بعضهم استقرارها، تتحوَّل إلى فخاخ عملاقة، على امتداد الروح والبصر؛ إذا كان ثمة روحٌ هنا يمكن أن نلمسَ شيئاً من ملامحها أو ما يدلُّ عليها.

***

يذهبُ الشاعر إلى النصِّ – الشاعر الذي ليس برسْم التعيين والطلب - وهو يعي أن الحياة بأسْرها فخٌّ عملاق. يمارس حِيَلَه القصوى؛ لا من أجل التخلُّص منه، بقدر ما يترك أثره في الطرق المؤدية إليها. كأنها العلامات والخرائط ما يترك.

بلغة تتقصّى الاستهداف، والوجع، والجوع، وتسخيف القيمة، وإعلاء شأن التفاهات التي تكاد تكون علامة استحقاق في الوجود الراهن؛ إذا صحَّ أن نطلق عليه صفة وجود، بكل ما يعترك فيه من تعميق وتكريس وتثبيت وشرْعنَة لكل شاذٍّ ومنحرف ومضطرب!

***

وفي الفخاخ درْسٌ. درس أن تكون يقظاً. ألاَّ تترك للمصادفة أمر تدبير شئون الحياة بالنيابة عنك. ذلك تسليمٌ لها. ترك المدى للفخاخ كي تتناسل وتمتد وتكبر وتتطاول وتتشعَّب وتذهب عميقاً في كل تفاصيل ما أردته حياةً؛ ولن تكون كذلك بتلك الوكالة المفتوحة على الارتهان والتسليم، الذي لا يختلف كثيراً عن توقيع تعهّد بأن تكون رهن الطلب كلما فتحت الفخاخ أذرعها للخنْق، وإدخالك ضمن رعاياها. رعاياها الموتى، وفي أحسن الأحوال: رعاياها المُحتضَرين!

***

كأنَّ الفخاخ أولاً وأخيراً - بل هي كذلك - منطقة خارج ما يدلُّ على الحياة. تتربّص بحركة الحياة وعنفوانها وحيويتها. وهي هناك مختبئة، مترصّدة كأفعى لا تُبدي حراكاً. تريد للحياة أن تدخل في مساحتها حيث تحجيم كل شيء. حيث تُختصر في كمّاشتها وكل ما استطاعت إليه سبيلاً من فعل الحصار والضبط وما بعدهما!

***

كلُّ فخٍّ وليمةُ موت. أوَّل العتَبَات المؤدّية إليه. لا صعود هناك. ثمة أكثر من هاوية سحيقة لها عتباتها أيضاً، انحداراً، ارتكاساً، نكوصاً، كبْكَبَةً. ثمة ذهاب إلى العدم وربما ما بعده أيضاً.

***

في لعبة الفخاخ، يذهب الشاعر إلى نصه مُزنَّراً ومخفوراً بالحيَل. بالحيَل لا من أجل أن ينجو؛ بل من أجل ألاّ تُرتهن الحياة إلى الفخاخ والذين زرعوها، وتعهّدوها، وسهروا على موهبتها: موهبتها في المحْو: محْو عنفوانها وحيويتها، والكائنات التي برسْم إقلاق خمولها وركونها وانعزالها كلما انهمرت عليها الكآبات!

راعية للعدم ودوائره هي الفخاخ. تستلَّ الأرواح استلالاً. لا ترسلها إلى الحتف بأناقة.

وبرسْم الفخاخ هو الإنسان. موعوداً يظل بمكامنها، وأمكنتها العطنة. بعض منجاته في ألاَّ يطمئن إلى أفق تموّه به الحتْف، وألاَّ يرْكن إلى العاطفة في السهْل. كل سهْل في الفخاخ: جبل سينهار عليك في صيغ لا تأتيك إلا رمزاً، والشاعر ابن الرمز وسائسه. كأنها مواجهة الرموز في نهاية المطاف!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4186 - الجمعة 21 فبراير 2014م الموافق 21 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً