العدد 4202 - الأحد 09 مارس 2014م الموافق 08 جمادى الأولى 1435هـ

السفير تقي البحارنة يروي سيرته في سلسلة «حينما كنت سفيراً» (2)

يجول الأديب تقي محمد البحارنة بنا في هذه الفصول التي كتبها بوهج محطات الحياة العابقة في الذاكرة، متنقلًا بين التجارة والسلك الدبلوماسي، ليقف بنا معه في تلك المحطات بفصلها الأول متحدثًا كأول سفير وأول سفارة للبحرين... أليس ذلك رائعاً؟

في الذاكرة، مسارات عديدة ضمن العمل في السلك الدبلوماسي.. مع قادة وشخصيات في ترحال ضمن توقيت زمني متعدد بين عالم التجارة والأدب والعمل الدبلوماسي بين البحرين والقاهرة وبغداد ولبنان... ووجهات عديدة أخرى نجدها براقة في هذه الحلقات:

في عهد عبدالخالق حسونة، حينما كان أميناً عاماً للجامعة العربية، كنا نحضر اجتماعات اللجنة السياسية، وهي أهم اللجان في الجامعة العربية، وأمام كل ممثل مجموعة من المجلدات والأوراق تحتوي على تقارير ودراسات وإحصائيات تتعلق بأعمال اللجنة السياسية، وأخرى تخص سائر أنشطة لجان الجامعة والهيئات التابعة لها وما أكثرها، حتى يكاد الجالس منا لا يرى زملاءه الجالسين معه إلا إذا أطلّ برأسه عالياً فوق تلك الأوراق، ويبدو أن هيكل الجامعة العربية تم إنشاؤه على غرار هيئة مصغرة للأمم المتحدة وأجهزتها... وفيما يلي تفصيل ذلك:

هيكل الجامعة العربية

تتكون الجامعة العربية من مجلس الجامعة على مستوى رؤساء الدول العربية أو من يمثلونهم، ومن لجان فرعية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ومالية وإدارية وشئون قانونية، ومن لجان فنية دائمة ومن أمانة عامة بأجهزتها الإدارية والمالية والقانونية وغيرها، كما تضم مكتب الأمين العام ومكاتب الأمناء المساعدين.

هناك أيضاً الإدارة العامة للشئون السياسية، وإدارة الشئون الاقتصادية وإدارة الشئون الاجتماعية والثقافية والإدارة العامة لشئون فلسطين والإدارة العامة للإعلام والإدارة العامة للمعاهدات والشئون القانونية، والإدارة العامة للتنظيم المالي والإداري، وأمانة الشئون العسكرية، ومكتب مقاطعة إسرائيل وفروعه في الدول العربية، ووحدات إدارية لقسم العلوم والتكنولوجيا، ومعهد المخطوطات العربية، ومعهد الدراسات العربية العليا، والجهاز الإقليمي لمحو الأمية، والمركز الإحصائي، ومركز التنمية الصناعية للدول العربية، وملحق بالجامعة العربية هيئات ومجالس وأجهزة كهيئة الدفاع العربي المشترك، وأجهزة الأمن الجماعي العربي، ومجلس الدفاع المشترك، والهيئة الاستشارية العسكرية، واللجنة العسكرية الدائمة، وهيئة القيادة العربية الموحدة، والأجهزة المتعلقة بالتعاون الاقتصادي وتشمل اتفاقيات تجارة الترانزيت والوحدة الاقتصادية العربية، والسوق العربية المشتركة، وهيئة استغلال مياه نهر الأردن وروافده، ومعهد الغابات العربي، والمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية.

وتشتمل أجهزة الجامعة العربية على آليات لتحقيق أهداف المجالس الوزارية، ومنها مجلس وزراء الصحة العرب ومجلس وزراء الشباب والرياضة ومجلس وزراء الشئون الاجتماعية، مجلس وزراء العدل العرب، مجلس وزراء الداخلية العرب، مجلس وزراء الإعلام العربي، مجلس وزراء الإسكان والتعمير، مجلس وزراء النقل العربي، مجلس وزراء البيئة، مجلس وزراء التعليم العالي، مجلس وزراء الزراعة العرب.

كما تضم الجامعة العربية العديد من المنظمات المتخصصة، ومنها: اتحاد البريد العربي، الاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية، اتحاد الإذاعات العربية، المنظمة العربية ضد الجريمة، المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، منظمة العمل العربية، مجلس الطيران المدني للدول العربية، المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس، المنظمة العربية لتنمية الزراعة، المنظمة العربية للصحة.

أخطبوط ضخم وتلال بيض

وتضيف بعض المصادر تعليقها على ضخامة جهاز الجامعة، بالقول: كثيرة هي المجالس واللجان والمنظمات التابعة لجامعة الدول العربية والتي أنشأت بغرض تدعيم التعاون العربي وتوثيق عرى الأخوّة بين دولها وشعوبها، فهل نجحت كل تلك الهياكل في تحقيق الغرض من إنشائها، أم أنها أضحت عبئاً على كاهل الجامعة أصابهما بالترهل وأضعف فاعليتها في حل المشكلات والتعامل مع القضايا العربية؟

أما أنا فيتراءى لي هيكل الجامعة وكأنه أخطبوط ضخم يجلس على تلال من البيض غير قابل للتفقيس، وكنا نحن السفراء في اللجنة السياسية على موعد دائم للنظر في ذلك الإنتاج الضخم من التقارير والأوراق والإحصائيات التفصيلية الواردة من تلك المصادر، بعضها لعلم حكوماتنا وبعضها للدراسة واتخاذ القرارات والتوصيات بشأنها.

حضرت وزملائي أول جلسة للجنة السياسية في عهد الأمين العام الجديد محمـود رياض، فكانت المفاجأة غير المتوقعة، افتتح الجلسة وقبل استعراض جدول الأعمال ألقى نظرة استغراب على طاولة الاجتماع وتفتحت أساريره عن بسمة عريضة، وهو يوجّه كلامه للأمناء المساعدين قائلًا ما فحواه: «لو كان حضرات السفراء على هذه الطاولة يملكون قدرة الملائكة الكاتبين، لما استطاعوا هضم هذا الركام من الأوراق والتقارير والإحصائيات في هذا الاجتماع، وكان الأولى أن ترسل مسبقاً إلى كل منهم قبل الاجتماع»، ثم أمر برفعها من على طاولة الاجتماع، وطلب من مساعديه التنحي بها جانباً لغربلتها واستخلاص المواضيع المهمة التي تحتاج إلى المداولة واتخاذ قرار بشأنها، ريثما يتم استعراض جدول الأعمال والتصديق على المحضر السابق ومناقشة مشروع تطوير الجامعة العربية.

ماذا قال عني محمود رياض؟

لقد كان محمود رياض رجلاً شجاعاً مقداماً ذا شخصية ومواقف مبدئية مخلصاً لوطنه وعروبته، وبعد استقالته من أمانة الجامعة العربية احتجاجاً على تطبيع أنور السادات العلاقات مع إسرائيل، وذلك في مارس/ آذار من العام 1979، زار البحرين عدة مرات لعلاقته الحميمة مع الوزير الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وزير الخارجية في ذلك الوقت، والذي أتاح لي أن أكون معه، ونقـل لي سعادته ما قاله محمود رياض بشأني حيث قال ما معناه: «إنه كان مرتاحاً جداً من سفير البحرين، فقد كان ملتزماً بمناقشة المواضيع المطروحة للنقاش بجدية، بينما كان عدد من السفراء الآخرين يخرجون عن الموضوع ويتناقشون أو يختصمون».

والواقع أنه من جملة العلل التي تشكو منها جامعة الدول العربية - ولاتزال على ما يبدو- وجود حساسيات رسمية وشخصية بين الأعضاء فيحملون اختلافات بلدانهم وخصوماتها إلى كل اجتماع، ومثل تلك الحساسيات كانت موجودة في اجتماعاتنا، وخصوصاً بين العراق والأردن وسورية وفلسطين واليمن (عدن)، وأحياناً مع لبنان الذي كان مطالباً فوق طاقته للتصدي للعدوان الإسرائيلي، لاسيما من قبل المقاومة الفلسطينية وسورية، كما كان يطلب من لبنان أيضاً تمرير سلاح المقاومة، ومن سورية تمرير سلاح المقاومة من ميناء اللاذقية والإفراج عن أسلحة المقاومة المحتجزة عنده.

وعوداً إلى الحديث عن محمود رياض، فقد استمرت علاقتي الشخصية والأسرية بمحمود رياض بعد ذلك حتى يوم وفاته في (24 يناير/ كانون الثاني 1992).

مـن التجارة... إلى السفارة

وبعد، فـقد اعتاد معظم قرّاء السير الذاتية على قراءة المذكرات الشخصية منذ بدايتها حسب التسلسل التاريخي، وفيما يلي سيرة البدايات في التجارة ثم في السفارة، وأبدأ بحديث التجارة، فبعد رجوعي من الدراسة في بغداد في العام 1946 عملت مساعداً لوالدي الحاج محمد بن مكي البحارنة في تجارته التي كانت تمتد من الخليج العربي إلى الشرق الأقصى إلى الهند وسواحل إفريقيا وبعض دول أوروبا، ولم تكن أميركاً ولا أستراليا في الحسبان، وفي العام 1948 منحني والدي مع أخي صادق مبلغاً مجزياً من المال لإنشاء عمل تجاري مشترك خاص بنا، ولم يكن أخونا الأوسط الدكتور حسين معنا، حيث كان يدرس الحقوق في جامعة لندن لتحضير شهادة الدكتوراه في القانون الدولي، وقد نالها بامتياز فيما بعد.

وتم تأسيس «مخزن العاصمة» في البدء ثم شركة صادق وتقي البحارنة التجارية فيما بعد، ولم تنقطع صلات كل منا برجال الثقافة والفكر والأدب أثناء نشاطنا التجاري، فقد كان مكتب شركتنا مكان التقاء مستمر بين أدباء البحرين والقطيف ومفكريها وشعرائها حتى أوائل التسعينات من القرن العشرين.

وحين صدرت مجلة «صوت البحرين» المعروفة أواخر العام 1949، أوكلت إلى مكتبنا مهمة توزيع المجلة، وكانت شركتنا تساهم في صفحات الإعلانات التجارية فيها، كما ساهمت شخصياً في تزويدها بالمقالات في مختلف المواضيع.

أيدٍ... من حديد

دأبنا في العمل التجاري بجد واجتهاد وتدرجنا في تنويع أعمالنا تبعاً لظروف السوق، وكانت شركات عائلية أخرى ناشئة مثلنا تبذل الجهد لترسيخ أقدامها في التجارة وولوج الأسواق العالمية ومنتجاتها الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية، ووجدَتْ وجوه شابة تركت الوظائف العامة أو غامرت ابتداء في ممارسة هذا النوع غير التقليدي من التجارة فرصاً للظهور والنمو بشكل طبيعي متدرج يختزن التجارب ليستفيد منها، وأمثال هؤلاء من الجيل الجديد عملوا الكثير لتحقيق فرص النجاح بمجهودهم الذاتي، وطرقوا أبواب الثروة الموصدة بأيد من حديد إذ لم يكونوا من بين أثرياء الحرب أو المتلاعبين ببطاقات التموين، أو مقاولي تزويد العمال، كما لم يكونوا من أثرياء النفط أو منتهزي فرص الثراء المشبوه فيما بعد.

في العام 1957 اشترك أخي صادق باسمنا مع صديقه الحميم المرحوم علي عبدالرحمن الوزان، وبعض الشركاء في تأسيس شركة وكالات الخليج العربي المحدودة، ثم تم تحويل اسمها لدواعي تجارية إلى شركة الوكالات العالمية المحدودة، وحين سألت والدي عن تجاربه الأولى في التجارة، ذكر لي أنه كان شريكاً للمرحوم عبدالله الوزان في سوق التمر، ولعل شراكتنا مع عائلة علي عبدالرحمن الوزان جاءت لتؤكد تلك العلاقة القديمة.

بدأت علاقة أخي صادق بعلي الوزان أواخر الثلاثينات من القرن الماضي تقريباً، وتوطدت بعد ذلك عند تأسيس نادي الثقافة الرياضي في بداية الأربعينات، حيث أنهما اشتركا معاً في إدارة النادي والمساهمة في أنشطته الأدبية والثقافية والتمثيل المسرحي.

العدد 4202 - الأحد 09 مارس 2014م الموافق 08 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:16 ص

      جميل ... أن

      جميل ان يجمع الانسان بين التجارة والسياسة والثقافة والادب فالتاجر حين لا تشغله تجارته بحب المال والسياسي بحب السلطة حتما سيخرج منه انسانا راقيا يراعي النواحي الانسانية ويساهم في العطاء من اجل الانسان

اقرأ ايضاً