العدد 4214 - الجمعة 21 مارس 2014م الموافق 20 جمادى الأولى 1435هـ

«لمس» لـ «دهنيم»... الشعر واختزال تجربة الحواس (3-3)

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

استنطاق لصمت بليد. تلويح للأبد المنسي والمركون هناك في الهامش. هامش الروح والمصير. استدعاء للهفة قليلاً ما تأتي. لمس ما لا يُرى. هناك في المعتم من الأوقات التي تضيئها كتابة تدلع لسانها أمام فضاء محاصر في نافذة. هناك حيث تذوق طعم الحرية والاسترسال في المدى الذي له طعم أخّاذ ومقيم.

في سعة الروح. تكتب دهنيم شفاءها... علاج التجربة. تذهب إلى اللغة بعفوية الحواس أيضاً. لا تحتاج الحواس إلى خريطة. كذلك اللغة. الأحلام هي الأخرى خارج ذلك الكادر. كادر الخرائط. في برارٍ هي كخيول برية جامحة لا سلطة عليها سوى أن تكون لاعبة في المدى.

«لا اللمس يُشْفي... ولا الأحلام تحترق».

هذا المقطع صدْر بيت عمودي بامتياز. يتخلل الإيقاع... الوزن. ذلك الاسترسال المنعتق، المتخلّص من صرامة القوانين والقواعد التي كانت ابنة بيئتها، تعويضاً عن إيقاع الحياة البسيط والرتيب.

هو اللمس إذاً في نفي شفائه. للمس أكثر من ذلك: ألاّ تشفى منه. الشفاء منه استقلال عنه. نبْذٌ له. السَعَة في ألاّ يفعل. الضيق في الفعل. تشفى مما تحب فتذهب في نسيانك... غفْلتك. والأحلام هي الأخرى لا تحترق. نفي احتراقها تأكيد لصلابة الحياة واستفزازها لليأس بذلك الحلم.

وفي الحضن مثوى. هندسة الدفء. الوقوف على الملاذ الرحب. طزاجة العاطفة. مثوى الذين لا مثوى لهم. ذهاب إلى الحدود القصوى من بيت اللمس (الحضن). ثمة ثمرة قطافها الدفء. عذاب هو ذلك التقصّي. نزْفٌ في افتتاح أبجدية القلب ومنتهى لغة الحواس!

«حضنُها مثواك... أمٌّ تجيد هندسة القُبَل».

والبياض مساحته في النص. هو نص بياض في جل مساحته. اللمس فيه استدعاء للبياض من حواس أخرى. الكتابة هي راعية تلك الحواس والكاشفة غامضها وأسرارها. استدعاء للغواية تاريخاً (وقدَّت قميصه من دُبُر). لمس للتاريخ بغواية. لمس غواية بتاريخ.

«كلما قدَّت الأحرف بياض الورقة».

«لمس» يذهب في رياضة تتفرّع عبْر اللغة والرؤية والتجربة والأهم ما بعدها. يؤثث بيت الحواس. ويتوّج اللمس صدْر ذلك البيت. بيت بسعة عالمها/ عالمه/ عالمنا، نحن الذين نسهو عن كثير من حواسنا... نؤجّلها... نقيم لها حبسها الانفرادي في كثير من الأحيان.

أتأمل اللمس فأتيقَّن أنه الذي يقود الحواس/ الضريبة. أتأمل اللمس فأيقن أنه ولي أمر بقية الحواس في يُتْمِها!

أقرأ «لمس» فأثق بمفاتيحه التي ستشرع مغاليق أبواب حواس موصدة. تجربة عميقة جريئة تستحق القراءة والاشتغال عليها.

وباطمئنان بالغ: تجاوزت دهنيم في «لمس» ذلك الارتجال في إتيان النص باعتباره هواجس ليقرّ وعلى قلق أيضاً باعتباره تجربة ولصْق رؤيا ورؤية. رؤيا بباطن المشاهدة والمعاينة لا سطحها. ورؤية بذلك المخزون المطمئن والمتحرك في الوقت نفسه من لغة لها شروشها لا في التربة فحسب بل في الأفق الذي يكبر ويمتد في تجربتها. إنه صوت «حواس» بامتياز.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4214 - الجمعة 21 مارس 2014م الموافق 20 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً