العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ

مجزرة العصر!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يعد من الممكن بعد اليوم، الحديث عن استقلالية القضاء في مصر، وخصوصاً بعد صدور الحكم بالإعدام على 529 مواطناً مصريّاً دفعةً واحدة. وقد صدر هذا الحكم المستهجن بعد جلستين للمحكمة فقط، ومن دون أن يتمكّن المحامون من الاطلاع على أوراق الاتهام. كما أنَّ أكثر المتهمين لم يطّلعوا على لائحة التهم الموجّهة إليهم، فهذا النظام العسكري يأخذ معارضيه على طريقة «خذوه فغلوه».

لسنا مع الإخوان المسلمين، وكثيراً ما انتقدنا سياساتهم الرعناء، في الداخل والخارج، وما فيها من إقصاءٍ للآخرين، ونزعةٍ تفتيتيةٍ للأمة، وهو ما أسهم في تأليب الأغلبية عليهم وإيرادهم هذا المصير الأسود. مع ذلك فإنَّ ما يجري ضدهم يدخل في باب التصفيات الجماعية.

إنَّ مثل هذا الحكم يعبّر عن توجه استبدادي شرس، مستهتر بالأرواح والدماء، فلم يحدث في تاريخ مصر أن صدر حكمٌ قضائي كهذا الحكم الخارج عن المنطق والعقل. حتى في محاولة اغتيال جمال عبدالناصر، وفي حادثة اغتيال أنور السادات، حُكم بالإعدام على أربعة وخمسة أشخاص فقط.

في نهاية القرن الثامن عشر، حين غزا نابليون بونابرت مصر، قام بإطلاق المدفعية على المماليك الذين كانوا يحكمون مصر، فقتل من قتل وهرب الباقون على خيولهم المطهمة، وبعضهم غرق في النيل. وأوصى خليفته كليبر: «إن أردتَّ حكم مصر طويلاً فعليك أن تحترم مشاعر المصريين الدينية وحرمات منازلهم». ومع ذلك انتهت الحملة بالفشل وتم الجلاء من مصر، وبقيت ذكراها السيئة في القلوب، حيث ظل المصريون يذكرون كيف اقتحم الفرنسيون الأزهر بالخيول.

الأسوأ من ذلك ما تركه الاحتلال البريطاني لمصر، وهي «حادثة دانشواي»، الذي أقدم على محاكمة 92 قرويّاً مصريّاً بتهمة القتل العمد لأربعة ضباط بريطانيين، وتفاوتت الأحكام بين الجلد والسجن، وتم إعدام أربعة فقط. كان ذلك في العام 1908، يومها ترأس القضاة بطرس غالي (الذي تم اغتياله)، وأحمد زغلول (شقيق سعد زغلول الذي قاطعه استنكاراً لذلك العار). أما القضاء المصري في 2014، فسيذكره التاريخ بالسخرية والاستنكار، بسبب الحكم على 529 مواطناً مصريّاً بالإعدام، بتهمة مهاجمة مركز شرطة وقتل ضابط واحد.

إنَّ هذه الحادثة تكشف الاستهتار بالقانون والعقل وأرواح البشر، كما تنمُّ عن نظرةٍ فرعونيةٍ خطيرة، تعتبر الناس حشرات، فهناك 500 روح بشرية، لا يملك نزعها إلا خالقها، وتعني 500 عائلة منكوبة، و500 أرملة، وآلاف الأطفال اليتامي. كل ذلك لم يخطر ببال القاضي الذي سيعود إلى منزله ليداعب أطفاله وينام مع زوجته ليلاً.

لسنا مع الإخوان نظاماً ولا تنظيماً، لكننا ضد هذا الاستهتار بدماء المصريين بهذه الصورة التي لم تحدث حتى في أيام الغزوة الفرنسية أو الاحتلال البريطاني. حفظ الله مصر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 6:20 ص

      من الواضح

      ان هذي الاحكام سوف يليها مكرمة من السيسي الذي بات ترأسه لمصر قاب قوسين
      هذه السياسه انتقلت لمصر من الخليج مع انتقال الاموال.

    • زائر 17 زائر 14 | 9:36 ص

      بيض الله وجهك يالاخو

      جبتها في الصميم وحتى يترحمو على نظام مبارك

    • زائر 12 | 3:45 ص

      وين المجزرة يا ناس ؟

      أولاً يا أستاذ قاسم جعلت نفسك هدفاً واضحاً للكثيرين؛ فإياك و السفر إلى مصر!
      ثانياً احتجاجات و مظاهرات الإخوان أدخلت مصر في بلبلة و عدم استقرار، ولا ضرر من التضحية بخمسمائة أو ألف أو ألفين لإعادة الاستقرار و اللحمة الوطنية ، مصر فيها ناس وايد ( في مقبرة القاهرة فقط يعيش مليون ونصف من الأحياء).

    • زائر 15 زائر 12 | 6:44 ص

      رد على زائر 12

      ذبح ألوف الناس هو الذي سيعيد الاستقرار و اللحمة الوطنية والحب بين المجتمع . . . خوش منطق !!!!

    • زائر 11 | 3:31 ص

      وما هذه الأحكام ببعيد عنا!!!

      وماذا عندنا يا سيد في البحرين الأحكام التي حكم على شباب ستره(29) على عشر سنوات وغيرهم من المواطنين , حتى المحامون لم يتمكّنوا من الاطلاع على أوراق الاتهام ,

    • زائر 10 | 1:51 ص

      النظام يحفر قبره بيده

      الانظمة كالانسان يبدأ جنينا ثم يكبر شيأ فشيأ حتى ينتهي به المطاف الى الشيخوخة ثم الموت كذلك الانظمة تهرم حتى السقوط وما يعجل بذلك هو ظلم العباد ولا كيف يصدر حكم اعدام 500 مقابل شخصا واحد لا يقبلها تحت مبرر .

    • زائر 8 | 12:57 ص

      أبتزاز

      شكرا ياسيد المقال أكثر من رائع ولاكن من الواضح جدا ان الحكومة المصرية تبتز الاخوان سياسيا والله بالله عليك حكم أعدام 500 نفر ؟! لويه جراد؟

    • زائر 7 | 12:55 ص

      أبوعلاء

      وستظل ذكرى مجزرة الخميس الدامي عالقة في أذهان شعب البحرين وهدم المساجد وفصل الالاف من أعمالهم والزج بالالاف في السجون وتعذيبهم وقتل من قتل وجرح من جرح!!

    • زائر 6 | 12:52 ص

      برير

      ليست فقط أحكام مستهجنة تثير الاشمئزاز . بل أحكام غبية تثير السخرية والضححك. إنها طبائع الاستبداد. عدل بلا عدالة وديمقراطية بلا مساواة و "شرفاء" بلا شرف.!

    • زائر 5 | 12:30 ص

      استاذي العزيز

      الا تعتبر ان زهق ارواح اكثر من 150 انسان في البحرين بمجزرة كبيرة جداً لو قارنتها بالتعداد السكاني بين البحرين ومصر.

    • زائر 4 | 11:57 م

      حين يسقط القضاء فلا ملاذ آخر للناس سوى الفوضى

      بعد سقوط القضاء تصبح ثقة الناس مهزوزة بكامل الدولة وحينها.يعود الوضع للأسوأ وتصبح مصر مفتوحة لكل الاحتمالات

    • زائر 3 | 11:34 م

      شكرا يا سيد

      نعم حفظ الله مصر و حفظ الله البحرين من هكذا احكام .

    • زائر 2 | 11:12 م

      اين هم الدول التي تتشدق بحقوق الانسان

      لقد اكتشف زيفهم وكرههم لشعوبنا الم يحن الوقت لوقفنا جنبا لجنب ضد اعداء الانسانيه

    • زائر 1 | 10:36 م

      لسنا مع الاخوان ولسنا مع ظلمهم بهذه الصورة البشعة

      الظلم والجور قبيح سواء أحصل من الاخوان او حصل من غيرهم عليهم. الاحكام مسيّسة بامتياز وظالمة وتجافي ابسط مقوّمات العدالة .
      لم يعد لدي ثقة في القضاء المصري بعد اليوم مهما تكن المبررات فهذه فعلا مجزرة فلا يمكن ان يدخل هذا العدد ويكون حكمهم كله حكم واحد
      يجب ان يكون لكل قضيته الخاصة وحيثياتها يتناولها القضاء ويقوم الدفاع بواجبه عنها كقضية وليس بطريقة بهائم مصابة بمرض معدي يتخلص منها بالجماعات

اقرأ ايضاً