العدد 4227 - الخميس 03 أبريل 2014م الموافق 03 جمادى الآخرة 1435هـ

أهمية تحسين الجودة الصحية لمرضى السكري (2)

فيصل جعفر المحروس comments [at] alwasatnews.com

طبيب استشاري وباحث في أمراض السكري

عند اختلال تلك العلاقة بين المتلقي والناقل تبدأ بعض المشاعر العدوانية في الظهور ما يفسد الهدف من توصيل تلك الرسالة، كما تعكس دقة وعمق معرفة الملقي صورة جيدة تحفز المتلقي للثقة به ومن ثم تقبل الرسالة، أما إذا كان الملقي لا يملك تلك القدرة؛ فعليه أن يوصل رسالته عبر أفراد يمتلكون ثقة مجتمعهم كرجال الدين.

ولضمان جودة الأداء الصحي لابد من تفعيل برامج الوقاية الصحية التي تستهدف مستويات الهرم السكاني كافة، ولعل التوسع الأفقي للرعاية الصحية الأولية هدف تسعى إليه جميع الأنظمة الصحية، ولكن يظهر سؤال على السطح لتعكس الإجابة عليه مدى فعالية تلك الخدمة وهو التناسب في حجم الرعاية الصحية المتخصصة والرعاية الصحية فائقة التخصصية مع حجم الرعاية الأولية. فإذا كان جميع أو أغلب عناصر المجتمع تستهلك تلك المستويات من الرعاية فهذا يعني أن مستوى الرعاية الأولية قد سمح للهرم السكاني أن يتسع في القمة ولم يراعِ اجتثاث وتعديل بعض السلوكيات ومحو بعض الأمراض المزمنة التي تحتاج معالجتها أو معالجة مضاعفاتها إلى عناية صحية متخصصة وبالتالي ارتفع العمر المتوقع للأفراد وارتفعت معدلات الإصابة بالأمراض والمضاعفات المرضية واتسع نطاق جميع مستويات هرم الخدمات الصحية، ما يؤدي إلى تشتيت أهداف وواجبات كل شريحة من شرائح هرم الخدمات الصحية.

ولعل داء السكري هو أحد تلك الأمثلة، فمعدلات الإصابة بهذا الداء صارت تتصاعد بصورة تتطلب التوقف واعادة تقييم أداء وفعالية أنظمة الرعاية الأولية. ولنا أن نعرف أن معدل الإصابة بداء السكري في منطقة الشرق الأوسط ارتفع إلى 15 في المئة وفي بعض دول الخليج ارتفع ليصل إلى قرابة 25 في المئة.

وعندما نحسب مقدار ما يمثله المال والجهد والعناية بهذا الداء من جملة مصادر الصرف الصحي، ولنا أن نتصور حجم الخسارة التي يتكبدها المجتمع من جراء خروج هذه الشريحة (المصابين بداء السكري) من نطاق القوة البشرية المنتجة. وعند ظهور المضاعفات المستقبلية لهذا الداء تبدأ رحلة استهلاك الخدمات الصحية التخصصية والتخصصية فائقة المستوى ويكفي أن نعلم أن داء السكري هو أكثر أسباب العمى شيوعا ويحتل رأس قائمة الأسباب المسببة للفشل الكلوي المزمن، ويصنف من ضمن الأسباب المهمة لامراض القلب التاجية وأمراض الشرايين الطرفية واعتلال الأعصاب والقائمة تطول لتعداد المضاعفات المزمنة لداء السكري. لكن الصورة تختلف تماما إذا تم تفعيل برامج الوقاية على مستوى الرعاية الصحية الأولية وتمت العناية بتوصيل مفهوم «الوقاية خير من العلاج».

ويعتبر البحث الوبائي والتحليل الإحصائي من ضمن أسلحة الرعاية الصحية الأولية الفعالة لتحديد حجم المشكلة و أسبابها وارتباطاتها العائليةوالبيئية والوراثية.

إن السعي لإنشاء شبكة من عيادات السكري ترتبط في ما بينها وتلتقي جميعها في مركز رئيسي لأبحاث ودراسات السكري تمثل الدرع الواقي لمقاومة تسرب هذا الداء، على أن تمد هذه العيادات المركز الرئيسي بتقارير ربع سنوية حول داء السكري في المنطقة التي توجد فيها ويتم التنسيق لمؤتمر سنوي للقائمين عليها لمناقشة المشكلات التي تواجهها كل عيادة، كما تقوم كل عيادة بتقديم دراسة عن إحدى المشاكل التي واجهتها وكيفية حلها لتكون خبرة مقدمة لباقي العيادات.

لعل هذه المنظومة الصحية ستكون البنية الأساسية والرافد العظيم لقاعدة بيانات داء السكري ومرضى داء السكري بحيث يصبح الحلم في أن يحمل مريض داء السكري رقماً صحيّاً يتعامل به في جميع عيادات السكري على مستوى العام حلاًم أقرب إلى الواقع من الخيال، ويكفي أن يدخل الطبيب المعالج رقم المريض الصحي في جهاز الحاسوب ليخرج جميع المعلومات الطبية عن المريض وسجل المتابعة الخاص به ليس في منطقته فحسب بل في كل مكان وجد فيه المريض وتلقى فيه الخدمة الصحية.

ولا تخفى الفائدة الكبيرة من مثل هذا النظام، حيث يمكن بواسطته التقنين الكامل لصرف الدواء والمتابعة الفعلية لانسياب الدواء، كما يمثل هذا النظام ثروة من المعلومات الصحية تسمح بإجراء جميع أنواع الدراسات البيئية.

ولعلَّ عدم تداخل دوائر الخدمات الأخرى مثل التربية والتعليم مع دائرة الرعاية الصحية من أهم الأسباب التي تجعل فئات المجتمع جزراً متباعدة، يحتاج كل برنامج خدمي يستهدف أية فئة إلى وضع قواعده وسياساته التي قد تتداخل أو تتعارض مع قواعد وسياسات الخدمات الأخرى، لكن التنسيق بين واضعي برامج الخدمات الأخرى يساعد كل مجموعة على وضع القواعد التي تساعدها في إنشاء وتفعيل برامجها المختلفة، ولعل أهم تلك البرنامج هو برنامج الوقاية الذي تطبقه دائرة الخدمات الطبية بالرعاية الأولية.

وهكذا، فإن عدم الدقة في وضع ورسم سياسات الخدمة الصحية وخاصة إذا لم يصاحب بتطبيق جيد لتلك السياسات وتقييمها بصورة مستمرة في مختلف فئات الهرم السكاني فان النتيجة الحتمية هي إهدار الموارد الصحية وتآكلها بمرور الوقت وحصر الخدمة التي تقدمها الرعاية المتخصصة والرعاية فائقة التخصصية في إصلاح أخطاء الرعاية الأولية.

إقرأ أيضا لـ "فيصل جعفر المحروس"

العدد 4227 - الخميس 03 أبريل 2014م الموافق 03 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً