العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ

مقطع توبلي وسر المدن المفقودة في سار

اشتهرت البحرين الكبرى، أي شرق الجزيرة العربية، بصورة عامة، بأهميتها في التجارة البحرية؛ فقد ساهمت في حركة الفعاليات التجارية بمنطقة الخليج العربي، وكثرت بها الموانئ والمحطات التجارية (قمر 1997، ص 39). وقد كشفت حملات التنقيب الآثارية في المواقع الإسلامية عن وجود قرائن واضحة تؤكد اشتغال جزر البحرين بالتجارة البحرية، على سبيل المثال، العثور على أنواع عديدة من الفخار المستورد من البصرة وعمان وإيران والهند والصين (Carter 2005). ولكن هذا لا يعني أن جزر البحرين كانت لها أهمية كبرى؛ فلم تذكر من ضمن الموانئ الأساسية في القرن الثامن أو التاسع الميلادي، ولم تذكر من ضمن محطات الطرق التجارية البحرية في تلك الحقبة (لمزيد من التفاصيل راجع قمر 1997، ص 39 - 62).

كذلك لا توجد نصوص تشير لوجود حركة تجارية في جزيرة أوال في الحقبة السابقة للإسلام، وهي الحقبة الساسانية وبالتحديد ما بين عامي 400 - 700 م. وقد سبق الإشارة إلى أنه لم يعثر على أثر في جزيرة أوال يعود لهذه الحقبة، بل إن موقع قلعة البحرين هجر في هذه الحقبة وهو الموقع المرجح الذي بني فيه ميناء البحرين في الحقب القديمة. وقد أدت قلة الآثار في هذه الحقبة إلى ترجيح أن أوال لم تكن جزءاً من شبكة التجارة البحرية التي أسسها الساسانيون (Larsen 1983, p. 111). إلا أن السبب الرئيسي، المرجح، لعدم العثور على آثار تعود لهذه الحقبة، هو عدم البحث عن مواقع للتنقيب فيها؛ فهناك عدة إشارات متناثرة ضمن ما تم نشره من نتائج عمليات التنقيب، وهي إشارات لنتائج تنقيب لم تنشر بعد. تلك الإشارات ربما تؤكد لنا وجود مدن ساسانية تعمل في التجارة في جزيرة أوال، وأن هناك مرفأ آخر كان نشطاً في جزيرة أوال، غير مرفأ موقع قلعة البحرين. ولي نتمكن من توضيح الصورة هنا، يتوجب علينا العودة إلى دلمون وتتبع التجارة البحرية منذ تلك الحقبة وصولاً إلى أوال.

سار الدلمونية ومقطع توبلي

ترجح غالبية الدراسات الآثارية أن أقدم ميناء أقيم في كبرى جزر البحرين كان في موقع قلعة البحرين، وكان يخدم المدن الدلمونية التي نشأت في هذا الموقع. إلا أن هناك دراسات أخرى تشير لوجود ميناء آخر يخدم مدينة دلمونية أخرى في جزيرة أوال، وهي المدينة الدلمونية التي شيدت في موقع سار؛ فتشير اللقى الآثارية إلى أن هذه المدينة الدلمونية الأخيرة كانت تستورد فخاراً من خارج البحرين يختلف عن باقي المدن الدلمونية في موقع قلعة البحرين؛ وبالتالي يرجح وجود ميناء آخر للمدينة الدلمونية في سار (Carter 2001). والمرجح أن هذه المدينة الدلمونية مرتبطة بالساحل الشرقي لجزيرة أوال؛ حيث تشير الدراسات الآثارية والجيولوجية أن مقطع خليج توبلي كان يتغلغل في جزيرة أوال حتى يصل إلى مقربة من موقع سار الأثري. ونظراً لقلة الدراسات للنظائر المشعة لبقايا الكائنات الحية التي عثر عليها في هذه المنطقة، فلا يمكن تحديد مدى هذا التغلغل وعمق المياه في المقطع (Bush et al. 2005, pp. 339 - 345).

مدينة ساسانية

وأخرى إسلامية في سار

لا تتوقف علاقة سار بالساحل الشرقي عند الحقبة الدلمونية، فهناك تعاقب متواصل للحقب التاريخية في موقع سار. فعلى العكس من موقع قلعة البحرين الذي لم تكتشف فيه آثار سكنى ساسانية، فقد اكتشف في عام 1984م في موقع سار الأثري على مبنى يرجح أنه معبد ساساني، وقد عثر في هذا المعبد على عملة ساسانية فضية تعود للملك الساساني فيروز (459 -484م) (Kervran 2005, p. 247). عثر أيضاً على فخار وزجاج، ولكن لم تتم دراسة المكان بصورة دقيقة، ولم يصور الفخار وغيره من اللقى، فقد أقفل على كل شيء في مخازن. ولم تصل لنا إلا هذه المعلومة اليتيمة عن معبد ساساني ربما كان متصلاً بقرية/مدينة ساسانية قريبة من الموقع. ولا بد أن يكون لهذه المدينة ارتباط بشبكة التجارة البحرية التي أسسها الساسانيون. فأين هي هذه المدينة؟ وأين هو الميناء القريب منها؟ هل هو الساحل الشرقي أيضاً؟

إلى هنا وتبدو الصورة معقدة، إلا أن الأمر يزداد تعقيداً، فقد عثر بالقرب من المعبد الساساني على موقع أثري آخر، يحتوي على بقايا فخار إسلامي مبكر (Larsen 1983, p. 85). وبالطبع لم ينشر تقريراً عن هذا الفخر أو الموقع الإسلامي ولا نعرف تفاصيل أكثر عنه، لكن هذه المعلومة تشير لوجود قرية/مدينة إسلامية مبكرة في موقع سار الأثري، فأين هي؟

الصورة المعقدة للبحرين الإسلامية

يبدو أنه كلما تتبعنا خيطاً جديداً من خيوط نتائج بعثات التنقيب، التي ركزت على الآثار الإسلامية، فإننا نصل إلى طريق مجهول؛ حيث إن هذه الدراسات لم تستكمل، أو أن جزءاً من نتائجها لم ينشر. ناهيك عن قلة ما تم نشره عن هذه الحقبة. في واقع الأمر، حتى تقارير بعثات التنقيب، سواء في المواقع الإسلامية أو الدلمونية، غير متاحة للعامة؛ فغالبيتها لا تباع في البحرين، ولا نعلم أين تباع خارج البحرين. فما بالك بالتقارير غير المنشورة.

وعلى رغم ذلك، ومن خلال ما تمكنا من جمعه من تقارير منشورة، يمكننا أن نرسم صورة عن علاقة الساحل الشرقي لجزيرة أوال بالمدن/القرى الإسلامية المبكرة. فمن خلال ما قدمناه يلاحظ وجود أربع مناطق للسكنى في أوال في القرنين الثامن والتاسع الميلادي، وثلاث من تلك المناطق لها علاقة بمقطع خليج توبلي: الأولى في البلاد القديم بالقرب من المقطع، والثانية في نفس امتداد مقطع توبلي في اتجاه الغرب في موقع سار الأثري، والثالثة في عالي وقد بنيت بالقرب من وادٍ كانت تجري فيه المياه، ويصل هذا الوادي حتى مقربة من موقع سار الأثري. كذلك فإن العيون الطبيعية القريبة من كل من عالي وموقع سار الأثري، تتجمع مياهها الزائدة عن ري المناطق الزراعية في قنوات تجتمع جميعها لتصب في قناة واحدة متصلة بالطرف الغربي لمقطع خليج توبلي.

ميناء أوال المفقود

اشتهرت شرق الجزيرة العربية قديماً بالتجارة البحرية، لكننا لا نعلم شيئاً عن التجارة البحرية في أوال، وكل ما وصلنا عنها إشارات في الشعر الجاهلي، كقول عمرو بن قميئة (448 م – 540 م):

هَل تَرى عيرَها تُجيزُ سِراعاً

كَالعَدَولِيِّ رائِحاً مِن أُوالِ

وفي شعر للمخبل السعدي (المتوفى العام 633 م):

تَحَمَّلنَ مِن ذاتِ الإِزاءِ كَما اِنبَرى

بِبَزَّ التِجارِ مِن أُوالَ سَفائِنُ

وكذلك في شعر لتميم بن أبي (554 م – 657 م)

مَالَ الحُدَاةُ بِهَا لِحَائِشِ قَرْيَةٍ

وكَأَنَّهَا سُفُنٌ بِسِيفِ أَوَالِ

ويلاحظ هنا أن اسم أوال ذكر مرتبطاً بالسفن، وخصوصاً «العدولي». وسفن العدولي هي سفن ضخمة ربما كانت تستورد من خارج الخليج العربي، وقد سميت نسبة إلى قوم من التجار أو إلى منطقة معينة (العماري 2010، مجلة الواحة العدد 59).

فأين كان هذا الميناء، فلا يوجد دليل آثاري على وجود سكنى في موقع قلعة البحرين، والمدن/القرى الأساسية في البحرين مرتبطة بالساحل الشرقي، فهل يكون الميناء على هذا الساحل. هذا الاحتمال كان من ضمن الفرضيات التي قدمتها البعثة البريطانية؛ حيث اقترح كل من Mcnicoll وRoaf أن البلاد القديم تتمتع بمرفأ طبيعي أفضل من الساحل القريب من موقع قلعة البحرين (Larsen 1983, p. 47).

إلا أنه لا توجد دراسات على الساحل الشرقي لجزيرة أوال، وربما لا يوجد تخطيط لدراسة هذه المنطقة بحثاً عن مواقع إسلامية مبكرة. وبذلك لا يوجد تاريخ حقيقي يروى، بل تبقى فرضيات ونظريات يصعب إثباتها دون دلائل مادية.

العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً