العدد 4251 - الأحد 27 أبريل 2014م الموافق 27 جمادى الآخرة 1435هـ

سنوات السجن... وسنوات الجريش

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهد هذا الشهر ندوتين ثقافيتين، الأولى نظمتها «مجموعة 19 البحرين»، استضافتها جمعية «وعد»، عن «الإعلام الاجتماعي ودوره في تعزيز الحقوق وتوسيع الحريات»، (9 أبريل/ نيسان 2014)، والأخرى عن «تاريخ دلمون... مهد الحضارة» (14 أبريل)، واستضافها مركز جدحفص الثقافي.

استعرضت في مقالٍ سابقٍ ما يتصل بالجانب السياسي في الندوة الأولى، وتركت الجانب التاريخي لهذا اليوم، لأتناول تجربة جاسم حسين آل عباس الثرية في مجال التدوين، حيث أطلق موقعاً الكترونياً يهتم بالتراث. وقد بدأ صاحبنا بدراسة التاريخ مطلع التسعينيات، وبدأ الاهتمام بتاريخ البحرين منذ العام 2000، وفي 2004، أطلق موقعه «سنوات الجريش».

التسمية استوحاها من سنوات القحط والجوع التي عاشها سكان الخليج أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وقد ذكّرني بما سمعته من المرحوم والدي، وكان في بدايتها صبياً دون العاشرة، وكانت أمّه رحمها الله، تعطيه تمرةً واحدةً في اليوم، وتمرةً أخرى لأخته (عمّتي). وظلّ يذكر تلك الأيام الصعبة حتى آخر حياته، وظلّت صورتها محفورةً في ذاكرتي.

قبل تأسيس موقعه، كان يزور القرى ويكتب تقارير عنها وينشرها في بعض المنتديات، وشجّعه ما لقي من تفاعلٍ على الكتابة في تاريخ البحرين، مدفوعاً بحب الاستطلاع والبحث عن الهوية التي تتعرّض لتشويهٍ متعمّدٍ مسعور. وقد ذكر أنه تعرّض للتوقيف عدة مرات، وتم التحقيق معه في بعض مراكز الشرطة أثناء تتبعه وتقصّيه للأماكن الأثرية، إمّا لأنها كانت ضمن أملاك خاصة أو مواقع عسكرية، مثل جزيرة ابن المتوّج (القريبة من النبيه صالح)، وقرية المخروق (جنوبي محطة الرفاع للكهرباء). هذا الشغف بالتاريخ اكتشفنا أنه نشأ وترعرع لديه في سنوات السجن في التسعينات.

الندوة الأخرى، عن «حضارة دلمون» قدّمها محمود عبدالصاحب، تطرّق فيها إلى تاريخ البحرين القديم، حيث كانت هذه الجزر مهد حضارة عريقة، ارتبطت بحضارات السند والهند وفارس وبلاد الرافدين. وأشار إلى ما تميّزت به من صناعات السفن والصيد والنسيج والتعدين، فضلاً عمّا اشتهر به الفخار الدلموني، وانتشاره حتى وصل إلى أرض الفينيقيين (لبنان) والبتراء (الأردن) وإيران والعراق. هذه الجزر الغنية العريقة كانت لها صلاتٌ أيضاً بالمراكز الحضرية الأخرى، مثل ملوخا (الإمارات حالياً) وماجان (عُمان) وصولاً إلى الهند. فمن يقف على مثل هذا التاريخ لا يشعر داخله بعقدة نقصٍ أو انتماء.

تطرّق عبدالصاحب إلى ملحمة جلجامش، ومجيئه إلى «أرض الحياة»، بحثاً عن زهرة الخلود؛ وعن مدافن عالي التاريخية، أقدم مقبرة تاريخية في العالم، التي تعرّضت للتجريف في العقدين الماضيين، ولم يبق منها إلا 6-8 آلاف قبر، بعد أن كانت تقدّر سابقاً بين 170- 200 ألف. كما قدّم شرحاً لتكوّن القبر من طابقين، حيث كان يدفن مع المتوفى بعض مقتنياته، ما يوحي بوجود عقيدة البعث عند الدلمونيين القدامى.

مثل هذه الندوات يكون حضورها من النخبة والمثقفين، ويعقبها بعض المداخلات، منها ما أضافه الناشط البيئي محمد جواد المعاميري من القول بأن أهل البحرين حين تحوّل بعضهم للنصرانية، اختاروا المذهب النسطوري، الذي يؤمن بالمسيح نبياً وليس إلهاً. مضيفاً أن هناك دولاً مجاورة صرفت الملايين لتخرج لنفسها بهوية تاريخية، بينما نفرّط نحن بتراثنا الوطني، وآخره ما يجري من تخريب همجي مشين لقبر الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان العبدي.

عبدالصاحب هو الآخر كان سجيناً سياسياً، أطلق سراحه قبل شهرين، واستغل السنوات الثلاث أحسن استغلال، في القراءة والكتابة والتأليف، فخرج بأكثر من عشرين مخطوطة تنتظر التنقيح وإعداد أحسنها كتباً للطبع.

تجربتان ثريتان تثيران الإعجاب... تقولان أن السجن ليس نهاية الحياة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4251 - الأحد 27 أبريل 2014م الموافق 27 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 8:44 ص

      سجوننا

      في كل البلدان تزخر السجون بالمجرمين الا سجون بلدنا فهي تزخر بخيرة الناس

    • زائر 15 | 6:25 ص

      التاريخ

      التاريخ يعيد نفسه انه هارون الرشيد سجن مولانه الامام الكاظم 15 سنه وقتلهه فى السجن وهو مكبل بلحديد ورماه على الجسر الان فى البحرين الداخلية تقتل كل من يطالب يحقه او تسجنه خصوصا الشيعة انها الاحقاد على مذهب اهل البيت عليهم السلام المشتكى لله

    • زائر 14 | 6:13 ص

      السجن مدرسة بل جامعه !

      بسم الله.. وين الباب وينه

    • زائر 13 | 4:52 ص

      السجن مدرسة بل جامعه !

      من قال بأن السجن نهاية للعالم أو مقبرة الأحياء!! البحرانيون عندما يدخلون السجن مظلومين ويعلمون بأنهم سيخرجون مرفوعين الرأس عالياً لأنهم أصحاب حق, شخصيا أعرف شخصاً دخل السجن لا يجيد القراءه ولا الكتابه وخرج منها قارءاً للقرآن وبالتجويد والترتيل وأكمل دراسته وله منزله بين أهله ومحبيه وهذا مثال من عشرات إن لم يكن المئات ممن دخلوا السجن و السجن مدرسه بل جامعه لنا.

    • زائر 11 | 3:39 ص

      هذا درس

      المفروض كل السجناء يهتمون بالقراءة في السجن وعدم اضاعة وقتهم واعمارهم. والمفروض يطالبون بتكملة دراساتهم المدرسية والجامعية. وهذا الشيء موجود حتى في فلسطين المحتلة.

    • زائر 12 زائر 11 | 4:44 ص

      هذه هي المشكلة

      المشكلة يا اخي ما يسمحون لنا بإدخال الكتب لأبنائنا. فقط كتاب أو كتابين كل مقابلة. لماذا لا يسمحون لنا بادخال الكتب لهم ليستفيدوا؟

    • زائر 9 | 2:49 ص

      الوسط و الجريش

      قاسم حسين و جاسم حسين شكرا لكم جزيلا على المواضيع والاهتمام المشترك يا ابناء الحاج حسين

    • زائر 6 | 1:15 ص

      ابدااااااع

      اين يحل هذا البحراني مبدع

    • زائر 5 | 12:51 ص

      الحمد لله البحرين حطّمت الارقاما القياسية في سنوات السجن

      يقولون البحرين ما حصدت ارقام قياسية على مستوى العالم لكي يحبطونا وها نحن قد حققنا انجاز منقطع النظير فلا يوجد بلد في العالم مقارنة بعدد السكان اصدر احكاما كما صدرت في البحرين ويجب ان نحتفل بهذا الانجاز

    • زائر 4 | 12:48 ص

      شموع

      هؤلاء هم جنود يشعلون شموع المعرفة و يزرعون الامل بغد أفضل.

    • زائر 3 | 12:37 ص

      لو وزّعنا سنوات السجن على هذا الشعب لأصبح نصيب كل فرد سنوات

      الأحكام الصادرة بالسجن وهي تصل الى مئات السنوات بل تكاد تصل الى آلاف اذا ما خاب ظني وهذه الاحكام تكفي لكي تغطي كل مواطن بحريني الى سنة او سنتين على اقل تقدير
      الحمد لله على هذه العطايا والهدايا

    • زائر 2 | 12:21 ص

      سنوات الجريش

      موقع سنوات الجريش موقع جيد وصاحبه نشيط ولكنه للأسف يفتقر إلى الدقة والأسلوب العلمي وبارك الله في صاحبه وسدد خطاه

    • زائر 7 زائر 2 | 1:51 ص

      كن ايجابي

      لا تحبط الرجاال

    • زائر 10 زائر 2 | 3:05 ص

      اسلوب علمي؟

      ليش حبيبي اسلوب علمي داش محاضرة؟ هاده تاريخ.

    • زائر 1 | 10:16 م

      تاريخ بلادي لا موقع لهم فيه فبحاولون محوه و تشويهه

      ليس ثمة علاقة روحية بالبلد عندهم

اقرأ ايضاً