العدد 4254 - الأربعاء 30 أبريل 2014م الموافق 01 رجب 1435هـ

لحظة «قصّ الشريط»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يتلقَّى المدعوون قصاصات فاخرة، ممهورٌ عليها دعوة لهم لحضور افتتاح إحدى ناطحات السحاب، أو مبانٍ شواهق، ذات صورة خلابة في هندستها وقوامها. يأتي الجمعُ بأبهى ما عندهم من ملبس، وعودٍ مَنْدَلي فوَّار، متجمِّعين أمام سِلْك مَخْيُوط كي يأتي راعي المناسبة فيقطعه بمقص، ثم يُصفِّق الحضور، فرحاً وابتهاجاً بهذا الإنجاز التنموي الكبير.

الجميع شاهد الثمرة وهي تُقطَف، لكن أحداً منهم لم يَرَ البذرة وهي توضع في التراب. ولم يسهر على رَيِّ جذورها بالماء كل يوم. أولئك هم كذلك، حين وقفوا مبتهجين بما هو ماثلٌ أمامهم من بناء وعَمَار. هم لم يرَوا الأيام والشهور، التي تصبَّب في ساعات نهارها الحارق وليلها القارس العرق من هامات العُمَّال. وربما مات أو مرض منهم الكثير، وهم يضعون لَبِنَة على أخرى، لا يرون فيها زوجاتهم ولا أولادهم إلاَّ وهم في إعياء وتعب شديد.

اليوم، ونحن في يوم العُمَّال العالمي، ما يجب أن نتذكره ليس المشهد الكلي لهذا اليوم، بل المهم هو المشهد التفصيلي، الذي من خلاله يمكننا رؤية دقائق الأمور، ومسارها من بدايته إلى نهايته. فما أسهل مِنْ حمل الشعار، وما أثقل مِنْ حمل الشعور. وهي مسئولية تتطلب الرحمة، والنظر إلى مَنْ هم في مراتب أدنى بعين إنسانية، لا تفرقة فيها.

أيضاً، يجب توسيع النظرة إلى مفهوم العِمْلَة والعُمْلَةُ والعَمالة والعُمالة أياً كان لفظها لغوياً كأجْرِ ما عُمِل. فالعامل، ليس ذلك الرجل أو الشاب المتَّشح بقميص أزرق داكن، وبأكمام طويلة، وبِنطال سميك، وحذاء ذي كعب رفيع. هذا التصنيف هو ضيِّق جداً.

فهناك 264 مليون طفل عامل في العالم، «يعمل كثير منهم بدوام كامل وفي ظروف بائسة وخطيرة غالباً، وأكثر من نصفهم يعمل في بيئات خطرة، أو يعاني من الاستعباد وغيره من أشكال العمل الجبري والأنشطة غير المشروعة» حسب منظمة العمل الدولية.

وإذا ما أردنا أن نخصِّص قليلاً، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجد فيها اليوم «قرابة 9.2 ملايين طفل عامل، أي ما يعادل 8.4 في المئة من الإجمالي العالمي، تحاصرهم ظروف الفقر وانتشار البطالة وتدني جودة التعليم، ما يؤدي إلى تسربهم المبكر من المدرسة. ومعظم هؤلاء الأطفال يعمل في الزراعة، ونحو 57 في المئة منهم في أعمال خطرة»، رغم أن العدد انخفض إلى 168 مليون طفل عامل حسب تقارير المنظمة لكنه لايزال رقماً كبيراً، وربما كانت الأزمة السورية أحد روافده وسط هجرة الأطفال السوريين.

أيضاً، هناك ثلاثة وخمسون مليون شخص من العاملين المنزليين، «تشكِّل النساء منهم نسبة 83 في المئة. ولا يشمل هذا الرقم الأطفال العاملين في العمل المنزلي والذين أخذت أعدادهم بالازدياد باطراد في الدول المتقدمة والنامية معاً». ومن أولئك «2.1 مليونا عامل منزلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». هذه هي الصورة الأعم للعُمَّال.

قبل أيام، كنتُ أقرأ في أحد كتب التاريخ الحديث، أنه وفي العام 1851، كان أربعة آلاف من الملاك يمتلكون أربعة أسباع الأرض، التي حرثها مليون وربع مليون مزارع، ومليون وربع المليون خادم! وفي بروسيا خلال ذلك القرن، غطى نحو ألفَيْ إقطاعة ما يعادل واحداً وستين في المئة من الأرض، وشملت البقية نحو ستين ألف قطعة متوسطة وصغيرة. نحن اليوم في العام 2014 أي بعد 163 عاماً، نتساءل: هل تغيَّر المشهد عن ذلك الزمن أم هو على حاله، في سخرة العمَّال والتقسيم اللاعادل للثروة؟ لا أعتقد.

فهذا الأمر يعيدنا إلى ذات المربع الاجتماعي المفزع، وهو سوء توزيع الخير العام. لنا أن نتخيل، بأن خمسة وثمانين ثرياً (يشكلون 1 في المئة من سكان العالم) يملكون من الثروات ما يعادل نصف ثروة سكان العالم مجتمعين، وهي خمسة وخمسون تريليون دولار، وأن «أموال أكثر الناس ثراء كفيلة بالقضاء على الفقر في العالم بما يعادل أربعة أضعاف» حسب منظمة «أوكسفام»، ونقلته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في يناير/ كانون الثاني الماضي! هذه هي صورة الإنسانية اليوم، وما آلت إليه الحضارة والمدنية والتطور الصناعي!

الحقيقة، أن أمام ذلك المشهد التراجيدي، فإن غرَّة مايو/ أيار لم تعد عيداً للعمَّال، بقدر ما هي تجديدٌ لمأساتهم التي تتفاقم كل يوم، مع وجود هجرة مليونية سنوية تنشد العمل، وهي تزيد من أعداد العُمَّال، الذين يعملون في ظروف قاسية. الشرق الأوسط لوحده يضم ستة ملايين عامل مهاجر هم ضحايا للعمل الجبري، دون احتساب السكان الشرق أوسطيين، البالغ عددهم 0.34 في المئة، ممن يعملون في ظروف مشابهة حسب المنظمة.

وربما نحن لا ندرك حجم المشكلة المركبة التي يعاني منها أولئك العمَّال المهاجرون. فهم يتركون زوجاتهم/ أزواجهم، وأبناءهم/ بناتهم لسنوات، وهو ما يخلق مجتمعاً لا يقوم على توازن أسري ونفسي، الأمر الذي ينتج عنه أزمات اجتماعية لا حصر لها، فتزداد معاناة العُمَّال، الذين وفي كثير من الأحوال، يرجعون إلى بلدانهم ومعهم شيء من المال، لكنهم لا يجدون أسرةً سليمةً ومتكاملةً، نتيجة الغياب المهجري الطويل عنها.

خلاصة القول، أننا نستحضر تلك التفاصيل كي نتثبَّت مما نكتبه للعمَّال في هذا اليوم: هل هي تهنئة أم غير ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4254 - الأربعاء 30 أبريل 2014م الموافق 01 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:51 ص

      بوركت

      بوركت وبورك قلمك يا استاذي الرائع

    • زائر 6 | 9:23 ص

      متابع . . . سؤال

      ما رأيك بفرض الضرائب على الأغنياء ؟ خاصة ما هو موجد في الشريعة الاسلامية من الزكاة و الخمس ؟ هل سيحل المشكلة ؟ . . . . أتذكر موقفا جميلا للأمريكيان الأكثر ثراء (بيل جيتس) و زميله (وارن بافيت) حين أطلقا مبادرة في يونيو 2010 لإقناع زملائهم ( الأثرياء ) بالتبرع بنصف ثروتهم ، و حين سئل وارن بافيت عن سبب تبرعه بـ7 بلايين دولار للأعمال الخيرية قال : «أنا أؤمن بأن الثروات التي تتدفق من المجتمع يجب أن تعود في جزء كبير منها إليه ليستفيد منها لأنه صاحب الفضل فيها» . . . . . واقعا كلمة جميلة

    • زائر 5 | 9:11 ص

      متابع . . . سؤال

      85 ثريا أو 85 مليون ثريا ؟ ( حتى يصح أن يشكلوا 1% من سكان العالم كما ذكرت ، فـ 85 ثريا واضح أنهم لا يشكلون هذه النسبة )

    • زائر 4 | 5:00 ص

      وقفوهم انهم مسؤلون

      هل حاسب المسؤلون انفسهم قبل ان يحاسبوا ،بعضهم يحاول يعدل اذا كان العامل من طائفته ،وغير ذلك فلا

    • زائر 3 | 4:56 ص

      همهم بطونهم

      اي والله هو استعباد للبشر ان تثرى اناس من لحوم اخرين

    • زائر 2 | 1:27 ص

      عمال الاهرامات وعيد العمال

      لو ان الي بنو الاهرامات سمعوا بيوم العمال أكيد كان بيضحكون على حالهم حيث قضى الآلاف منهم في حمل تلك الصخور

    • زائر 1 | 11:53 م

      بارك الله فيك

      كلما امر علي مشروع من المشاريع التي أنجزتها و التي استغني منه مالكه، كلما أتذكره هو المبلغ المتبقي الذي لم يدفعها لي ان كان من القطاع الخاص او العام. إنكار حق العامل اصبح هدف.

اقرأ ايضاً