العدد 4259 - الإثنين 05 مايو 2014م الموافق 06 رجب 1435هـ

الحُسن والقبح في كتابات بعض الناس

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هو رجل عربي يحمل شهادة الدكتوراه، ومؤلفاته بالعشرات بعد المئة، ويصفونه بأنه أحد أقطاب المتصوفين والعرفانيين، لكنك عندما تقرأ بعض كتبه، وبعضها يُطلق عليه موسوعات، ستجدها، محشوة بالتضليل المتعمد والشتائم للآخر، للأسف الشديد.

وعند تحليل مثل هذه الظاهرة لدى بعض الكتاب والأقلام، لابد أن تجد لقوة الموروث العقائدي أساساً في ذلك، ليس من باب أنه موروث ديني ربما عند البعض توارثاً وليس تطبيقاً، بل بما يشكله من بنية تحتية في تكوين الجزء الأوسع من العقل العربي وأساليب وطرق الخطاب المتبنى فيه. ذلك حدث منذ تم نفي الحُسن والقبح العقليين من حياة المواطن وحشرهما في الزاوية الشرعية فقط، حتى صار ذلك هو صبغة السياسة عند المُعظم. وبما أن المنظرين لذاك المفهوم ربطوه بمنظومة السلطة عند الأكثرية، باعتبارها حامية الشرعية، فقد صار القبح والحُسن بيد السلطان والدولة. فهما مسئولان شرعاً عنهما، ولذا فما يقبحانه يكون قبيحاً، وما يُحسنانه يصبح حسناً، ولا شيء غير ذلك!

مع أن كبار العلماء يقولون، ان من الأفعال ما هو معلوم الحسن والقبح بضرورة العقل، كعلمنا بأن الصدق النافع حسن، والكذب الضار قبيح. ومن الأفعال ما هو معلوم بالاكتساب أنه حسن أو قبيح، كصدقٍ يضرك ولكنه حسن، وكذبٌ ينفعك ولكنه قبيح. وآخرين يقولون ان من الأفعال ما يعجز العقل عن العلم بحسنه أو قبحه فيكشف الشرع عنه، كالعبادات. ومن هنا أضافوا، لو خير العاقل الذي لم يسمع الشرايع، ولا علم شيئا من الأحكام، بل نشأ في بادية، خاليا من العقائد كلها، بين أن يصدُق ويُعطى دينارا، أو بين أن يكذب ويُعطى دينارا، ولا ضرر عليه فيهما، فإنه يتخير الصدق على الكذب. ولولا حكم العقل بقبح الكذب، وحسن الصدق، لما فرق بينهما، ولا اختار الصدق دائما.

وبناءً على ما تقدم، فإن الإيمان بجعل تعريف القبح والحُسن وتأويلهما بيد الدولة فقط وليس العقل، يجعل الكثير من الأقلام تلغي العقل والتفكير السليم، حين تكتب، فتتغاضى عن آلاف القبائح وعلى رأسها قتل النفس المحترمة بلا ذنب، بل وتجعل منها حسنة وتستغفر لمرتكبيها أيضاً، ثم تحرم المعارضة، وطلب الإصلاح، وتحرم النقد، لأن الدولة تُقبح هذا الفعل لا العقل، وبالتالي هي من يجب أن تفكر عنا وتقرر. وبذلك نفى أصحاب تلك الأقلام العقل عنهم، وإن كان مازال قابعاً في جماجمهم، ولكنه معطل للعمل بهذه الزاوية الحيوية جداً، وإن كانوا من عباقرة الزمان. فتركيب العقل من الداخل لا يؤمن إلا بأن الدولة هي التي يجب أن تفكر عن الجميع.

فمن سنّ سنة قمع العقل من الأوائل هم من قد جنوا على كل الأجيال اللاحقة لهم، وسيبقى الوضع كذلك إلى أن يعود الرشد للعقول فتُفعَّل آلياتها. ومن هنا ترى أمثال هؤلاء الكتاب الأفاضل يتبعون بالسليقة سنة قمع العقل والتفكير السليم، ووصفه بالإرهاب تارة، وبالزندقة تارة أخرى.

إن العقل العربي، ومنه البحريني بالطبع، قد هرب من البرهان ورضي بالبيان الموقع سلفاً الذي يصدر عن أجهزة إعلام الدولة في كل زمان ومكان، كبيانات مؤتمرات القمة، الذي تُكتب قبل أن تُعقد. فيؤمن هؤلاء بتحسين صورة المشوهين في التاريخ، ويقبحون ويذمون العالم الزاهد، على علمه، المتحرك مع مجتمعه في طريق الحق، ولا يحسنون مدحه، بل يمدحون الجاهل الفاسق على جهله وفسقه.

فمن يتبعون ما يقوله ويريده السلطان لا يمكن أن تستند كتاباتهم على مقولة العقل، وهنا يبدو أن بعض هؤلاء يصبحون كالمرضى النفسيين، ويعانون من ازدواج الشخصية بسبب عقلهم ومورثوهم العقائدي، فتراهم تارة في أقصى اليسار وضد السلطة في كل زمان، وتارة في أقصى اليمين ومع القبح والحُسن للدولة في هذا الزمان.

ومن هؤلاء الكتاب، من يدعي الحداثة وما بعد الحداثة، وهم لم يبلغوا بعد مرحلة الاعتراف المذهبي بالآخر، فضلاً عن الإصلاح الديني في مورثوهم شخصياً.

فحين تُغيّب الأمة، وبقيادة بعض أسماء من النخبة المثقفة، أبطالها الحقيقيين وتاريخها الحقيقي، تروح تبحث عن المشوهين، وتُمجد تاريخهم واعمالهم ليصبحوا رمز الوحدة الوطنية، ومركز حراك الأمة.

فكم يظهر المثقف هنا ضعيفاً وهشاً، ومهزوزاً، فكراً وقلماً، ومنطقا، حين يلجأ إلى أخس الحيل القديمة في تزييف التاريخ، وقلب الحقائق مستعرضاً أشعريته علناً في رفض العقل والبرهان الماثل على الأرض أمامه، وفي ثنايا التاريخ، ويتمسك بالبيان وببلاغ السلطان فقط.

ومن هنا، فإن الكتاب الأجانب حين يتناولون تاريخ البحرين من قريب أو بعيد؛ لا يكتبون انطلاقاً من مفهوم أشعري للحسن والقبح، وبالتالي فهم لا يرتبطون في إصدار نتائج دراساتهم بمثل هذا المفهوم، إلا أن الخطورة تأتي من ارتباط الكاتب المحلي بذاك المفهوم حين يستعرض أمثال تلك الكتابات، ويطبقه على وجهة نظره التي يحاول أن يمررها تأسيساً عليه ويسبغها على كل حركات المجتمع البحريني، وما حدث لسكانه طوال فترات التاريخ الحديث الذي يتعرض له هؤلاء بالنقد والتحليل، كما يعلنون.

لذا لا يمكن أن تكتمل صورة المشهد التاريخي الذي كتبت عنه الأقلام الأجنبية، مهما كانت وجهة نظرها، دون الوقوف بصدق أمام الكتاب المتخصصين وشبه المتخصصين من أهل البحرين، الذين تناولوا هذه الأعمال بزعم النقد والتحليل الموضوعي، ووضع بعض النقاط على حروفها الحقيقية بعيداً عن تعطيل دور العقل أو اختيار، بحسب نظرية القبح والحُسن، ما يغضب السلطان وتفنيده تحت تبرير أن بعض معلومات التأريخ عند كتابات الأجانب يعتريها الخطأ الكامل أو عدم الدقة! واختيار، ما يُرضيه، ووضعه في خانة الصواب وعدم الخطأ. وهذه، لعمري، أول آفة تأكل ما بعدها من إنشائيات ادعاء النقد والتحليل الموضوعي... وللحديث تتمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4259 - الإثنين 05 مايو 2014م الموافق 06 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً