العدد 4280 - الإثنين 26 مايو 2014م الموافق 27 رجب 1435هـ

حفتر وشركاه... ماذا يريدون من ليبيا؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

خليفة حفتر لواء متقاعد من الجيش الليبي، بدأ حياته مع معمر القذافي منذ ثورته على الملك إدريس السنوسي، ثم أصبح تابعاً للقذافي ينفذ له كل جرائمه وكان أشهرها جريمة احتلال تشاد التي نفّذها حفتر استجابةً لأمر سيده القذافي. ولكن القذافي تخلى عنه عندما أسره التشاديون في معركة وادي الدوم سنة 1987. ولكن أميركا التي كانت عدوةً للقذافي آنذاك ساهمت في الإفراج عنه مع بقية الأسرى الليبيين الذين أسروا معه، لعلها تستفيد منهم مستقبلاً، ونقلتهم جميعاً إلى أميركا، وخصصت لحفتر سكناً في ولاية فرجينيا، ومنحته الجنسية الأميركية، ومنذ ذلك اليوم وهي ترعاه رعايةً خاصةً كي يحقق لها ما تريد وفي الوقت المناسب!

صحيفة «الجارديان» البريطانية أكّدت أن حفتر كان يتعاون مع الـ cia ومنذ إقامته في أميركا التي استمرت لمدة عشرين عاماً تقريباً. كما ذكرت أن وكالة المخابرات الأميركية درّبت حفتر ومجموعته على أساليب القتال، وكذلك على أساليب التخريب كي تستخدمه في الإطاحة بالعقيد القذافي عندما تحين الفرصة لذلك (والواضح أنها لم تعطه دروساً في الذكاء)! ولكن الشعب الليبي هو من أطاح بالقذافي وفقد الآلاف من أبنائه في سبيل ذلك، ولم يكن لحفتر أي نصيب من تلك المشاركة بصورة فعلية. وبعد ذلك كله، وبعد زوال القذافي، وجد حفتر نفسه في الصفوف الخلفية، ولأنه كان يطمع بغير ذلك، ولأن آخرين رأوا أنه قد يحقّق مآربهم في ليبيا، فقد ساعدوه ودفعوا به ليظهر مدّعياً أنه يريد إنقاذ الثورة ومحاربة الارهاب الذي انتشر في ليبيا!

كل المؤشرات تؤكد أن حفتر ما كان ليجرؤ على إعلان تمرده على الحكومة الليبية المنتخبة من الليبيين لولا الدعم المالي واللوجستي الذي وصله فعلاً، أو الذي وُعد به في حال ثبوت تمرده فترة كافية! فـ «الجارديان» البريطانية نقلت عن مسئول أميركي قوله إن أميركا لا تقف مع حفتر حالياً، لكنه إذا أثبت جدارته في الانتصار على الاسلاميين فلن نستطيع تجاهله! (الراجح أن أميركا لها ثأر مستمر مع الاسلاميين في كل أنحاء الدنيا).

والغريب في أميركا أنها عجزت عن تربية مواطنها (حفتر) على أصول الديمقراطية التي تدعيها رغم أنه أقام فيها عقدين من الزمن ومنحته جنسيتها، لكنها - ولست أدري ما السبب - عجزت عن منحه الثقافة الأميركية التي تحترم الديمقراطية بكل قيمها، ما جعل الرجل يحتفظ بثقافة الاستبداد والجهل التي رضعها من سيده الأول (القذافي)! وكان من واجب أميركا الديمقراطية أن تعاقبه على ثورته تلك، لأنها جاءت ضد حكومة منتخبة من الشعب، لأن فعله يتعارض مع الديمقراطية!

والسؤال: هل كانت أميركا ستسمح له بممارسة نفس الفعل لو أنه قام به في أميركا؟ وإذا كنا نعرف أنها لن تسمح له بذلك، فلماذا تشجّعه على ممارسة فعل مشين في دولة أخرى؟

والأسوأ من هذا كله، لماذا تشجّع دولاً أخرى على تمويله بالمال والسلاح لقتل الأبرياء والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح؟

حفتر يريد الاستيلاء على الحكم بالقوة، وربّما رغب في تطبيق تجربة جيرانه، فأعلن أنه إنما خرج استجابة لمطالب الشعب (مسكينة هي الشعوب كل شيئ يؤخذ باسمها ولا تعطى منه شيئاً غير القتل والسجن والتجويع)! كما ادعى أنه يريد إنقاذ ليبيا من الارهابيين الذين يقتلون الشعب والشرطة والجيش! (هذا الإدعاء مارسته إيطاليا عندما احتلت ليبيا فعندما قاومها البطل عمر المختار ثم استطاعت أسره أعلنت الخبر في صحيفة: بريد برقة الليبية، وجاء فيه: «تم القبض على زعيم العصاة عمر المختار في برقة والهدف توطيد السلم في البلاد»!).

وقد سار على نهج إيطاليا كل دعاة الثورة المزيفين، فكل هذا النوع من الثوار يريد تحقيق الأمن والسلم والحياة الكريمة للشعب المسكين! ولكن: ماذا يريد حفتر من تمرده على حكومة ليبيا المنتخبة من الشعب الذي ادعى أنه يريد إنقاذه؟ يقول حفتر إنه سيترشح لرئاسة ليبيا وأنه سيعيد الاستقرار للبلاد!

وإذا كان الأمر كذلك، وأن عمله من أجل الشعب فلماذا لا يترشح للانتخابات مع غيره؟ فإذا كان الشعب يحبه فسينتخبه، وعندها يستطيع تحقيق طموحاته في الاصلاح! ولكن ولأنه يعرف أنه يستحيل عليه الفوز لأن الليبيين يشكون في ولائه لوطنه، كما يعرفون ارتباطه مع المخابرات الأميركية، وأيضاً يعرفون أهداف من يدفع له الأموال، فلهذا كله وجد أنه لا يستطيع الوصول إلى الحكم إلا على دماء الليبيين وبالقوة! هذا إذا استطاع!

وبالتالي لم يجد أمامه إلا استخدام القوة وكل الوسائل الأخرى التي قد تساعده في الوصول إلى أهدافه.

يروي العقيد سالم الورفلي أن حفتر قال له إنه مستعد للتحالف مع «إسرائيل» للقضاء على الاسلاميين! ولأنه مستعدٌ لفعل أي شيء لكي ينال السلطة، فإنه وعلى لسان المتحدث باسمه قال: إنه -ومن باب العشم- يودّ من الجيش المصري أن يساعده في مهمته! يعني أنه يريد من جيش دولة أخرى التدخل في بلده والمساعدة في قتل شعبه... كل ذلك ليصبح رئيساً!

وأستغرب من عسكري مثله كيف يجهل أن هذا الطلب يعد خيانة عظمى في كل دول العالم، بما فيها بلده أميركا، وأيضاً في ليبيا، فكيف يقبل فعل ذلك؟

والغريب أيضاً كيف لم يتنبه الذين وافقوه على الخروج على دولتهم المنتخبة على هذا العمل المستنكر الذي يريد منه فقط الوصول إلى السلطة مهما كانت الوسائل؟

أحمد قذاف الدم، وهو ابن عم القذافي والمشارك له في معظم جرائمه التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الليبيين، سارع إلى تأييد حفتر، وقال إنه يعيد صناعة التاريخ، كما أنه يستعيد كرامة الجيش، وأن هناك دولاً تدعم ثورة حفتر! والواضح أن تأييد قذام الدم المقيم في مصر له دلالات كبيرة على طبيعة تمرد حفتر ومؤيديه!

حفتر يريد السلطة رغم أنف الليبيين، ولأن هناك دولاً أخرى تريد إجهاض طموح الشعب الليبي في اختيار من يحكمه، كما تريد في الوقت نفسه أن تحقق مصالحها من خلال شخص تدعمه للوصول إلى السلطة، فقد وجدت فيه بغيتها! هو سيستفيد ولكنه سيفيد من دعموه في الوقت نفسه! أما الشعب الليبي وهو الأهم فهذا ليس له قيمة في حساباتهم جميعاً!

ويبقى السؤال الأهم: هل سيسمح الليبيون للسيد حفتر أن يحقق أهدافه وأهداف الدول التي تساعده على حساب حياتهم وأمنهم واستقرارهم؟ وهل يدرك الليبيون أن بلدهم قد تتمزق وأن الحرب الداخلية بينهم قد تحصد عشرات الآلاف من أرواحهم؟ وهل يدركون أن هناك من يطمع في ثرواتهم سواءً من الداخل أو الخارج وأن هؤلاء سيحققون مآربهم لو استطاع حفتر تحقيق أمانيه؟

الليبيون وحدهم هم القادرون على وقف هذه المهزلة، فالاستخفاف برغباتهم وإرادتهم بل وحياتهم أيضاً، ليس أمراً هيناً، ولهم أن يتخذوا القرار الذي يحقق أمنهم فعلاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4280 - الإثنين 26 مايو 2014م الموافق 27 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:26 ص

      ياليت تضع النقاط على الحروف

      فاللف والدوران لا يوضح الصورة. وياليت تضح لنا من هي الدول التي تسعى لدعم حفتر كما دعمت السيسي من قبل وأطاحت بالحاج مرسي.

    • زائر 1 | 11:39 م

      مكرر

      هذه الوقائع متكررة في الدول المتأخرة المسماة تجميلا بالنامية. نفس حالة حتر يمكن ان تتسب لكل الانقلابات التي حصلت في كل البلدان. الحل هو العلم و الثقافة و ليس الاندفاع نحو القيم العاطفية.

اقرأ ايضاً