العدد 4281 - الثلثاء 27 مايو 2014م الموافق 28 رجب 1435هـ

د. التمياط: البدانة أخطر من السرطان

ظاهرة البدانة المفرطة تهدد دول مجلس التعاون

دفعه وعيه المبكر بخطورة أمراض البدانة في المنطقة لدراسة التخصص، وحصل في العام 2002 على زمالة جراحة المناظير والبدانة المفرطة من جامعة بروكسل في بلجيكا؛ ليبدأ مشواره في محاربة الظاهرة التي عصفت بالمجتمع الخليجي وأصابت

53 % من الشعب السعودي.

استشاري جراحة المناظير والبدانة المفرطة الدكتور سلطان فهيد التمياط بدأ منذ نحو 20 عاماً في علاج البدانة التي يقول عنها إنها أخطر على الصحة العامة من أمراض السرطان. وقد أجرى التمياط أكثر من 4 آلاف عملية من عمليات جراحة البدانة المفرطة التي تطورت بشكل كبير مدعومة بتطور تقني يضمن أعلى مستويات الجودة والأمان.

ودعا د. التمياط المدير الطبي لـ «بدانة كلينك» في لقاء مع «الوسط الطبي» لتضافر جهود كل القوى في المجتمع من مؤسسات تشريعية، وجهات تنفيذية، ومؤسسات المجتمع المدني في الإعداد لحملة للحد ومكافحة أمراض البدانة التي تؤثر بالسلب على حياة الفرد، وتنعكس بآثارها السلبية على المجتمع.

اللقاء ضم تفاصيل كثيرة نترك القارئ معها:

* لماذا اخترت التخصص في البدانة؟

أستطيع أن أقول إني من الجيل الثاني من الأطباء الخليجيين والسعوديين الذين درسوا جراحة المناظير قبل 20 سنة، وذلك في فترة الدراسة في الغرب الذي كان آنذاك يعاني من نسب كبيرة في الإصابة بالبدانة.

جراحة البدانة في ذلك الوقت كانت تحتوي على مستوى خطورة عالية؛ لأنها تتم عبر الجراحة التقليدية، ومع تطور جراحة المناظير بدأ الأطباء في إدخال هذه التقنية في جراحة البدانة، وأثبتت فعاليتها وتمتعها بمستوى عالٍ من الأمان.

من هنا توجهت لهذا التخصص مع إحساسي بالحاجة الماسة لهذا التخصص على رغم أن معدل الإصابة بالبدانة في المنطقة قبل 20 سنة لم تكن عالية، لكن الأرقام المعلنة اليوم والتي تكشف ارتفاع نسب المصابين بالبدانة تبدو مخيفة جداً.

* كم نسبة المصابين بالبدانة في المملكة العربية السعودية؟

دعنا نوسّع الدائرة ونتحدث عن دول الخليج العربي؛ لأنها متشابهة ومتقاربة من حيث نسب البدانة، فبحسب تقرير إحصائي لمنظمة الصحة العالمية التابع لمنظمة الأمم المتحدة الصادر قبل سنتين فقد احتلت دول الخليج مراكز متقدمة في البدانة. فالمملكة العربية السعودية جاءت في المرتبة الثالثة بعد دولة الكويت تليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتأتي مملكة البحرين في المرتبة العاشرة، وتعتبر دول الخليج ضمن أول 10 دول في ارتفاع معدل البدانة في العالم.

وإذا خصصنا الحديث عن السعودية فإن نسبة المصابين بالبدانة يشكلون 53% من مجمل السكان، و5% منهم يعانون من البدانة المفرطة؛ أي يحتاجون لإجراء جراحة للتخلص من هذا الداء.

* متى افتتحت «بدانة كلينك»؟

افتتحت العيادة في العام 2009 بعد عملي سنوات عدة في عدد من المستشفيات السعودية. وأود أن ألفت النظر هنا إلى أنه قبل 10 سنوات فقط كان من الصعب إقناع الأفراد بإجراء جراحة لمعالجة البدانة؛ لأن هناك خوفاً من مضاعفات العملية، كما أنه ليست هناك أمثلة حية وواضحة لمن أجروا عمليات ونجحوا وتخلصوا من البدانة وآثارها السلبية. لكن وقبل 5 سنوات من الآن فإننا نجد صعوبة في إقناع الناس من المصابين بالبدانة البسيطة أو المتوسطة بأن يعتمدوا على البرامج العلاجية الأخرى سوى الجراحة لأن المرضى أصبحوا يثقون في جراحات البدانة لارتفاع مستويات الأمان فيها. هذا في المقام الأول، أضف إلى ذلك نتائجها الكبيرة في المساهمة في علاج الأمراض التي تصاحب البدانة.

* كم عملية بدانة أجرى المركز؟

أجرى المركز 4 آلاف عملية، وأحب أن أشير إلى أنه ليس كل المصابين بالبدانة يحتاجون لجراحة، المصاب بالبدانة المفرطة الذي يتجاوز فيه مؤشر كتلة الجسم (BMI) 40 درجة، هم من يحتاجون للجراحة ضمن برامجهم العلاجية. أما من هم دون 40 درجة فهؤلاء يحتاجون لبرنامج علاجي الذي يتضمن نظاماً غذائياً، وبرنامجاً رياضياً، وقد يحتاجون لبعض العقاقير الطبية، أو بعض البرامج العلاجية الأخرى.

على صعيد آخر ومن خلال خبرتي أجد أن 7-8 من أصل 10 جراحات بدانة في السعودية تُجرى لنساء. ولست متيقناً من سبب ارتفاعها بين النساء، هل لأن نسبة البدانة عند النساء أعلى منها عند الرجال أم يبدين اهتماماً أكبر بالبرامج الصحية لاسيما ما ينعكس منها على المظهر العام؟!

* ما أنجع البرامج العلاجية؟

ألّا تصاب بالبدانة، فهذا أفضل علاج، فوفقاً لخبرتي وجدت أن 5% من الناس يعود للإصابة بالبدانة بعد سنتين من تخلصه منها. كما أن 30% من المصابين بالبدانة يحتاجون لعملية ثانية، وفي بعض الأحيان ثالثة - مع مرور الزمن - لا سيما لمن يجري العملية وهو في العقد الثالث من العمر. و70% من المصابين بالبدانة يحتاجون لعملية واحدة.

* ما أحدث التقنيات الطبية في هذا المجال؟

لم يتوقف الطب عن تقديم الجديد، فمازالت البحوث الطبية مستمرة وترفدنا بكل جديد. ولعل أبرز علاج للبدانة هو الجراحة التي تنقسم إلى أربعة أنواع من العمليات، وهي: حزام المعدة، وعملية التحوير التي تصغر فيها حجم المعدة، ثم إيصال الجزء العلوي من المعدة بالأعماء الدقيقة، وعملية التكميم وتتركز فكرتها على قص المعدة بشكل طولي، واستئصال الجزء الخاص بتحفيز هرمون الجوع فيها. أما الطريقة الرابعة وهي أحدث الطرق فهي عملية تحويل مجرى العصارات الكبدية والبنكرياسية والتي يطلق عليها اسم «سكوبينارو» نسبة إلى مخترع العملية البروسفور نيكولا سكوبينارو.

هذه العمليات تختلف من حيث المزايا العلاجية، وقد تصلح عمليات التحوير لمريض ولكنها لا تصلح لآخر نتيجة عوامل عدة.

وأؤكد هنا أن المريض هو الذي يختار نوع العملية التي يريدها بعد أن يستمع لشرحٍ وافٍ من الطبيب المختص في هذا النوع من العمليات، وعلى ضوء ذلك يتجه المريض لاختيار ما يناسبه من عمليات بعد الاستماع لمزاياها وسلباياتها المحتملة.

ولا ننسى أثر التطور التقني في الأجهزة الطبية المستخدمة في إجراء العمليات، فمن الملاحظ أن التقدم التقني في الأجهزة الطبية يسهم في تحديث الأجهزة في كل سنتين، وهو ما يرفع من جودة أدائها، ويُقلل أي مضاعفة قد تنتج عنها.

* هل هناك برنامج شامل يمكن تطبيقه للوقاية على مستوى المجتمع؟

أعتقد أن دول الخليج تفتقد إلى هذا النوع من البرامج. ومن هنا أدعو لحراك كبير على مستوى المؤسسات الوطنية والمجتمع لمكافحة ظاهرة البدانة الخطيرة التي تعصف بالمنطقة والتي تجلب معها العديد من الأمراض أبرزها داء السكري، وضغط الدم، وأمراض القلب. وتضغط بشكل كبير على موزانات الصحة في دول التعاون التي توجه جزءاً كبيراً من الميزانية لعلاج هذه الأمراض.

وأوجه ندائي للمؤسسات السعودية وعلى رأسها مجلس الشورى لسنّ تشريعات صارمة فيما يخص الأغذية للحد من انتشار نوعية الغذاء المضر بالصحة وهو السبب الرئيس لانتشار البدانة في المملكة.

كما أدعو وزارة البلديات بوضع شروط تراعي النظام الغذائي الصحي، عبر تشديد منح الرخص لمطاعم الوجبات السريعة وغيرها من الشركات التي تقدم أطعمة غير صحية.

وعلى صعيد الوقاية والتوعية أدعو وزارة التربية أيضاً إلى بث الوعي بالغذاء الصحي والسليم عبر برامج متعددة تستهدف الطلبة في المدارس بداية من رياض الأطفال.

هناك بعض القناعات التي تكوّنت لدي من خلال خبرتي الطويلة في معالجة البدانة، وهي أنه يجب على مطاعم الوجبات السريعة أن تكتب على علب الوجبات السعرات الحرارية التي تحتويها هذه الوجبات، وكم سعرة يحتاجها الفرد في اليوم.

وقد أذهب لأبعد من ذلك، فأعتقد أنه إذا فرضنا تشريعاً يقضي بمنع خدمات التوصيل المجاني فإننا سنحدد من انتشار البدانة بنسبة 50%.

كل ما تقدم من دعوات وأفكار تحتاج إلى تضافر جهد جماعي سيحقق نتائج جيدة على المنظور المتوسط والبعيد.

* كيف تُقيِّم خطورة أمراض البدانة؟

أُعدُّ أمراض البدانة أخطر من مرض السرطان على الصحة العامة للمجتمع؛ وذلك يرجع لسعة انتشاره في المنطقة، حيث إنه أصبح ظاهرة، وهذا ما تثبته الأرقام والإحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي ذكرناها آنفاً. كما أن البدانة تصاحبها أمراض متعددة تهدد حياة الفرد وقد تؤدي به للموت أو في حدها الأدنى تقلل من جودة حياته.

وعلى هذا الأساس أدعو وزارات الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي بالتركيز على أمراض البدانة من حيث توجيه البحوث وسَنِّ التشريعات وتخصيص جزء من موازناتها لعلاج المرض، والوقاية منه.

* هل حصلتم على وسام التميز من الاتحاد العالمي لجراحات البدانة (IFSO)؟

في ظل الطموح المتنامي لـ «بدانة كلينك» في التحوّل لمركز رائد في علاج البدانة، استقطبنا استشاريين على مستوى عالٍ من أمثال البروفيسور روبيرتو تاكينو.

ومن منطلق التزامنا تجاه مرضانا بتقديم أفضل الخدمات ضمن أعلى مستويات الجودة تقدمنا للحصول على وسام التميز من الاتحاد العالمي لجراحات البدانة (IFSO)، والذي يتطلب الفوز به الخضوع للفحوصات الدورية والمراقبة المستمرة لأعمال العيادة ونتائجها. وقد حصلنا على شهادة المركز المتميز في بداية العام 2014.

* حدثنا عن تجربة إنشاء منتدى إلكتروني خاص بالبدانة؟

وجدت أنه من المهم جداً التواصل مع مرضاي وتقديم الدعم المعلوماتي، والاستشاري، والنفسي لهم عبر حلقة متواصلة ومفتوحة. فوجدت أن المنتدى الإلكتروني أفضل طريقة يمكن الاتصال بها مع المرضى.

ويدعم توجهي لإنشاء منتدى خصوصية المجتمع الذي يواجه صعوبة أو تثاقل في الذهاب للمستشفى، خصوصاً مع زيادة مشاغل الحياة، وهناك عنصر آخر هو استخدام الأسماء المستعارة، فقد يخجل البعض من أن يطلق عليه الناس لقب بدين.

ومن أجل توسيع المعرفة في مجال أمراض البدانة والوقاية قمت بتحويل خلاصة ما في المنتدى إلى كتاب بعنوان «منتدى البدانة» نشرته في العام 2010.

* ما المشاريع المستقبلية لـ «بدانة كلينك»؟

أبرز المشاريع القريبة هو افتتاح فرع لـ «بدانة كليلنك» في البحرين في منتصف الشهر المقبل. وجاء اختياري للبحرين لعوامل عدة؛ قربها الجغرافي من الدمام الذي يضمن لي سهولة الانتقال. كما أن البحرين تعتبر مركزاً وسطاً في الخليج يسهل وصول المرضى من دول مجلس التعاون الطالبين للعلاج إليها.

كما تتمتع البحرين ببيئة أعمال تتسم بالمرونة من ناحية إصدار التراخيص، ولديها بنية طبية جيدة، وقد تعاقدنا مع مستشفى الملك حمد الجامعي، ومستشفى البحرين التخصصي من أجل إجراء العمليات التي ستجريها العيادة في البحرين.

* كلمة أخيرة.

أود أن أقدم شكري لمجلة الوسط الطبي، وأوجه الشكر لجميع العاملين في المجلة التي تخدم المجتمع الطبي. في الحقيقة، فإن المجلة تعد من أفضل المجلات في المجال الطبي التي تقدم المعلومة لأكبر شريحة من المجتمع.

وأتمنى أن تصل رؤيتنا للجميع بخصوص مخاطر ظاهرة البدانة المنتشرة في الخليج وأوجه نداءً للمسؤولين في أجهزة الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي، بأن تتكاتف الجهود من أجل برامج شاملة لمعالجة هذه الظاهرة المرضية الخطيرة التي تهدد المجتمع أكثر من أمراض السرطان.

العدد 4281 - الثلثاء 27 مايو 2014م الموافق 28 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً