العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ

الأبعد من تفخيخ العقول

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

3500 عملية انتحارية نُفِّذَت في العالم خلال ثلاثة عشر عاماً فقط. هذه الإحصائية ورَدَت في تقرير إسرائيلي أتناوله هنا، لمناقشته والوصول من خلاله إلى عدد من النتائج. إذا وضعنا 156 شهراً هي حصيلة تلك السنوات الثلاثة عشر، فإن ذلك يعني أنه جرت 22.4 عملية انتحارية في الشهر الواحد، بمعنى 0.7 عملية في اليوم. إنه أمر مُرعِب.

يشير التقرير إلى أنه ومنذ 1980 ولغاية بداية الألفية لم تُنفَّذ سوى 200 عملية انتحارية. ولكي نعرف الفارق، يذكر التقرير، أنه وفي العام 2013، نُفِّذت 291 عملية انتحارية، أدَّت إلى مصرع 3100 شخص. بمعنى أن كل عملية خلفت في أدنى الحالات 10.6 من القتلى. وهي تفيد بأن نسبة العمليات الانتحارية، زادَ بنسبة 25 في المئة عن العام 2012.

من الأشياء الغريبة أن 32 في المئة فقط من العمليات الانتحارية نُفِّذَت «في دول يوجد على أراضيها جيش أجنبي»، بينما العمليات الـ 148 الانتحارية التي نُفِّذت في الشرق الأوسط، تشكّل 50 في المئة من العمليات الانتحارية في العالم، لكن ثلث العمليات (98 عملية) حصلت في العراق، الذي ومنذ الاحتلال العام 2003 جرت فيه 1500 عملية انتحارية، 45 في المئة منها كانت ضد المدنيين و48 في المئة ضد قوات الأمن العراقية.

وفي إحصاء عابر حسب التقرير المذكور، فإنه جرت في سورية 27 عملية انتحارية خلفت 400 قتيل، وفي لبنان ثلاث عمليات، وفي مصر ست عمليات، وفي أفغانستان 65 عملية، وفي باكستان 35 عملية، وفي إفريقيا 34 عملية.

هذا الأمر يؤكد لنا حقيقة واضحة، وهي أن المعركة التي يشنها هؤلاء هي «سديمية» وبلا حد ولا أفق، وبالتالي فهي لا تستهدف جيشاً ولا كتلة بشرية مسلحة في معركة، لذا فالخصم هو الجميع بدون سؤال ولا مراجعة ولا تفكير.

نحن هنا نتساءل ونفترض: إذا كانت 291 عملية انتحارية، قد قَتَلَت 3100 شخص، فهذا يعني أن الـ 3500 عملية خلفت 37 ألفاً ومئة ضحية، إذا ما قدَّرنا أن كل عملية ستقتل 10.6 من الأبرياء. أما إذا افترضنا أن ضحايا العملية الواحدة هو كضحايا التفجير الانتحاري الذي وقع في المسيَّب العام 2005 بصهريج وقود وراح ضحيته 98 قتيلاً وعشرين من الجرحى ذوي الجروح البالغة، فإن ذلك يعني أن القتلى سيقاربون الـ 385 ألف!

هذه الدوافع العدوانية، مثيرة للاشمئزاز ولا يجد المرء لها تفسيراً بالمطلق. إذ كيف يمكن لشخص، أن يتزنَّر وسط مَنْ في الطريق والأسواق، دون تفريق ولا حتى وقفة تأمل؟ نحن نستغرب من حروب الإبادة، التي قام بها النازيون ضد اليهود، أو التوتسي والهوتو بحق بعضهما، أو النوير والدينكا ضد بعضهما، لكن الإبادة ذاتها بأشكالها وصورها، تجري في بلدان إسلامية وعلى يد أشخاص يدَّعون وصلاً بالإسلام وضد مسلمين! هذه كارثة.

هناك جانب آخر من الموضوع، وله صلةٌ بالسياسة، وبمن يُصنَّفون على أنهم من العالم المتقدم. في أحيانٍ عِدَّة، أجِد أن الأميركيين في قمة الذكاء والتنظيم؛ وفي أحيانٍ أكثر، أراهم في غاية قصر النظر والتشتُّت. منذ بداية الثمانينات وحتى العام 2001 تحالفوا مع أنماط من أصحاب تلك العقول البالية، إلى أن جاءتهم اللدغة، بضربة الحادي عشر من سبتمبر.

وعندما أرادوا أن يُعالجوا الأمر، احتلوا «بجنون وانتقام» أفغانستان، ثم العراق، وطبّقوا فيهما سياسات فاشلة (قرار حل الجيش العراقي مثالاً)، فأوجدوا بيئتين خصبتين لتلك الجماعات، كي تظهر وتنمو، وتتعاظم نفسياً ولوجستياً، وترى في معركتها شرعية القتال! هذا الذي جرى بالتحديد. ومنذ ذلك الوقت، جعلوا العالم كله، وشعوب هذه المنطقة، تدفع ثمناً غالياً. أي عقل وأي مشورة سمعها الأميركيون كي يفعلوا ذلك!

قبل ستة أعوام، نشَرَت مجلة «فورن بوليسي» قائمة بمراكز الفكر الأميركية الأولى: بروكينغز إنيستتيوت وميزانيته 60.7 مليون دولار. مجلس العلاقات الخارجية وميزانيته 38.3 مليون دولار، وكلاهما معنِيٌ بالسياسة الخارجية الأميركية.

كما ذُكِرَت بالإسم، مؤسسة كارنيغي للسلم الدولي بميزانية قدرها 22 مليون دولار، وشركة راند بميزانية قدرها 251 مليون دولار، الأولى معنية بمنع انتشار الأسلحة النووية، بينما الثانية معنية بالإستراتيجيتين العسكرية والاقتصادية، ثم هيرتيج فونديشن ذات الـ 48.4 مليون دولار ومهمتها السياسة الضريبية وقضايا الدفاع الصاروخي.

ثم بالتوالي: مركز وودرو ويلسون الدولي للأكاديميين ومركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وأميركان إنتربرايز، وكيتو، وهوفر، وهيومان رايتس ووتش، ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، ومعهد الولايات المتحدة للسلم، والمكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، ومركز التنمية العالمية بموازنة إجمالية قدرها 249.5 مليون دولار (زهاء الربع مليار دولار).

الآن نتساءل: هل تلك المراكز البحثية، وصاحبة المشورة، لم تكن قادرة على قراءة ظروف المنطقة، ومُنهِّضات العنف والتطرف فيها، وهم الذين يبحثون في الفرق بني العَرض والعُرض، وكانوا أوصياء على هذه المنطقة طيلة سنين؟ هذا الأمر جدير بالتوقف فعلاً.

عندما ترك بول بريمر العراق بدأ يكتب بأنه أدرك ومن خلال عمله الدبلوماسي في أفغانستان ومالاوي، أهمية دور العشائر. لكنه لم يفعل ذلك في العراق إلاَّ بعد ثلاثة أعوام، رغم أنه يُدرك أن الـ 70 في المئة من حضَرية العراقيين لم تكن تعني غياب دور العشائر. وخلال 36 شهراً من الجهل بتركيبة المجتمع العراقي كانت كفيلة بأن ينزلق البلد نحو الفوضى.

وهم اليوم، ورغم تجاربهم في أفغانستان والعراق، كادوا يُكررونها «عسكرياً» في سورية. وإن لم يفعلوا ذلك فقد كرّروا خطأهم بالتآم تلك الجماعات في سورية، والتي بات الجميع الآن يستشعر خطرها الداهم. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تُسلَّط عليها الأضواء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:56 ص

      الجبناء

      قبل أيام انتشر فيدويو يظهر فيه أشباه بشر يقومون بتصوير أفعالهم القذرة وهم يستهدفون مدنيين في الشوارع أو في سياراتهم بدعوى أنهم صفويين والحقيقة أنها تصفيات على أساس طائفي بغيض حيث لا يريدون أن يقولوا شيعة فيقولوا صفويين!!! هم جبناء لا يستطيعون أن يفعلوها مع الخصوم الأشداء فيلجؤون إلى العزل والمدنيين

    • زائر 2 | 1:31 ص

      قبل و بعد

      نعرف جميعا ان هذا الخطأ مقصود قبل قراءة مقالك فسير احداث التدمير لهذه البلدان و حضارتها و تفتيت شعوبها هو أمر بنفس السيناريو ليس صدفة. و أظنك أذكى من أن تنخدع بتهريج يساسين سفلة خبثاء عبر وسائل الاعلام

    • زائر 1 | 9:54 م

      يقال

      بقال إن أمريكا يحكمها الصهاينة و جماعات الضغط الصهيونية ، وهدفها إدخال المنطقة في الفوضى والحروب ، بل حتى إدخال امريكا والعالم نفسه في هذه الدوامة ولا ينجو منها إلا اليهود . . . أصحاب هذه النظرية ( نظرية المؤامرة ) يفسرون براحة ما تراه أنه ( قمة ذكاء وتنظيم ) من قبل الأمريكيين ( وتشتت وقصر نظر ) من جهة أحرى فيقولون بل هو كله مخطط واحد لزرع الفوضى . . . ما رأيك ؟ أتؤمن بهذه النظرية وهل حقا أمريكا يحكمها الصهاينة ؟ وهي ألعوبة قي يدهم ؟

    • زائر 4 زائر 1 | 5:37 ص

      متابع

      كنا قد طلبنا من الكاتب العزيز أن يتناول مسألة علاقة اسرائيل بالعالم ( خاصة الغرب وحتى روسيا ) والعكس ، حجم التأثير والمصالح ونقاط الافتراق و طريقة التفكير . . . . هذه ملفات مهمة فمن دون معرفة العدو جيدا وكذلك الصديق ، لا يمكن أن نقدم تشخيصا صحيحا للواقع وكذلك علاجا له . . . . و لا زلنا ننتظر الاجابة من كاتبنا العزيز

اقرأ ايضاً