العدد 4290 - الخميس 05 يونيو 2014م الموافق 07 شعبان 1435هـ

إشكالية بناء المعرفة في أرض العرب

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هناك الكثير من المؤلَّفات والمقالات التي تؤكِّد أن قوة ومكانة الأمم ستعتمد في المستقبل المنظور على مقدار ما تولِّده من معرفة تمكنها من امتلاك التكنولوجيا من جهة، ومن الابتكار والتجديد في شتى حقول الإنتاج والخدمات والنظم من جهة أخرى.

امتلاك التكنولوجيا، من خلال القدرة على الاختراع والتحسين والصيانة، يتم عادة بواسطة مؤسسات تخلقها الدولة وتصرف بسخاء لإنجاحها من مثل مؤسسة الصناعات الحربية الوطنية، وذلك حتى لا تعتمد في أمنها القومي على قوى الخارج وإملاءاتها وابتزازها، أو من مثل مؤسسة الفضاء لإرسال أقمار اصطناعية فضائية غير خاضعة لقوى خارجية.

أما امتلاك معرفة الابتكار والتجديد فإنه موضوع بالغ التعقيد يحتاج إلى تعليم جامعي رفيع المستوى لتخريج المبدعين والباحثين المتميزين، ويحتاج إلى مراكز أبحاث في داخل الجامعات وخارجها، ويحتاج إلى ربط محكم بين نتائج الأبحاث وبين عجلة الاقتصاد، وذلك من أجل القدرة على المنافسة في الأسواق الوطنية والعالمية.

وفي الثلاثين سنة الماضية نجحت العديد من الدول، من مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، على معرفة امتلاك التكنولوجيا وبدأت تستقل عن الخارج في حقول التكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا الفضاء وبعض تكنولوجيا الطاقة، وهي في طريقها إلى امتلاك معرفة الابتكار والتجديد لتصبح قوى اقتصادية يحسب لها في الأسواق الدولية، تلك أمثلة لدول تنتمى إلى العالم الثالث الذي ننتمي نحن العرب إليه.

هنا نصل إلى ما نريد قوله عن واقع عربي مفجع بالنسبة لنوعي المعرفة، فكل دول الوطن العربي، منفردة أو مجتمعة، لا تملك معرفة ذاتية قادرة على اختراع وامتلاك وصيانة وتحسين تكنولوجيا العصر، وهذا ما يجعلها معتمدة في أمنها الوطني والقومي اعتماداً كلياً على معاهدات أمنية تكبل استقلالها الوطني وعلى شراء أسلحة تباع لها بألف شرط وشرط ويحدُّ من فاعلية تلك الأسلحة ومن حرية توقيت استعمالاتها.

والأمر نفسه ينطبق على حقل تكنولوجيا الطاقة ، فبالرغم من أن الوطن العربي يسبح على بحار من البترول وعلى أكوان من الغاز، وهما أساس الطاقة في العصر الذي نعيش، إلا أننا، وبعد مرور نحو ثمانين سنة على اكتشاف البترول في جزء من الأرض العربية، لم ننجح في امتلاك تكنولوجيا الطاقة ومازلنا نعتمد اعتماداً شبه كلي على الشركات الأجنبية، علماً واختراعاً وتطويراً، هل من فضيحة أكبر من هذه؟

وللإنصاف فقد جرت محاولتان في مصر، إبان العهد الناصري، وفي العراق قبل الغزو الأميركي، لبناء معرفة تكنولوجية في الحقل العسكري على الأخص، ولكن انتهت التجربتان قبل أن تتجذرا في تربة البلدين.

أما موضوع بناء وامتلاك معرفة الابتكار والتجديد فإنه أكثر مأساوية وفشلاً، فمتطلبات بنائه من تعليم جامعي إبداعي يخرِّج قوى عاملة قادرة على الإبداع وعلى إجراء البحوث الجادة لم توفرها الدولة العربية الحديثة حتى في دول الغنى النفطي، ولعل موجة الهجمة الهائلة للجامعات الخاصة، الوطنية والخارجية، هي خير دليل على ذلك الفشل.

ومن جهة أخرى امتنعت الدولة العربية عن دعم البحوث في الجامعات والتي هي ضرورية لأية جامعة تحترم نفسها، لا دعم الأساتذة والطلبة الباحثين ولا تمويل مراكز البحوث الجادة سواء في داخل الجامعات أو خارجها، واكتفت بمراكز بحوث أغلبها يجتر معرفة الآخرين أو يلمع صورة الأنظمة السياسية وبالتالي فإن نتاجها لن يضيف إلى القدرة الاقتصادية ذرة إضافية واحدة.

في وطن عربي سمحت حكوماته بوجود نسبة أمية تصل إلى ثلاثين في المئة على مستوى الوطن الكبير كله، وتتحدث الكثير من التقارير الدولية والمقالات التربوية عن تراجعات مقلقة في مستوى ونوعية التعليم في جميع مراحله، وتقبع نسبة البحوث المنشورة من قبل جامعاته ومراكزه البحثية في الحدود الأدني من النسب العالمية... في وطن كهذا هل يمكن الحديث عن نوعي المعرفة اللتين تحدثنا عنهما سابقاً؟

لا يمكن على الإطلاق الأمل بحلِّ إشكاليتي المعرفة، بنوعيها، إلا إذا جرت تغييرات كبرى في نوع وتنظيم سلطات الدولة العربية، وهذا مربط الفرس ونقطة الانطلاق.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4290 - الخميس 05 يونيو 2014م الموافق 07 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:19 م

      لا تظلم الشعوب يادكتور!

      العيب ليس بالشعوب لان لا ينقصها ايد ولا رجل وانما العيب في الانظمه ومصالحها

    • زائر 2 | 1:24 ص

      تشخيص جيد لكن من تخاطب ؟؟؟؟

      تخاطب من كل من يعنيه الامر مشغول بنفسه يجمع ما وسعه الجمع وياخد ما تطال يده وادا كنت توجه كلامك للقائمين على التعليم عامة والجامعي خاصة فهم العلة اي الداء وليس الدواء وخلاصة الامر لخصتها فب اخر جملة من مقالك هل يتخقق دلك فالننتظر

    • زائر 1 | 12:55 ص

      مقالات مشوقه

      تسلم يادكتور فأنا من المتابعين لمقالاتك المشوقه

اقرأ ايضاً