العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

الإسلاميون مطالبون بتطبيقات عملية لتصوراتهم التجديدية

نظرة سريعة على أوضاع العالم الإسلامي تكشف لنا مدى العجز في تنمية العملية الديمقراطية السياسية. لقد واجه الإسلاميون النخب العلمانية التي استلمت أجهزة الحكم في الدول الحديثة التي انتشرت في العالم الإسلامي. واتهم الإسلاميون تلك النخب بأنها فرضت نمطاً دكتاتورياً من الحكم تحت ذريعة الحاجة للتطوير الاقتصادي السريع من أجل اللحاق بعجلة التقدم الحضاري. كما اتهم الإسلاميون تلك النخب بأنها تستورد ثقافة غريبة على المجتمع الإسلامي حاولت فرضها بالقوة لتغيير الهوية الحضارية الإسلامية بحجة أن الثقافة الإسلامية ثقافة تقليدية تمنع المسلمين من الولوج في العصر الحديث.

لقد فشل العلمانيون في تنمية المجتمعات الإسلامية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، مما أدى إلى تعزيز موقع الإسلاميين بصفتهم المعارضة الأكثر تباتاً ورسوخاً مع جذور المجتمع وبالتالي الأكثر احتمالاً لاستلام زمام الأمور في البلدان الإسلامية. وهكذا ظهرت الحركة الإسلامية في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين واكتسبت مواقع متقدمة في مجتمعاتها ووصلت إلى الحكم في عدد من البلدان. إلا إن الإسلاميين لن يكونوا أوفر حظاً من العلمانيين إذا فشلوا في الاستجابة لتحديات العصر الحديث وإذا لم يتمكنوا من طرح تصور غني بالتجارب الناجحة. ويمكن تلخيص بعض تلك التحديات بما يلي:

1- لا يستطيع الإسلاميون العيش بمعزل عن العالم وبمعزل عن القوى المتحركة على الساحة الدولية تحت شعارات مختلفة تختزل في عبارات "هم" و"نحن". فالعالم أصبح معقداً ومعتمداً على بعضه الآخر، وليس من الصحيح النظر إلى الأمور وكأنها سوداء أو بيضاء. هذا لا يعني أن على الإسلاميين أن يصبحوا مغفلين وأن يقبلوا بما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ولكن عليهم أن يتجهوا للعب دورهم كمؤثرين ومشاركين لا كمشاهدين ورافضين. هذا بالإضافة إلى حقيقة أخرى وهي أن المسلمين أصبحت أعدادهم كبيرة وهامة في مناطق مثل أوروبا والولايات المتحدة، وبإمكان هذه الجاليات القيام بدور هام للضغط على حكومات البلدان التي يعيشون فيها – بصفتهم مواطنين ملتزمين بقوانين تلك البلاد – لتحسين أوضاع المسلمين في جميع أنحاء العالم.

2- مازال الإسلاميون يراوحون – من الناحية العملية – تجاه التعددية وتداول السلطة. فالإسلاميون لم يحققوا بعد نماذج عملية ناجحة للتعددية فيما بينهم ومع الآخرين. والنموذج الأفغاني المتمثل بحركة الطالبان لم يأت من فراغ وإنما كان نتيجة ثقافة تشربت في نفوس جماعات إسلامية تعيش ظروفاً معينة. وهكذا نلاحظ أيضاً أن عدداً كبيراً من شباب المسلمين في الجامعات الغربية ينهج منهج الطالبان لأن الثقافة التي يحملونها تقول لهم إن الإسلام في خطر وأنه لا مجال لنصرة الدين إلا باتباع أساليب متحجرة فكرياً كتلك التي استخدمها الطالبان. إننا بحاجة لتقديم نماذج ناجحة للتعددية داخل الإسلاميين وبين الإسلاميين وغيرهم خصوصاً وأن أطروحات نوعية تتوفر حالياً لدى الإسلاميين.

3- نظرة الإسلاميين لموضوع "المواطنة" لا تزال بحاجة لمراجعة شاملة. فالمفاهيم التي ورثناها كانت ومازالت تحتوى على معان سياسية صالحة لزمانها ولا تصلح بأي حال لعالم اليوم. فلا يمكن تحويل غير المسلمين في المجتمع ذي الأكثرية المسلمة إلى مواطنين من الدرجة الثانية، كما لا يمكن للأقليات المسلمة أن تنأى بنفسها وتنزوي عن المجتمعات التي تعيش معها تحت مبررات تحمل اسم الدين.

4- مازال الإسلاميون بعيدين عن "الاجتهاد" ومازالت عملية "الاجتهاد" محجوراً عليها في صندوق أسود لا يجوز الكثير لمسه ومحاولة الاستفادة منه. فالاجتهاد الذي يوفر مصدراً هاماً للتشريع الإسلامي معطل حتى لدى الذين يؤمنون به. ولذلك فإن الأمور تفرض نفسها على المجتمع الإسلامي وبعد ذلك تتم مناقشة ما يمكن التنازل عنه لأنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة اليوم. إن الاجتهاد الذي يمارس حالياً محاصر من قبل الذين يمارسونه لأنهم يرفضون وجود أدوات العلم الحديث ويرفضون وجود الخبراء والعلماء الطبيعيين والاجتماعيين ضمن عملية الاجتهاد. إن البعض يرى الاجتهاد حصراً على فئة محدودة جداً من المجتمع الإسلامي، وأما باقي المجتمع فما عليه إلا انتظار ما تنتجه تلك المجموعة التي حصرت نفسها في قوالب ضيقة جداً.

5- استخدام العنف داخل المجتمع وبين الجماعات باسم الدين مازال مشكلة قائمة. وما حصل مؤخراً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عندما سقط عدد من المثقفين ضحية لعنف من أشخاص يرون من حقهم إهدار الدم – نيابة عن الله عز وجل – مؤشر خطير على استفحال هذا الفهم. إن لدى الإسلاميين خياراً أفضل من ذلك ويتمثل في تبني أساليب وأدوات "المجتمع المدني" الحديث القائم على أساس ممارسة النشاط السياسي والاجتماعي السلمي.

6- موضوع المرأة لا يختص فقط بالإسلاميين ولا داعي لشعورهم بالحاجة للدفاع عن أنفسهم كما وكأنهم مذنبون. فالمرأة مازالت تصنف من قبل مركز حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنها ضمن المجموعات الضعيفة في المجتمع التي تحتاج إلى رعاية ومساندة. وهكذا نرى في بعض البلدان ان المرأة يخصص لها مقاعد في البرلمان أو في مجلس الوزراء لأنهم يعتقدون بأن المرأة بحاجة "لتمييز إيجابي" للتخلص من حرمان دام قروناً عديدة بسبب سيطرة الرجل (في كل أنحاء العالم) على شؤون المجتمع. إن الإسلاميين بحاجة للمرأة ليس فقط في المساندة وفي أصوات الانتخابات وإنما في تسنم مواقع قيادية داخل الصف الإسلامي. ونعلم أن مثل هذا الطرح سيواجه من قبل أولئك الذين لم يتوقفوا لحظة عن ترديد مقولات وأحاديث من شأنها الحجر على المرأة وإبعادها عن أي دور اجتماعي ريادي.

أن الإسلاميين وصلوا إلى مرحلة ناضجة في التطرق لمواضيع حساسة وبأنه آن الأوان لممارسة التنفيذ العملي لإغناء التجربة الإسلامية من خلال الحوار والتفاعل والتعارف بين الإسلاميين الذين ينشدون مستقبلاً تعددياً يحافظ على القيم الإسلامية ويدفع بالمجتمع الإسلامي الى الصفوف الأمامية في عالم اليوم.

 

العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً