العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

التجديد الإسلامي بحاجة إلى سياسة غير بائسة

عندما يراجع المرء ما يكتب من حوارات بين الإسلاميين، يبدو واضحاً وجود عدد لا بأس به من المتحمسين للإسلام كدين ودولة وحياة ممن يطرحون أنفسهم كمتحدثين باسم الكلمة الحق، غير القابلة للناقش والمعصومة من الخطأ والزلل، وما يطرح – بالتالي – فوق النقاش والحوار، ودور المسلم يتمثل في الانصياع والاتباع خوفاً من العقاب الإلهي الذي ينتظر من يحاول أن يتساءل عما كتب ونسب للدين.

هذه اللغة أصبح لها نفوذ في أوساط الشباب المسلم وترى في كثير من الجامعات الغربية أشخاصاً التهبوا حماساً وهم يتحدثون بلغة "الحق" الذي لا يأتيه الباطل من أي مكان. والأمر المؤسف أن هذا الفهم الحرفي والنصي يطرح وكأنه حقيقة الدين الإسلامي ويتم نشره والدعاية له بكل الوسائل، حتى لو كانت غير لائقة إنسانياً وربما يتم فرضه بالقوة على الآخرين.

ونعتقد أن مثل هذا الطرح ما هو إلا انعكاس لعجز في العقلانية وإفلاس في التصور الديني وانهيار للجانب المعنوي/ الأخلاقي بين الإنسان وأخيه الإنسان. ولأننا نعتقد بأن الإسلام هو دين العقل والضمير والأخلاق الإنسانية فإن مثل تلك الطروحات لا يمكن وصفها إلا "بالبائسة" التي نتجت عن وضع بائس ولا تحمل في طياتها إلا البؤس.

إن تشخيصنا لمثل هذه الحالة بالبؤس لأن من يطرحها كأنه يريد قول ما يلي:

1- إن الإسلام "الحقيقي" غير قابل للتحقيق إلا باستخدام القوة والقهر "لتفهيم" الآخرين الذين لا يستطيعون فهم "الحق". وإن الإسلام لا يكتمل إلا بوجود "سلطة نافذة" تفرض على الناس الدين وتوجههم إلى الله عن طريق القوة – إن لزم الأمر.

2- إن الإسلام "الحقيقي" لم يتواجد في التاريخ الإسلامي إلا لبرهة قصيرة، وإن المجموعة الإسلامية المهتدية سوف تعيد ذلك الإسلام الحقيقي إلى الحياة العامة بأي وسيلة ممكنة.

3- إن الإسلام دين التوحيد، وهذا يعني بالنسبة للبعض أن الدين نهجه واحد لا يسمح بالتعددية في الآراء أو السياسات أو الطروحات. فهو طرح أحادي – شمولي غير قابل للمناقشة.

4- إن الأخلاق والمعاني الإنسانية لا وجود لها خارج إطار النص الذي يؤمن به البعض، والاعتراف بوجود شيء خارج النص كفر تجب محاربته، حسب عقيدة هذا البعض.

5- إن الوحي الديني والنصوص الإسلامية واضحة ولا تحتاج لتفسير أو فهم نسبي (زماني – مكاني)، ولذلك فإن الاجتهاد لا حاجة له من الأساس.

6- يرى هؤلاء بأن هدف الدين الإسلامي ليس هداية الناس وإنما حماية مصالح البلاد الإسلامية (ويقصدون بذلك الدول القومية المنتشرة في الشرق الأوسط وأجزاء من العالم).

7- إن الإنسان عاص وضال بطبيعته، ولا يستمع لكلمة الحق، وإن أفضل الطرق هي فرض كلمة الحق عليه لكي يطيع ربه رغم أنفه. وإذا لم يوجد الشخص المكلف بصورة واضحة من الله لفرض تلك القوة، فإن أي شخص وأي حزب وأي هيئة أو جماعة لها الحق في المبادرة لاستلام ذلك الدور.

ربما إن البعض لا يتحدث بلغة واضحة تقول ما ذكر أعلاه، ولكن تفحص الكلمات والطروحات يرشد المرء للمعنى الكامن خلفها. فهذه المجموعات ترى أن المسلمين يعيشون حياة فاسدة وأن هذه الحياة الفاسدة مستمرة منذ صدر الإسلام، ولذلك فإن المجتمع الإسلامي انحرف وأضل الطريق، ولذلك فغن صلاتهم وصيامهم وعباداتهم لا فائدة منها، إلا إذا وجدت دولة شمولية وسلطة دكتاتورية تفرض القيم الإسلامية بالقوة. إن هذا البعض يرى أن قيمة الإسلام والمسلمين تتحدد بوجود مثل هذه السلطة الدنيوية الدكتاتورية، وفي الوقت ذاته يشن هؤلاء هجوماً على العلمانيين الذين لا يؤمنون بشيء سوى بالأمور الدنيوية.

إن المشكلة الأساس في هذا الطرح تكمن في أن من يلتزم به يؤمن بأن الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المسلمين من "الفساد" و"الضياع" هو استلام مؤسسة حاكمة تعتمد القهر والقوة. والمؤسسة القاهرة هي الدولة التي يجب أن تكون أقوى من المجتمع لكي تسيره وتوجهه إلى "الحق" وتبعده عن "الضلال". إنه وله بالسلطة وإعجاب بوسائل القهر الذي يمثل هؤلاء أنفسهم ضحايا. لأن من يمسك بزمام تلك السلطة يؤمن أيضاً بالقهر والقوة كقيمة دنيوية أساسية. والبؤس في هذه النظرة، هو أن من يطرحه يصور كل شيء تصويراً بدائياً، أبيض أو أسود. فالناس إما شر مطلق أو خير مطلق. والشر هم كل من لا يجمل وجهة النظر المطروحة وهم ليس فقط أغلبية المجتمع الإسلامي وإنما جميع المؤسسات الدولية والحركات الإنسانية دون تفريق.

نعتقد أن تجارب الإسلاميين أبرزت الحاجة إلى تجديد الطرح الإسلامي باتجاه تطوير إمكانيات المجتمع المدني لمواجهة التخلف والدكتاتورية وتوفير مجال أوسع – من خلال التعددية الدينية والسياسية – لطرح سياسة غير بائسة.

 

العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً