العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

الدفاع عن حقوق المرأة: أولوية لجميع الناشطين الإسلاميين

في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني 2001 نشرت وكالات الأنباء خبراً من الكويت يقول إن "الإسلاميين انتصروا على المنادين بحقوق المرأة". والخبر مشوه للإسلاميين ولكنه لم يأت من فراغ. فقد حكمت المحكمة الدستورية الكويتية ضد الدعوى التي رفعها عدد من نساء الكويت اللاتي طالبن بتفعيل حقهن في التصويت في الانتخابات. وقال محامي النساء إن الحكومة رضخت للإسلاميين الذين أسقطوا المشروع في البرلمان وأسقطوه في المحكمة الدستورية.

إن هذا الخبر ليس أول... ولن يكون آخر ما يطرح باسم الإسلام ويشوه الدين الإسلامي ويصوره بأنه خاضع لمفاهيم تحارب حقوق المرأة بصفة خاصة وحقوق الإنسان بصورة عامة.

إن الإسلاميين الكويتيين لم يخدموا الإسلام وأهله بمعارضتهم لتصويت المرأة في الانتخابات الكويتية. ومع الأسف كان عدد من الإسلاميين الكويتيين هم ذاتهم الذين احتجوا على الحكومة التركية في العام 1999 عندما حرمت الحكومة العلمانية هناك الآنسة مروة قاوقجي من دخول البرلمان لأنها لبست الحجاب. إن هذه الازدواجية في الطرح، ومعاداة حق المرأة في التصويت والترشيح للمناصب السياسية، ليس لها صلة بروح الإسلام وتشريعاته بقدر ما أنها تعكس ما تبقى في الثقافة العربية من مخلفات الجاهلية التي سبقت ظهور الإسلام في الجزيرة العربية. إننا نرى أن التنكر لحقوق المرأة يزداد كلما ازداد قرب المنطقة من قلب العالم الإسلامي، من المكان الذي بعث غليه نبيه محمد (ص).

إن الإسلاميين مطالبون بمعالجة عصرية لمواضيع حساسة ومن أهمها موضوع حقوق المرأة. وهذا يعني أن علينا جميعاً أن نواصل المبادرات التجديدية التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لإعادة قراءة النص الديني وكيفية تعميم وتوسيع مداه الدلالي من أجل استيعاب المستجدات الحياتية والتطورات الفكرية الإنسانية.

إن الفقه الإسلامي لم يكن جامداً أبداً خلال القرون الأولى من الحضارة الإسلامية. وهذا ما تؤكده الباحثة المسلمة الدكتورة إنجريد ماتيسون. لقد كان الفقه الإسلامي يواكب وبصورة مستمرة التطورات والتغييرات الداخلية في المجتمعات الإسلامية، إلا أن الحقيقة التي يجب أن نعيها هي أن جديد الأمس هو قديم اليوم. فما كان متطوراً وجديداً في زمان مضى، هو متخلف ومضى عليه الزمن هذه الأيام. ولهذا لا يمكن إصدار فتاوى تعتمد على معطيات الماضي فقط.

إن الإسلاميين يواجهون تحديات فكرية حديثة قادمة من حضارة علمانية أنكرت الدين ودوره لأن المؤسسة التي كانت تمثل الدين بالنسبة له (الكنيسة) وقفت ضد تطور الزمن، ولهذا كان لزاماً على فلاسفة هذه الحضارة إبعاد المؤسسة الدينية لكي تستمر عجلة التطور الحضاري. لم تستطع المؤسسة الكنسية هضم الجديد والتعامل مع العصر فتهمش دورها. والإسلاميون مهددون بالتهميش إذا سمحوا لأنفسهم أن يقفوا ضد عجلة التطور.

لقد حاول المجددون الإسلاميون فتح باب الاجتهاد على أساس علم كلام جديد يهدف إلى تلمس الغايات والمقاصد العامة للتشريع الإسلامي. ولهذا اعتمد أولئك المفكرون على "مقاصد الشريعة" و"فلسفة الفقه" للدخول إلى العصر الحديث دون التخلي عن الالتزام بالإسلام الذي بعثه الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وليس العكس. إن التراث الفقهي بحاجة إلى تجديد حقيقي على أسس ثابتة كتلك التي عالجها المجددون عندما طرحوا مقاصد الشريعة وفلسفة الفقه منطلقاً لإصدار الأحكام، بدلاً من الاعتماد الحرفي على النص وصحة سنده فقط.

إننا نعاني في مجتمعاتنا الإسلامية من السلطة المطلقة للنص الحرفي، رغم أن النصوص (الصحيحة) كثيراً منها يناقض بعضها الآخر، مما يتطلب اعمال العقل وممارسة الاجتهاد الفقهي للخروج بحلول ورؤى متطورة تناسب المسلمين في مطلع القرن الواحد والعشرين.

إننا نفخر لعودة منهج مقاصد الشريعة وفلسفة الفقه للدراسة في عدد من الجامعات والحوزات الدينية، ولكننا مازلنا نفتقر لفقهاء ومفكرين بأعداد كافية تطرح هذا الأسلوب التجديدي في المجتمعات الإسلامية للخروج من كثير من الأزمات التي تواجه الإسلاميين. لقد تراجع المجددون الأوائل (في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) عن نهجهم بعد انهيار الدولة العثمانية وشعورهم بالانهزام أمام المستعمر الأوروبي، ولهذا سرعان ما عادت الحركات التي تعتمد على النصوص الحرفية لقيادة التوجهات الإسلامية خوفاً على فقدان الهوية الإسلامية.

إننا نعتقد أن مطلع القرن الحادي والعشرين يختلف عما كان عليه الأمر قبل مائة عام، وأن النهج التجديدي هو المخرج الفكري والفقهي للأزمات التي نواجهها. التحديات في القرن الحادي والعشرين تختلف عن تلك التي كانت قبل مائة عام.

قبل مائة عام كنا مسلوبي الإرادة وضحايا للمستعمر الأوروبي. أما اليوم فإن المسلمين تمكنوا من الوصول إلى مواقع هامة في مجتمعاتهم وعلى الساحة الدولية أيضاً. ولهذا فإنهم بحاجة لاعتماد الرؤية التجديدية للإسلام لكي يمارسوا دورهم المطلوب منهم في الحياة العامة. وهذه الممارسة التجديدية عليها أن تكون في الطليعة لقيادة التطور الفكري، وليس في المؤخرة وتحاول عرقلة تطور المجتمعات الإنسانية، كما يحصل حالياً في عدد من المجتمعات الإسلامية.

 

العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً