العدد 4319 - الجمعة 04 يوليو 2014م الموافق 06 رمضان 1435هـ

الأخضر بين قَفْر سورية وقفار العراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأخضر الإبراهيمي، رجل جزائري ناهز الثمانين عاماً من العمر. أيام حياته الـ 29401 كانت حافلة. فهو عاصر أكثر القرون «شَرَراً». دخل السياسة منذ أن كان عمره 20 عاماً، حين صار ممثلاً لجبهة التحرير الوطني في جنوب شرق آسيا بين عامي 1954 - 1961.

ثم توالى عمله سفيراً لبلاده في الجامعة العربية، ثم في بريطانيا، ثم مستشاراً دبلوماسياً لرئيس الجمهورية الجزائرية، ثم أميناً عاماً مساعداً في جامعة الدول العربية، ثم مبعوثاً لها في لبنان، ثم وزيراً لخارجية بلاده، ثم ممثلاً خاصاً للأمم المتحدة في جنوب أفريقيا ثم في هايتي ثم في أفغانستان ثم في العراق، وأخيراً في سورية، التي ارتبطت حلول أزمتها به.

مؤخراً، أجرت معه صحيفة «الحياة» اللندنية لقاءً من ثلاث حلقات. اللقاء كان بحجم تجربة الرجل. لذا، كان من المهم، أن يعيد المرء قراءة ما ذكره، سواء فيما خص التفسيرات أو المعلومات الواردة فيه. وهو ما دفعني لأن أخصص هذه المقالة لقراءة أهم ما قاله خلال تلك الحلقات. فهي قد قيلت من رجلٍ خبير ليس له مصلحة في شيء وهو في هذا العمر.

يتحدث الإبراهيمي عن واحدة من آليات التفاوض الدولي الحاكمة للتوازنات. وربما كان اتفاق جنيف 1 بشأن الأزمة السورية، صورة من صور تلك الآلية التفاوضية. يقول الإبراهيمي واصفاً اتفاق جنيف: «كان نصاً توافقياً بصورة أساسية بين الأميركيين والروس».

وكانت «أول خطوة في تطبيق» ذلك «الاتفاق» هو أن «يتحول قراراً من مجلس الأمن». لذا «ظهر الشيطان في التفاصيل» كما يقول. كان الأميركيون يعتقدون بأن لا وجود للرئيس السوري بشار الأسد «في المرحلة الانتقالية». أما الروس فقد قالوا: «لم نتكلم عن ذلك».

يُفسِّر الإبراهيمي المسألة بالقول: «هذا النوع من النصوص يحتوي غالباً على قدر من الغموض». فـ «في الصياغة يمكن تبرير بعض الغموض أو عدم المعارضة لتسهيل الاتفاق». أما «في التنفيذ» فـ «عليك أن تُظهِر موقفك بوضوح لأن عليك أن ترفض أو توافق».

نعم، هناك أشياء قد تزيد من تعقيد ذلك النوع من النصوص، من أهمها الثقة. فعندما تحضر الثقة يمكن التغلب على التعقيدات، لكن عندما تغيب فإن التعقيد يفرض نفسه، وهو ما حصل بين الغرب والروس في الملف السوري وخلال اتفاق جنيف. يقول الإبراهيمي: إن «الدول الغربية لم تستوعب حجم الغضب الروسي مما حصل في ليبيا».

يذكر أيضاً أن لافروف قال له بأنه كان هناك اتفاق «بينهم وبين الأميركيين وصدرت تصريحات غربية رفيعة المستوى بأن الموضوع في ليبيا ليس موضوع تغيير نظام، بل هو موضوع حماية المدنيين». لكن الغربيين غدروا بهم «واستخدموا القرار خلافاً لمضمونه». في حين كان أصل موافقة الروس حول ليبيا مشروطاً بأن «لا يتضمن أي دعم لتغيير النظام».

وعندما قال الإبراهيمي للافروف «لماذا لا نضمّن القرار المستند إلى الفصل السابع، فقرة تنص صراحة على أن استخدام السلاح يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الأمن»، ردّ لافروف بالرفض قائلاً إن «الغربيين سيجدون ألف طريقة للالتفاف على ذلك». مكرراً أن «روسيا لن توافق، لا من قريب ولا من بعيد على أي قرار يمكن أن يوظف في هذا الشكل» في سورية.

فيما خصَّ الأزمة السورية أيضاً ذكر الإبراهيمي نصيحة قدّمها للأسد خلال لقائه به. قال له: «بدلاً من أن تكون المَلِك لماذا لا تكون صانع الملك؟» فوافق الأسد وقال له: «لِم لا». لكنه في «المرة الثانية قال للإبراهيمي: أنا مواطن سوري وهم يتحدثون عن الديمقراطية. إذا أحببت أن أرشح نفسي واقترعَ الناسُ لي أبقى، وإذا لم ينتخبوني أمشي». وربما كان ذلك الموقف المتبدل مرتبطاً بتحقيق الجيش السوري النظامي تقدماً ميدانياً على حساب المعارضة مع بداية شهر مايو/ أيار من العام 2013.

في الملف العراقي، ذكر الإبراهيمي أشياء كثيرة. هو يعتقد بأن «الغزو كسر العراق». هو لا يدافع عن حكم صدام حسين لكن «تكسير العراق وتفكيك المؤسسات وانطلاق هذه الطائفية المفرطة وتقسيم العراق عملياً» هي «مسائل بالغة الخطورة على العراق والمنطقة». فطوني بلير وجورج بوش الإبن «احتلوا البلد وحطموه ثم قالوا وداعاً وغادروا». حتى صارت «الديمقراطية الوحيدة التي حصلت هي ديمقراطية الفساد» كما يقول.

يتحدث الأخضر الإبراهيمي عن لقائه بالمرجع الديني الأعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني. يصفه بأنه «شخص هادئ ومطلع وسياسي من الدرجة الأولى». «بمعنى أنه لا يعيش في عزلة عن الأحداث والتطورات» ويقرأ لمحمد حسنين هيكل وإدوارد سعيد، يقول: قلتُ له: «سأرسل إليكم كتب هيكل الأخيرة، فرد: كثر خيرك».

وعن علاقته بالأميركيين يقول الإبراهيمي بأن السيستاني «رفض مقابلة أي مسئول أميركي ولا حتى أي مبعوث أميركي»، بل «تولى عددٌ من الوسطاء العراقيين مهمة نقل الأجواء أو الأفكار بينه وبين بريمر». كما أنه «شجّعني على محاورة السنّة، وأكّد أنه سيدعم أي توجه يحفظ حقوق الجميع».

وفي الوقت نفسه أشار الإبراهيمي إلى أنه لاحظ من «موقف السيستاني وتصرفاته حرصه على ألاّ يظهر في صورة من يُنفذ برنامجاً إيرانياً أو أنه يندرج في سياقه». ويعتقد الإبراهيمي أن السيستاني «نجح في ذلك» خلال تلك المرحلة.

من الأشياء الغريبة التي ذكرها الإبراهيمي عن العراق هو أن الأميركيين وخلال اختيار رئيس للحكومة الأولى في العراق «رفضوا أي اسم عروبي متشدد». والأغرب من ذلك هو أن الشيعة استمروا «في التصرّف كأنهم أقلية، واستمر السنّة في التصرف كأنهم الغالبية».

في قراءته للواقع العربي الأشمل، وبعد سيطرة التنظيمات المتطرفة على أجزاء من العراق وسورية، وحديثهم عن إزالة الحدود وسقوط سايكس - بيكو يقول الإبراهيمي «لا أرى حتى الساعة إمكان تمزيق خرائط مجموعة دول من أجل قيام هذه الدولة. أنا لا أعتقد أن الحدود بين الدول ستتغير». فهو يعتقد بـ «أن الدول ستتغير ضمن حدودها الحالية».

الحقيقة، أن الاطلاع على حديث الأخضر ليس عن قَفْر سورية أو قَفَار العراق فقط، بل عن جميع الملفات، سواء التاريخية أم الحالية، هو أمر مهم لأي متابع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4319 - الجمعة 04 يوليو 2014م الموافق 06 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:21 ص

      إدوارد سعيد الكاتب والناقد والاكاديمي الفلسطيني العربي الامريكي الجنسية هو كاتب مؤثر معروف

      عرف بكتاباته التي من أهمها كتاب الاستشراق الذي وصف فيه الاستشراق بعدم الدقة والتشكل علي اسس الفكر الغربي تجاه الشرق مضيفا انه "تحيز مستمر ماكر من دول مركز أوروبا تجاه الشعوب العربية الاسلامية" وما هو وجه الغرابة في ان يقرأ آية الله السيستاني لسعيد والجميع يعلم محتوي المناهج التعليمية التي تدرس في الحوزات الدينية بقم حيث يبدأ الطالب رحلته العلمية باكرا بدراسة البلاغة والنحو والمنطق باللغة العربية فهم علي اطلاع دائم وليس صحيحا انهم كرسوا حياتهم لعلم يبدو من القدم كحال الثياب التي يرتدونها

    • زائر 5 | 7:07 ص

      هم تعودوا

      على نشر ثقافة الخصي ابن تيمية الحراني وتلامذته من بعده اما الثقافات الاخرى بل حتى الفلسفة الاسلامية فهي من المحرمات عندهم
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 8 زائر 5 | 10:39 ص

      ألا تصومون شهر رمضان بالبصرة يا زائر رقم 5

      فاذا كان الجواب بنعم فلماذا الفحش في الكلام ونعت الاموات باقذع الصفات فالصوم ليس الامتناع عن الاكل والشرب فقط ولكن حفظ السان عن الفحش في الكلام وهذا يسمي صوم اللسان. وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصوم جنة، فإذا كان أحدكم صائمًا، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم، إني صائم"

    • زائر 4 | 5:58 ص

      الاخضر موظف

      مع احترامي للكاتب فإن الأخضر الإبراهيمي موظف لدى الدول العظمى يأتي لتنفيذ مهمام محددة ويذهب بقرار، لا يضيف شئ بل ولم ينجح في إي من مهامه لا في أفغانستان ولا سوريا ولا العراق، رؤيته محدوده ، لذلك الفشل ملازما له.رأيه في السيستاني لا يقدم ولا يؤخر في واقع العراق ولا في حل مشاكله.أنها لعبة الأمم.

    • زائر 6 زائر 4 | 7:10 ص

      مجرد سؤال للمعلق بان الاخضر موظف

      عندما لا تعتد بكلام الأخضر الابراهيمي فهل يعني أنك تشكك في أن السيد السيستاني شخص هادئ ومطلع وسياسي من الدرجة الأولى ورفض مقابلة أي مسئول أميركي ولا حتى أي مبعوث أميركي وأن سماحته يشجع على محاورة السنّة ويدعم حقوقهم؟؟!!!!! أمرك غريب . اتمنى أن لا يطغى الكره علينا في كل شيء

    • زائر 3 | 4:14 ص

      ونعم السيد

      المرجعية الحقيقية هي التي تطلع على كل الثقافات والكتب حتى التي تتناقض مع أفكارها ومعتقداتها والمرجع السيستاني هو صاحب فكر جامع

    • زائر 2 | 4:05 ص

      ادوارد سعيد

      لماذا يقرا السيستاني لإدوارد سعيد؟ لان سماحته منفتح على الثقافة التنويريه وليس الفكر الظلامي البغيض. و لان ادوارد سعيد مفكر وله ألكثير من الكتب إلقيمه ومنها كتاب الاستشراق الدي وصف أسس الفكر الغربي تجاه الشرق.

    • زائر 1 | 10:41 م

      السيد السيستاني ؟

      السيد السيستاني يقرأ لإدوارد سعيد ؟! ترى لماذا ؟ . . . أفهم أن يقرأ لهيكل لكن ما الذي أعجبه في إدوارد سعيد بالذات ؟ أحب أن أعرف قصة هذه الحكاية اللطيفة . . . ما رأي الأستاذ محمد في الموضوع

اقرأ ايضاً