العدد 4330 - الثلثاء 15 يوليو 2014م الموافق 17 رمضان 1435هـ

غزة تكتب تاريخها

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

غزّة تكتب صفحةً جديدةً من تاريخها، وتقرّر مصيرها وتنزع أشواكها بأيديها، وتسهم في تصحيح مسار الأحداث في المنطقة.

قبل أسبوع، حشد بنيامين نتنياهو عشرات الدبابات على أطراف القطاع وأخذ يطلق تهديداته باجتياح غزة. وفي سياق التهويل والضغط النفسي على المقاومة، هدّد قبل ثلاثة أيام بأن الساعات الـ 48 المقبلة ستكون حاسمةً. ومضت الفترة المقرّرة ولم يجرؤ على اتخاذ قرار الاجتياح البرّي الذي كانت فصائل المقاومة تترقبه برغبةٍ عارمةٍ في القتال.

ما يجري أمام أعيننا في العقد الأخير، انقلاب المعادلة لغير صالح الكيان الصهيوني، فبعد أن كان يشنّ الحروب في الوقت الذي يحدّده، ويحتل المدن العربية والفلسطينية في حروب خاطفة، بات يتحاشى المواجهة، منذ اندحاره من جنوب لبنان العام 2000 وتحرير أغلب الأراضي اللبنانية وتطهير الشريط المحتل من العملاء.

العدو الصهيوني عاد للحرب في تموز 2006، ولم يحقّق أياً من أهدافه المعلنة، وسقط أولمرت وكل طاقمه العسكري، وأصدرت لجنة «فينوغراد» تقريرها الذي أدان حكومته وشهد عليها بالفشل الذريع. وربما تتسبب الحرب الحالية بإسقاط نتنياهو وإنهاء مستقبله السياسي بالطريقة نفسها. فبعد أسبوع واحد من الحرب، أصبح أكثر تلهفاً على إيقاف القتال، وقد رحّب بعرض وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالتوسط لإيقاف الحرب، وأعلن تجاوبه مع المبادرة المصرية، مع أن الشروط المعلنة لا تشرّف أي رئيس حكومة. وللمقارنة احتاجت «إسرائيل» إلى أسبوعين للقبول بالمساعي الأميركية على يد كونداليزا رايس، لإنهاء حرب تموز، والتي استمرت 34 يوماً.

الحرب الجديدة تأتي تتويجاً لسياسات القمع والحصار والتجويع، ومحاولات الإذلال المستمرة، وسحق الآخر، والعقاب الجماعي. وفي الشهرين الماضيين شهدت الساحة احتقاناً شديداً، على خلفية إضراب السجناء الإداريين عن الطعام وتعنت الحكومة الاسرائيلية في الاستجابة لمطالبهم المحقة، إلى حد تشريع فرض التغذية قسراً على السجناء. وفي أعقاب مقتل ثلاثة مستوطنين مختطَفين هذا الشهر، قُتل أكثر من عشرة فلسطينيين في المظاهرات الاحتجاجية على مقتل فتى فلسطيني وحرقه، وتم اعتقال أكثر من 400 فلسطيني.

كانت معادلة القوة والغطرسة تقتضي إنزال أشد العقوبة والإيذاء، ومطالبة الطرف الآخر بالإستسلام التام والإقرار بالهزيمة، وهو أمرٌ لا تقبله الشعوب الحرّة ذات الأنَفَة والإباء. وهكذا بينما كان الحديث جارياً عن انتفاضة ثالثة، تفجّرت حربٌ جديدةٌ في المنطقة، لتفرض تحوّلات جديدة في المشهد، حتى اعترفت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بما حدث من انقلاب في الصورة الإعلامية في حليفتهم الأكبر، الولايات المتحدة الأميركية، لغير صالح «إسرائيل»، بفضل الصور المأساوية التي تتدفق من غزّة.

الحروب لا تحمل إلا الدمار والدماء، لكن فيها مخارج من أزمات أيضاً، وفتحاً للشعوب المضطَهَدة، وفي حالة حرب غزة الجديدة، ستكون فرصةً لتصحيح بوصلة النضال والكفاح عربياً وحتى فلسطينياً، وإعادة توجيهه نحو العدو الحقيقي، بدل اختلاق أعداء وهميين وتوجيه كل العقد النفسية والأحقاد التاريخية، ناحية بعض دول وشعوب الجوار، والمغامرة بإشعال حروب الطوائف والمذاهب التي لن تنتهي في حال اشتعالها -لا سمح الله- قبل مرور مئة عام.

في حرب غزة الجديدة، سيكتب الفلسطينيون فصلاً جديداً من ملحمة كفاحهم الطويل، وسيسهمون في إعادة الوهج والاعتبار لفكرة المقاومة والنضال الوطني، والالتقاء بالمقاومين الأصلاء، إسلاميين وقوميين ويساريين ووطنيين، ممن لم تطش أحلامهم ولم يضيعوا بوصلة فلسطين. ومن شأن هذا التحوّل المهم أن يسهم في القفز على مشاريع الفتنة الطائفية والاقتتال المذهبي، التي كُرّست لها مليارات الدولارات ومئات الفضائيات، وآلاف العمائم ومشايخ الفتنة والسوء، ليخوض السنّة والشيعة في دماء بعضهم بعضاً.

في حرب 2008، ساهم عددٌ من الدول العربية في الحرب مع «إسرائيل»، واختارت الوزيرة الإسرائيلية ليفني إعلان الحرب على غزة من قلب القاهرة، وهي واقفة إلى جوار وزير خارجية النظام المصري السابق (أبو الغيط)، الذي شارك في تشديد الحصار الخانق على القطاع. أما اليوم فلا يطلب الفلسطينيون من العرب وجامعتهم العربية شيئاً، وإنّما يتمنّون فقط أن يكفوا أيديهم عنهم. لقد تعلّموا من دروس المقاومة في لبنان حين قالوا للعرب في حرب تموز: «لا نريد منكم شيئاً ولا حتى دعاءكم! فقط كفّوا شرّكم عنا».

في هذه الحرب هناك تناغمٌ وتماهٍ بين المقاومتين، إن على مستوى التكتيكات والأداء العسكري، أو الخطاب الإعلامي والحرب النفسية المبرمجة، أو مباغتة العدو بالمفاجآت، أو طرق الاشتباك والإطلاق والاستهداف، والحفاظ على وحدة الفصائل وتوحيد الصف.

في هذه الحرب، تتكرّس تلك المقولات التي أطلقها رجال المرحلة، فـ «إسرائيل» بدت أوهن من بيت العنكبوت، وباتت الشعوب أكثر يقيناً بأنه قد «ولّى زمن الهزائم وأقبل زمن الانتصارات».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4330 - الثلثاء 15 يوليو 2014م الموافق 17 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 11:36 ص

      لا وإنت الصادق

      إنما الشعب السوري والشعب الفلسطيني هما ضحية تخطيط الصهيووهابي , نفذوه الأبناء الغير شرعيين لإسرائيل مما يسمى بالنصرة وداغش وحطب جهنم ..

    • زائر 17 | 11:16 ص

      موت في عز خير من حياة في ذل

      موت في عز خير من حياة في ذل

    • زائر 16 | 9:20 ص

      محرقي بحريني

      كنت في الماضي أظن بأن السفاح شارون وبيريز ونتنياهو هم من أشد السفاحين وأكثر الناس دموية ولا توجد في قلوبهم أدنى رحمة حتى جاء بشار هولاكو العصر أكبر مجرم عرفته البشرية الذي من أجل كرسية دمرت سوريا وأباد شعبها وهجرهم ورماهم في غيائب السجون وجوعهم وأسال أنهار من الدماء والاشلاء حتى أيقنت أن الزعماء الاسرائلين رغم جرائمهم في حق الشعب الفلسطيني لم يرتكبوا جزء بسيط مما ارتكبه بشار بشعبة
      لك الله ياغزة ولك الله ياشعب فلسطين ولك الله يالشعب السوري الجريح

    • زائر 15 | 7:43 ص

      تحية لغزة

      تحية لغزة التي تعرف عدوها تحية للمقاومة في لبنان {حزب الله} الجيش السوري والجيش العراقي والحوثيين وابطال غزة يخوضون اليوم معارك ضد عدو واحد وهدف واحد إسرائيل وأدواتها , نقطة آخر السطر .

    • زائر 13 | 5:48 ص

      الي جوة بطنه معز ميت ما يمعمع

      زائر 6 :من حُلقت لحيةُ جارٍه فليسكب الماء على لحيته. تحية للشعب و المقاومة في غزة

    • زائر 12 | 5:07 ص

      ننتظر اعلان الانتصار

      كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. يا ابطال واسود غزة ننتظر اعلان نصركم المؤزر قريبا بحق محمد (ص) وآله الطيبين واصحابه المنتجبين. والذلوالعار للدول الداعمة للارهاب.

    • زائر 9 | 4:35 ص

      الدواعش

      عجل وين الدواعش ومن يناصرهم من الاخوة العرب والمسلمين...وين الفزعة التي حدثت ف سوريا والعراق.

    • زائر 8 | 4:25 ص

      شكرا للكاتب المحترم

      مقال رائع فعلا وحق وعدل كل ما ذكرته .لذا شعب غزة يحتاج من الفلسطينيين كلهم الفزعة معه لا أن يمارسوا دور المتفرج فلو انتفضت فلسطين كلها ودخلت فتح فى المواجهة لكانت النتبجة قاسية على اسرائيل التى تذل العرب أجمعين وتستكبر عليهم فى كل المحافل تحتل ارضهم وتقتل رجالهم ونسائهم .

    • زائر 7 | 3:34 ص

      وتكتب تاريخ العرب الأسود

      عزة تكتب تاريخ عزتها وانتصارها بإذن الله وفي نفس الوقت تكتب التاريخ الاسود لهذه الحكومات العربية الساقطة

    • زائر 6 | 2:42 ص

      ما يحدث هناك هو

      ما يحدث في غزة هو مجرد لحرف انتباه الاعلام العربي و الغربي عن ما يقوم به الايرانيين من فظاعات في العراق و سوريا

    • زائر 11 زائر 6 | 4:57 ص

      هالشماعة للحين ما انكسرت من كثر ما علق عليها

      برافو عليك و على تحليلك أيها السياسي المخضرم

    • زائر 5 | 2:38 ص

      اداة لتمزيق المسلمين

      نريد ان نتأكد بان علماء الفتنة ليسوا كذالك واقضوا على اي مذهب اخر أكدوا أنكم مع المسلمين الذي تدعون يا الله هذه غزه ولكن كل المسلمين يعرفون يا استاذ قاسم ان هائولاء ليسوا سوى اداة لتمرير المخطط الصهيوني قسم المقسم وجزء المجزأ .

    • زائر 4 | 2:04 ص

      وينه صاحب بشت العرعور

      وين نخوتكم على سوريا ذيك الايام يله نشوف فزعتكم حق غزه بعد ان فزعتم للعرعور الارهابي الكبير يلله خلنا نشوف صاحب بشت حق غزه لو بس فالحين في دعم الارهابيين في سوريه

    • زائر 3 | 1:02 ص

      #~><

      حتى نظام القبه الحديدية كذبة كبرى فهي لم تصد حتى5بالمئه من صواريخ المقاومة فعندما يطلق الصهاينة نظام القبه الحديدية فإن مضاداته تتسبب لأذى الصهاينة أنفسهم لأنها ترتد على مستوطناتهم وعندما ادخلت حماس طائرات استطلاع الى العمق الصهيوني حتى راداراتهم لم تستطع كشفها مما يؤكد زيفهم وكذبهم .ويارب تحمي فلسطين وأهلها من شر المجرمين.

    • زائر 2 | 10:37 م

      وين الجامعة العربية ودولها ورجال الدين الكبار

      الجامعة العربية ودولها ورجال الدين سوبر فتوى الامتداد الامريكي للخنوع فضحتكم اسرائيل بعدوانها الغاشم على غزة جيوشكم هي لحماية كراسي حكمكم

    • زائر 1 | 9:54 م

      صباح الإنتصارات .. من غزة

      صباح النصر و الإنتصار من غزة المقاومة ، غزة العزّة ، غزة الإباء .. و تحية من الشعب البحريني إلى الشعب الفلسطيني الصابر الصامد و تحية لدول محور المقاومة ..
      و تحية إلى الكاتب القدير الأستاذ قاسم حسين ..

اقرأ ايضاً