العدد 4341 - السبت 26 يوليو 2014م الموافق 28 رمضان 1435هـ

دروس غزة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

غزة التي تشغل العالم هذه الأيام، قطعة مستطيلة من الأرض لا تزيد مساحتها الكلية (360 كيلومتراً)، عن نصف مساحة بلدنا البحرين، يضيق عرضها إلى خمسة كيلومترات ويتسع في بعض أجزائه إلى 12 كيلومتراً فقط.

هذا القطاع محصور جغرافياً بين «إسرائيل»، وبين مصر التي عادت إلى حكم العسكر مجدّداً، حيث زاد النظام من تشديد الخناق والحصار على رقاب أهل غزة، حتى مُنعت قوافل المساعدات وقت الحرب، وحُرم جرحى الغارات الإسرائيلية من تلقي العلاج في مصر العربية.

الحرب الجديدة في غزة لم تكن الانفجار الأخير، فقد تفجرت حربان في 2009 و2012، وهي نتيجةٌ طبيعيةٌ لاستمرار سياسات الحصار الإسرائيلية العربية التي امتدت ثمانية أعوام، بينما كان المجتمع الدولي يتفرّج. وفي الشهور الأخيرة، ومع اشتداد القبضة الأمنية، وتوسّع الاعتقالات، لم يحرّك المجتمع الدولي ساكناً وهو يرى مئات السجناء يتساقطون في سجون الاحتلال في إضراباتٍ مفتوحةٍ عن الطعام.

الانفجار هو محصلة لتراكم الإحباط الداخلي، وجمود الوضع السياسي، حيث اتبع نتنياهو سياسة عدم تقديم أي شيء للطرف الآخر، وشعوره بالزهو وهو يطالب محمود عباس بالتسليم بالهزيمة وقبول الأمر الواقع. هذه السياسة المتعنتة، محاولة مستميتة لإذلال الشعب الفلسطيني، تستنفر الطرف الآخر وتستفزه وتدفعه لزيادة تلاحمه وتكتله، وهو ما شاهدناه مؤخراً في أداء فصائل المقاومة في الميدان.

المحنة الفلسطينية بدأت باحتلالٍ بالقوة للأرض، باركته الدول الكبرى، وطرد وتهجير أهلها، واستبدالهم بسكان يتمّ جلبهم من يهود العالم من مختلف بلدان الشرق والغرب، «ثم التمادي فتكاً وظلماً ومصادرة في إضعاف الرافضين والمعارضين من سكان البلاد الأصليين وامتداداتهم الثقافية والعربية والإسلامية والإنسانية» كما يقول الأكاديمي الفلسطيني شفيق ناظم الغبرا. ويضيف: «وفي كل الحالات لم تنجح إسرائيل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني والمقاومة، بل ازدادت قدرات الصمود».

الغبرا أشار إلى أن 70 في المئة من سكّان غزة هم من المناطق التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل العام 1948، والتي أدّت إلى طردهم وتهجيرهم ومصادرة كل ممتلكاتهم. فالاغلبية عاشت نكبات سابقة، ومهددة بنكبات قادمة، مع زيادة التواطؤ والتآمر العربي الرسمي لتصفية قضيتهم. فليس لدى أهل غزة ما يخسرونه غير القيود والأغلال، والرهان على استعادة حريتهم، ورفع الحصار الظالم عنهم بعد أن تحوّل القطاع إلى أكبر سجن في العالم، يكتظ بمليون وثمانمئة ألف إنسان.

الضريبة اتلي دفعها أهل غزة حتى الآن باهظة جداً، فقد قارب الشهداء التسعمئة خلال ثلاثة أسابيع، بمعدل 300 شهيد كل أسبوع، وكانوا يشيّعون 43 شهيداً كل يوم، غير ما يسقط من الجرحى وما يدمّر من بيوت ومساجد، خصوصاً بعدما لجأ العدو إلى استهداف المستشفيات والمدارس التابعة للمنظمات الدولية.

«إسرائيل» التي تحكمها نخبةٌ سياسيةٌ قديمةٌ، انتهجت هذه السياسةٌ منذ عقود، لتظهر استهانتها بالمنظمات الدولية واحتقارها القوانين وحقوق الانسان. وهو رهانٌ خاسرٌ على استمرار قواعد الماضي، فالحاضر لم يعد خاضعاً لقواعد القهر والبطش والإخضاع بالقوة، مع وجود شعوبٍ حيةٍ تتطلع لاسترداد حريتها.

المؤكد أنها لن تكون آخر الحروب غزة وعموم فلسطين المحتلة، وإنّما هي جولةٌ في صراع طويل مرير، مع دولة عنصرية، تعيش خارج العصر، تحكمها نخبةٌ لا تفكر بغير منطق القوة والإخضاع.

التحوّل قادمٌ لا محالة، ففي مطلع التسعينيات خسرت «إسرائيل» أقرب دولةٍ شبيهةٍ بها، مع سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ومنذئذٍ وهي تشعر في دخيلتها باليتم. وازدادت عزلةً مع زيادة حروبها خلال العقدين الماضيين (حربين على لبنان وثلاثة حروب على غزة)، حيث تزداد تفسخاً أخلاقياً في عيون العالم، خصوصاً بعدما كسرت وسائل التواصل الاجتماعي سطوة الإعلام التقليدي وتحكمه في الخبر والمعلومة. وهكذا شهدنا هذا التعاطف الشعبي الواسع في مختلف البلدان والقارات مع غزة، ومن مختلف الطبقات.

غزة تدفع اليوم من دمّها ثمن حريتها وتكتب ملحمتها، ولتعلّم العالم أن الظلم لا يبقى، وإن بقى دمّر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4341 - السبت 26 يوليو 2014م الموافق 28 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:57 ص

      هكذا هو الفرز الإلهي = فريق في الجنة وفريق في السعير

      هو هكذا يكون الامتحان والابتلاء الالهي من اجل الفرز ، فرز الصالح من الطالح .
      بات الحق واصبح اوضح الواضحات ولكن البعض يكابرون وبذلك تكون قد حقت عليهم كلمة الضلال .
      شعب يظلم اشد الظلامات وحين يطالب بأبسط حقوقه تتكالب عليه قوى الظلم العالمي لتزيده ظلما على ظلمه.
      قضية فلسطين وشعب غزة هو امتحان لضمير البشرية لترى الشريف من هذه البشرية يقف مع الحق الفلسطيني من اقاصي الارض بينما اقرب الاقربين يكون اظلم الظالمين

    • زائر 7 | 4:13 ص

      غزة رمز العزة!

      نعم إنها غزة هاشم! بقعة جغرافية صغيرة شهدت التهجير والمحن والقهر والحصار الممنهج والحرب المفتوحة قابلة للتجديد كل بضع سنوات وعالمنا العربي يتفرج على معاناة شعب أبي كتب له أن يعاني ويعاني لكنه يملك جرحا لا يساوم! وهنا يكمن أن غزة رمز العزة رغم قلة الزاد والناصر وكثرة من يتماهى مع الصهاينة في لغتهم العبرية! نعم إن غزة تسطر سطور العزة وملاحم الرجال والنساء والأطفال! إنها مجد أمتنا في هذا الزمن المرتد عن حقوقه وعزته ومصدر قوته! لغزة التي رفعت هاماتنا للعلا كل التحية والدعاء لها بالنصر!

    • زائر 6 | 3:32 ص

      بورك هذا القلم الحر

      نعم يا سيد ان الدم هو ثمن الحرية وطال ما بقي الشعب صامد ثابت سينتصر بإذن الله على اليهود المجرمين

    • زائر 5 | 2:53 ص

      عاد منهو يعتبر

      ما يجري وسيجري في غزة سيكون مطبقا في البحرين.ننتظر الايام

    • زائر 4 | 2:39 ص

      مساكين اهل غزة تركها الاعراب

      تهمة الصفويين تلاحق الغزاويين اهل السنة والجماعة في غزة يقتلون وحكام ومفتيين يتفرجون والصفويين والروافض يمدون يد المساعدة تسليحا وإعلاميا واقول من يتكلم عن الطائفية عليه النظر لغزة الجريحة ليعرف كذب ادعاءات العريفي والمعاودة والعوضي ومفتي الأطلسي القرضاوي بان ازمتنا ليست طائفية وانما مصطنعة تنفيدا لمصالح امريكا والمحافظة على عروش الظلم التي نتمنى زوالها

    • زائر 3 | 1:25 ص

      يهود العرب

      اصبح لدينا يهود جدد من العرب يقومون بالشتم لشهداء ومجروحين اخواننا في فلسطين آخر الزمن

    • زائر 2 | 12:33 ص

      مقال رائع

      احسنت سيد. النصر قادم لغزة والعار والذل لاسرائيل ومن يسمي حماس والمجاهدين بالحمقى.

    • زائر 1 | 10:18 م

      والبحرين الجريحة اختها

      اقولها للحكومه، تضييقكم ع الشيعه في الرزق وتجنيس الاجانب من كل حدب وصوب، منهجيتكم في التمييز لبعثات ابنائنا ، لن يزيدنا الا اصراراً ع قبول التحدي، فانتظروا، والعاقبة للمتقين

اقرأ ايضاً