العدد 4343 - الإثنين 28 يوليو 2014م الموافق 01 شوال 1435هـ

العيد والآمال الكبيرة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لابد للنفس البشرية من البحث عن أوقات للراحة والهدوء والفرح لكي تغسل عنها هموم المعاناة والتعب والنصب، ومن دون ذلك يستحيل على الإنسان العيش بصورة طبيعية تمكنه من القيام بواجباته بشكل معقول ومقبول. ومن أجل ذلك رأينا أن لكل أمة أياماً تفرح فيها؛ وهذه الأيام إما أن تكون نابعةً من منطلق ديني، أو اجتماعي، أو سياسي.

فهناك أعياد بمناسبة مولد نبي، أو نجاته من عدو، أو مولد رجل يظن فيه قومه الصلاح، كما أن هناك أعياداً بمناسبة الانتصار في معركة أو تحرير بلد من مستعمر، وأيضاً هناك أيام للاحتفال بالأم، أو الشجرة أو غيرها من المناسبات التي يرى البعض أهميتها فيخصّص لها يوماً ويطلق عليه عيداً. والهدف من ذلك كله البحث عن مناسبات للفرح وإسعاد النفس والأقارب أو المجتمع بأسره.

أما المسلمون فلهم عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، ومن الملاحظ أن هذين العيدين يأتيان بعد مناسبتين دينيتين، بل دعني أقل: بعد أداء ركنين من أركان الإسلام، فعيد الفطر يأتي بعد صوم شهر رمضان، أما عيد الأضحى فهو بعد أداء مناسك الحج، فكأن الله سبحانه أراد لنا أن نفرح لأننا تمكنا من أداء تلك الشعائر المهمة في حياتنا، فنحن نفرح من أجل ذلك وأيضاً ينبغي أن نعمل على إدخال الفرح على نفوس الآخرين سواءً أكانوا من الأقارب أم من غيرهم، لأن هذه المناسبة وسيلة لإدخال السعادة على كل بيت وعلى كل إنسان. ومن أجل ذلك شرعت زكاة الفطر، والزكاة بشكل عام، وكذلك الصدقات المتنوعة، وكل ذلك من أجل تحقيق أهداف الفرح والسرور على المجتمع في هذه الأيام المباركة.

ومادام الفرح هدفاً فلابد من البحث عن الوسائل التي تبعد الفرقة والبغضاء بين الناس، وتحل الفرح والتقارب بدلاً عنها، وهذه الوسائل يجب أن يكتب لها صفة الاستمرار والديمومة لكي يبقى المجتمع متلاحماً وقوياً، وتبقى المحبة والتعاون هي السائدة بين أتباعه.

إن مساعدة المحتاجين وخصوصاً الأيتام والأطفال والنساء أو منكوبي الحروب - كما في غزة اليوم- أمرٌ في غاية الأهمية؛ فالمجتمع المسلم لا يقبل أن يكون فقير أو محتاج بين أفراده، خصوصاً في هذه المناسبة، ولهذا شرع الزكاة. وأعتقد أن القادرين في بلادنا لو أخرجوا زكاة أموالهم واستطاعوا إيصالها لمستحقيها لما بقى فقير واحد في بلادنا، بل وفي بلاد المسلمين عموماً! فالفقر والمهانة من أشد عوامل تدمير المجتمعات وإحداث شروخ فيها، فالفقر والكفر قرينان كما في القول المنسوب للإمام علي رضي الله عنه.

غزة تتعرض هذه الأيام لحرب همجية إرهابية استشهد فيها المئات من أبنائها، وخلفت أيتاماً وأرامل كثراً، كما أن هذه الحرب خلفت دماراً هائلاً جعل آلاف الغزاويين لا يجدون مكاناً يلجأون إليه، وهذا يفرض على المسلمين واجبات كثيرة تجاه إخوانهم في غزة. وإذا كان الأميركان وغيرهم قد تداعوا لنصرة المجرمين الصهاينة فإن الواجب الإسلامي والإنساني يفرض على المسلمين عموماً الوقوف بحزمٍ إلى جانب أهلهم وإخوانهم في غزة. وإذا كان العدو قد حرمهم متعة الصوم فإن على القادرين من المسلمين أن لا يحرموهم متعة العيد خصوصاً أولئك الأيتام الذين فقدوا أسرهم وفقدوا مأواهم.

وإذا كان سمو أمير قطر السابق قد فعل الكثير من أجل غزة بعد الاعتداء الهمجي عليها سابقاً، فإن سمو الأمير تميم مدعو للعمل في غزة مثل أبيه، وبطبيعة الحال فإن الواجب يشمل كل الحكام العرب والمسلمين، لأن العدو واحد ولابد من مقاومته بكل الطرق.

والعيد أيضاً فرصةٌ للتقارب بين جميع فئات المجتمع، وهذا التقارب يستدعي الابتعاد عن العصبيات المقيتة، وكذلك التفاخر الأجوف بالمنطقة أو القبيلة أو اللون، ومنه أيضاً الابتعاد عن رمي البعض للبعض الآخر بتهم باطلة تفرق ولا تجمع: فهذا علماني وذلك ليبرالي أو أخواني أو متطرف، إلى غير ذلك من الصفات التي تفرق أبناء المجتمع الواحد إلى طوائف وأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى وحدة الكلمة والصف، لاسيما ونحن نرى ما يحيط بنا من أزمات هنا وهناك، عصفت بالأخضر واليابس ونحن في دول الخليج، لسنا بعيدين عنها، ووحدة الكلمة وتقارب القلوب هي السبيل لرد كيد الأعداء وإفشال مساعيهم وحقدهم التي تهدف إلى تفتيت وحدتنا وخليجنا.

العيد فرصة كبيرة لتناسي الأحقاد والضغائن، سواء على مستوى الأقارب أو الأصدقاء، أو على مستوى طوائف المجتمع مهما كانت درجة الاختلاف بينها؛ فهذه الطوائف تعيش في بلد واحد يجمعها حبه والحفاظ عليه، والاختلاف يضعفها جميعاً كما يضعف وطنها في الوقت نفسه، والعدو هو المستفيد في نهاية المطاف.

والدولة هي أيضاً مدعوة للتقارب مع مواطنيها؛ وليس هناك أفضل من العدل بين الجميع لتحقيق ذلك التقارب المطلوب، وبالعدل وحده تحيا الأمم وتقوى ويشتد عودها.

وفي العيد يجتمع الناس للسلام وللتهنئة وللتواصل بين بعضهم بعضاً، وربما لكل بلد عاداته الخاصة به، ولكن المؤكد أن الاجتماع بين الناس هو من أهم مرتكزات الأعياد.

وسؤالي: لماذا لا يُستفاد من هذه المناسبة فنحوّلها إلى حوار بين سائر أطياف المجتمع نهدف فيه إلى فهم بعضنا بعضاً بصورة صحيحة! فمثلاً: يقال إن فلاناً من الناس علماني يكره الاسلام، وتنتشر هذه الصفة عنه، فإذا حاورته رأيت منه شيئاً مغايراً عمّا قيل عنه، وبالمثل عمّن يوصف بالمتشدد أو المتطرف، وهكذا ما يفهمه البعض عن عموم الشيعة، أو ما يفهمه عموم الشيعة عن السنة، ففي العيد تجتمع كل تلك الفئات مع بعضها البعض، وفي مناسبة جميلة وبعد أداء عبادة عظيمة فلماذا لا نستفيد منها في تقريب القلوب وزيادة التلاحم الوطني ونحن أشد ما نكون حاجةً إليه؟

العيد فرح وسرور، ولكن الفرح له معان متنوعة وكثيرة، فلنحاول أن نفعل منها كل ما نقدر عليه، فافرحوا أيها الأعزاء ودائماً أنتم وبلادنا الإسلامية ومن تحبون بخير وعافية.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4343 - الإثنين 28 يوليو 2014م الموافق 01 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:41 ص

      نحن عموم السنة نؤمن بأن الشيعة إخوان لنا في الدين

      و هذا ما يقوله كل مواطن شريف ؛ لكن علماءنا و مراجعنا يقولون غير ذلك! أي إذا أتتك المصيبة من بطنك من وين تأتيك العافية؟

    • زائر 2 | 10:36 م

      عيدكم مبارك

      نحن عموم الشيعة نؤمن بأن أهل السنة إخوان لنا في الدين لهم منا كل الحب والمودة. كل عام والجميع بخير.

اقرأ ايضاً