العدد 4344 - الثلثاء 29 يوليو 2014م الموافق 02 شوال 1435هـ

نعم نريد استلهام التجربة المغربية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أثير في الفترة الأخيرة ضرورة أن تحذو مملكة البحرين حذو شقيقتها المملكة المغربية، من حيث تحريم عمل رجال الدين بالسياسة وعدم تعاطي خطباء المنابر بالقضايا السياسية، وعدم تسنم رجال الدين المتفرغين للعمل الديني من قبل وزارة الأوقاف والشئون الدينية لأيّ منصب آخر إلا بموافقة وزير الأوقاف والشئون الدينية. هذا هو فحوى الأجراء المغربي.

وقد تلقفت شخصيات عامة ونواب وصحف هذا الموضوع مطالبةً بأن تحذو مملكة البحرين حذو المملكة المغربية، وبالطبع هم يقصدون رجال الدين المنتمين لمذهب معين، والذين يناصرون المعارضة الوطنية الديمقراطية في مطالبها بالإصلاح الشامل والعميق، ووضع حد للاستعصاء السياسي المترافق مع القمع والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، إذ إنهم لم يرفعوا عقيرتهم تجاه مجموعةٍ أخرى من رجال الدين تناصر الدولة وسياساتها، وتهاجم مشايخ ورموز المكوّن الآخر من الوطن، وتشهّر بالمعارضة الوطنية الديمقراطية وقياداتها، وتنشر خطاب الكراهية جهاراً دون رقيب أو حسيب.

جيّدٌ أن نتفحص التجربة المغربية، ولكن بكل مكوناتها، وليس بانتقائية وبتفسير أحادي الجانب.

بالطبع هناك اختلافات كثيرة ما بين المغرب، الدولة الكبرى في أقصى الغرب العربي ذي الأربعين مليوناً، وبين البحرين ذات المليون بالكاد، والأصغر بين الدول العربية في أقصى الشرق العربي. ولكن هناك أيضاً مشتركات، بل وتواريخ متلازمة، فكلا البلدين عانى لفترات طويلة من صراعات ما بين الحكم والشعب، وكلا الشعبين قاما بانتفاضات متلازمة، ويا للصدفة ففي البحرين اندلعت انتفاضة 5 مارس 1965، وفي المغرب اندلعت انتفاضة ما يعرف بالدار البيضاء في 8 مارس 1965، وكلاهما قُمعتا بالحديد والنار.

وقد ترتب على القمع الداخلي، ومصادرة الحريات وتجريم المعارضة، لجوء العديد من القيادات السياسية المعارضة في البلدين إلى الخارج حيث نشأت بينهم علاقات نضالية في المنافي.

وفي حين أن البحرين حرمت تماماً العمل الحزبي، فإن المغرب وضع قيوداً شديدة على تنظيمات المعارضة ومحاربتها، ووصل الأمر إلى اغتيال قياداتها في الخارج (المهدي بن بركه)، والداخل (عمر بن جلون)، ولم يصل الأمر إلى هذا الحد في البحرين.

وفي كلا البلدين جرت السيطرة على العمل النقابي ومنظماته. وإذا كانت البحرين قد وضعت حداً للتجربة البرلمانية طوال 27 عاماً، فإن التجربة البرلمانية في المغرب وإن كانت متقطعة إلا أنها تحت السيطرة وعادةً ما تزوّر الانتخابات، حيث تحصل الأحزاب الموالية (أحزاب المخزن) على الأغلبية وتشكل الحكومة.

كلا البلدين واجه مأزقاً عميقاً طوال عقود، واستعصاءً في الوضع المحلي ما انعكس سلباً على الحياة العامة، وعمّق الفجوة بين الحكم والشعب. لكن هناك فرقاً بين تعاطي الحكم في المغرب ونظيره في البحرين في المنعطفات المهمة. فالحكم في المغرب، أدرك بعد تصاعد أزمة الصحراء، الحاجة إلى الوحدة الوطنية المغربية، ما يتطلب اتفاقاً بين الحكم والمعارضة في ملف وطني حاسم. وهكذا عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إلى اتخاذ خطوات حاسمة بتطبيع نسبي مع المعارضة، حيث أنفذ العفو العام، وعاد الآلاف من المغاربة من المنافي، وأطلق سراح الآلاف من المعتقلين السياسيين من السجون الرهيبة مثل تزمامارت، وشرعن الجمعيات المعارضة ومنها منظمة «العمل الديمقراطي» و»إلى الأمام»، وسمح لها بإصدار صحفها ورفع التضييق عن مختلف تنظيمات المعارضة وقياداتها، والتدخل القسري في شئون الأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية، وعاد الآلاف إلى أعمالهم وجرى تعويضهم.

لكن الخطوة السياسية الحاسمة تمثلت في تعديل الدستور في العام 1997 بحيث يختار الملك رئيس الوزراء من الكتلة البرلمانية الأكبر، وعدم التلاعب بالانتخابات. وهكذا وصل في 1998 أكبر حزب معارض وهو الاتحاد الاشتراكي إلى السلطة، واختير أمينه العام وهو المحامي عبدالرحمن اليوسفي، المحكوم بالإعدام ثلاث مرات والمقيم في المنفى لعقود، إلى رئاسة الوزراء.

وبعد أن توفي الراحل الحسن الثاني، وخلفه ابنه الملك الحالي محمد الخامس، تسارعت وتيرة التغييرات والإصلاحات، وشملت العدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا وأهاليهم والمناطق المتضررة التي احتضنت المعارضة، وعدّل الدستور مرةً أخرى ليتنازل الملك عن مزيدٍ من صلاحياته لصالح البرلمان ومجلس الوزراء ورئيس الوزراء. وعندما هبّت رياح الربيع العربي، والتي شملت المغرب بالطبع، لم يتعامل معها النظام بالقمع، بل أطلق حواراً وطنياً واسعاً حول مختلف القضايا وفي مقدمتها الدستور وخطط التنمية، والإصلاح وغيره.

وترتب على ذلك تعديلات جوهرية في الدستور وجرى الاستفتاء على الدستور المعدل شعبياً ونال تأييد غالبية الناخبين، كما أدخلت إصلاحات على النظام الانتخابي بحيث يضمن تمثيل النساء والشباب، حيث البرلمان المغربي الأكثر تمثيلاً لهاتين الفئتين، وهناك إصلاحات في هياكل الإدارة والقضاء، وخطط الإسكان والتنمية وغيرها.

الوضع في المغرب ليس مثالياً، فبلد الأربعين مليوناً مثقلٌ بالمشاكل، لكن الجميع متفقٌ على التمسك بالنظام الملكي، وبالإصلاح والديمقراطية سبيلاً لمعالجة هذه المشاكل. وباستثناء حالات محدودة فليس هناك سجناء رأي ولا منفيون في المغرب. بالمقابل فقد واجهت البحرين قضية وطنية تمثلت في النزاع على جزر حوار فلم يسعَ الحكم إلى تشكيل إجماع وطني، من خلال وضع حد لقمع المعارضة وسياسة التمييز، ولا فتح حواراً مع المعارضة في الداخل أو الخارج بل اعتبرهم نكرات.

وعندما سنحت الفرصة مرة أخرى، في 6 مارس/ آذار 1999، وبعد جمود سنتين، فقد تجاوب الشعب والمعارضة تحديداً والقيادات السياسية والدينية والمجتمعية مع مبادرة الحكم، وأيدوا بما يشبه الإجماع ميثاق العمل الوطني رغم نصوصه الملغمة، وقدموا حسن النوايا، كل ذلك لأنه تم في أجواء انفراج بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وتوفر هامش من الحريات والتعبير، ما دفع البحرينيين والمعارضة إلى تناسي الماضي المظلم لحقبة أمن الدولة على امتداد 27 عاماً والتعالي على الجراح، والترحيب الكبير بعاهل البلاد في معاقل المعارضة ومنها سترة.

وعلى الرغم من البنية المتحكمة للسيطرة على الشعب والمعارضة، من خلال دستور 2002 وترسانة الـ 57 قانوناً التي صدرت في الفترة ما بين إصدار الدستور في فبراير/ شباط 2002 وانعقاد المجلس النيابي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، وقانون الانتخابات والدوائر الانتخابية الجائر والاستمرار في سياسات التهميش والتمييز والفساد، فقد انغمست غالبية قوى المعارضة في ما يُعرف بالعملية السياسية بما فيها المشاركة في الانتخابات النيابية، والبرلمان، والتسجيل بموجب قانون أحزاب جائر، والتعاطي مع الحكم بإيجابية.

لكننا جميعاً نعرف ما جرى في اختزال المشروع في شكليات، مع تكبيل المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، واستشراء الفساد وبما لا يقاس بالماضي، وكذلك التمييز الوظائفي والسياسي، والقائمة تطول.

في المغرب لم تتوقف المؤسسة الملكية عن الحوار مع المعارضة والقوى المجتمعية، ولم تلجأ للانتقام أو خلقت أحزاباً ونقابات وجمعيات وهمية، ولا صحافة تطبيل تواجه بها المعارضة، بل إن القصر جمع الضحايا وعائلاتهم وطلب منهم بما يشبه الاعتذار، نسيان الماضي واعترف الملك محمد الخامس بمسئولية الدولة عمّا لحق بهم من ظلم ومسئوليتها في تعويضهم. وهو يتجول في مختلف مناطق المملكة ويلتقي بالمواطنين ويستمع إليهم، وقد أقفل العشرات من القصور الملكية وأبقى على ثلاثة فقط.

في المغرب تستطيع سماع أصوات انتقادية حادة للحكم بما في ذلك القصر، لكن ذلك وفي حالات نادرة، لا يؤدي إلى السجن والتعذيب والقتل. في المغرب يتواتر تشكيل الحكومات من قبل أكبر كتلة أو تحالف برلماني، دون أن يؤدي ذلك إلى طغيان الفائز وتهميش الخاسر، والحكم محايد قدر الإمكان في الصراع السياسي الصحي.

من هنا اكتسب المغرب ملكاً وحكماً ومؤسسات وأحزاباً ومنظمات مدنية، الاحترام والمصداقية، بل يمكن القول إنها الأكثر تعاطياً إيجابياً مع الربيع العربي. نعم نريد التمثل والاستفادة من التجربة المغربية، ولكن بكليّتها وحقيقتها وشموليّتها... وليس بجزئية مبتورة وتفسيرها المبتسر.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4344 - الثلثاء 29 يوليو 2014م الموافق 02 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:36 ص

      احسنت

      مقال جميل

    • زائر 2 | 2:33 ص

      وين الحكمه في هالنظام

      مو الزيارات ماتتوقف إلى هناك ليش ما يستفيدون من الناس العدله بدل ما يتبعون هالمتخلفين اللي يمنا

    • زائر 1 | 10:07 م

      عدم الاستفادة من التجارب

      يا كل شيء أو لا شيء ..... نفس العقلية المضيعة للوقت و كسب الحقوق... نفس العقلية التي أضاعت فلسطين!!!

اقرأ ايضاً