العدد 4353 - الخميس 07 أغسطس 2014م الموافق 11 شوال 1435هـ

اصطياد النمور في الصين

مينكسين باي

أستاذ في كلية كليرمونت مككينا، وزميل غير مقيم في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة.

(ينشر المقال بالاتفاق مع «بروجيكت سنديكت»)

في أجرأ خطوة منذ أن أطلق الرئيس شي جينبينج حملته ضد الفساد، أعلنت الصين بداية التحقيق الرسمي في «الانتهاكات التأديبية الخطيرة» التي ارتكبها أحد الشخصيات البارزة في الحزب الشيوعي الصيني، وهو زو يونجكانج. وعلى الرغم من أن الشائعات عن الموت السياسي لزو كانت متداولة منذ عام تقريباً، فإن أي شخص يعرف الدسائس السياسية الصينية يعلم أنه حتى يحين الوقت الذي يقوم فيه الحزب الشيوعي الصيني بالإعلان عن ذلك رسمياً، فإن أنصاره والمقربين إليه يمكن أن ينقذوه، والآن جاء الإعلان الرسمي، ما يعني أنه قد تم صيد نمر كبير، ولكن هل هذا ما تحتاجه الصين فعلاً؟

منذ 2012 عندما بدأ الرئيس شي «اصطياد النمور» حسب تعبيره، وقع في شباكه 36 من الوزراء الحكوميين وحكام الأقاليم وغيرهم من المسئولين رفيعي المستوى، ولكن زو ليس نمراً عادياً، فهو عضو سابق في لجنة التوجيه التابعة للمكتب السياسي، وهي أعلى هيئة لاتخاذ القرارات في الحزب، ما يعني أنه كان يصعب المساس به.

منذ نهاية الثورة الثقافية التزم الحزب الشيوعي الصيني بالمبدأ الضمني وهو أن أعضاء لجنة التوجيه في المكتب السياسي الحاليين أو المتقاعدين، يتمتعون بحصانة من المقاضاة الجنائية. بالطبع تم تطهير بعضهم في الصراعات على السلطة مثل ذلك الصراع الذي أدى إلى سقوط هوا جوفينج خليفة ماو المباشر في أوائل الثمانينيات، ولكن عادة ما تقاعد المهزومون بهدوء ولم يواجهوا رسمياً تهماً بالفساد.

إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا التاريخ فإن مقاضاة زو تعتبر حدثاً فاصلاً، وهي أهم بكثير من المحاكمة المثيرة للاهتمام للأمين العام السابق للحزب الشيوعي الصيني في شونجكينج، بو شيلاي، الذي تلطخت سمعته بالأوحال قبل عام. فمقاضاة زو تظهر بشكل واضح سلطة الرئيس شي الشخصية وتصميمه السياسي، ولكن يبقى السؤال: ما الذي يأمل الرئيس شي تحقيقه من وراء أقوى حملة مناهضه للفساد منذ أكثر من ثلاثة عقود؟

إن الحكمة التقليدية هي أن التهديد بالمقاضاة يخدم أهداف الرئيس شي بتوطيد السلطة وإجبار النظام البيروقراطي على تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والتي تتعارض مع مصالح ذلك النظام، وهكذا فإن الشوكتين في استراتيجية الرئيس شي السياسية –تطهير الحزب وإعادة تنشيط الاقتصاد الصيني – مكملة لبعضهما البعض .

إن هذه تعتبر استراتيجية معتبرة، ولكن القول المأثور الميكافيلي بأن «الحاكم يحكم شعبه بالخوف وليس بالحب»، له حدودٌ، فأنجح القادة السياسيين يتمتعون بالمهارة في بناء التحالفات.

ان دينج شياوبينج كان أنجح مصلح صيني (على الرغم من مجزرة ميدان تيانمان)، فالتحالف الضخم الذي شكله رغم كل الصعاب عند عودته للسلطة سنة 1979 كان ضرورياً من أجل عمل التحوّل الاقتصادي الذي تلا ذلك.

وهكذا فالسؤال اليوم هو ليس ما إذا كان الرئيس شي قد جمع السلطة الكافية لإحداث التغيير في الصين (فلقد فعل) ولكن ما إذا كان قد بنى تحالفاً قادراً على إحراز تقدم في هدفه المعلن بإعادة إحياء إصلاحات السوق، ولغاية الآن فإن الجواب هو النفي.

منذ أن تولّى شي الرئاسة، فإن تصرفاته كانت حازمة ومتناقضة، فمن جهة كان يلاحق بشكل عدائي «النمور» و»الذباب» ( المسئولين الأقل رتبة)، وكان يحد – على الأقل بشكل مؤقت- من الامتيازات التي يتمتع بها المسئولون الصينيون، ومن جهة أخرى قام بإطلاق حملة شرسة مماثلة ضد الليبرالية السياسية، وقام باعتقال وسجن كبار نشطاء حقوق الإنسان، بالإضافة إلى استهداف وسائل التواصل الاجتماعي في الصين والتي كانت نشيطة في السابق.

إن مخاطر شن حرب على جبهتين واضحة، فلو كانت حرب الرئيس شي ضد الفساد حقيقية وصادقة، فإن ذلك سوف يزرع الخوف والاستياء ضمن النظام البيروقراطي الصيني، وبينما سوف يتظاهر المسئولون بالالتزام بأجندة الرئيس شي للإصلاح الاقتصادي فإنهم سوف ينتهزون أية فرصة لإعاقتها. إن غياب تقدم حقيقي معتبر منذ أن كشف الرئيس شي عن برنامجه الاقتصادي في نوفمبر الماضي، يوحي بأن ذلك يحدث فعلياً.

وفي الوقت نفسه فإن موقف الرئيس شي الصارم ضد الإصلاح السياسي يضعف الآمال بين الليبراليين وبالطبع هذه المجموعة – بما في ذلك المفكرون والناشطون الاجتماعيون والصحافيون ورواد الأعمال التقدميون من القطاع الخاص- تمتلك القليل من القوة المؤسساتية. إن ما تملكه هو القدرة على التأثير على الصينيين العاديين مما يجعلهم إضافة قيمة للتحالف المؤيد للإصلاح. لقد أقر دينج بهذه الامكانية في الثمانينيات، وما لم يقم الرئيس شي باتباع خطى دينج فسوف يجد صعوبة متزايدة في حشد الشعب خلف رؤيته لمستقبل الصين.

إن هذا لا يعني القول أن حبس زو ليست خطوة جيدة، ولكن يتوجب على الرئيس شي الآن نقل تركيزه من صيد آخر إلى اكتساب حلفاء جدد وربما غير متوقعين. إن نجاحه على المدى الطويل- ونجاح الصين- يعتمد على ذلك.

العدد 4353 - الخميس 07 أغسطس 2014م الموافق 11 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً