العدد 4362 - السبت 16 أغسطس 2014م الموافق 20 شوال 1435هـ

مصر تواجه المستحيل

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

ضعف القوى والأحزاب في مصر سيتيح لإدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي الطموحة تنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية بعيداً عن السجالات المألوفة في مجلس الشعب.

لمصر سحرها الخاص، كما أن لنيلها سحره الخاص أيضاً. كان القانون العام، وحقائق الجغرافيا والتاريخ، قد وضعتها في القلب من مشروع النهضة العربية. ذلك يعني أن نهوضها الشامل هو نهوض شامل للأمة، وأن كبوتها ستشمل آخر ركن في الوطن العربي.

وقد علمتنا طيلة تاريخها العريق، أن تخرج من المستحيل إلى المستحيل، فيكون خروجها من تحت الركام واعداً وزاهياً.

منذ انتفاضة 25 يناير 2011، التي كانت المحطة الثانية فيما عرف بـالربيع العربي، قدر لي زيارة أرض الكنانة أربع مرات، كانت تبدو في كل مرة في حلة مختلفة.

الزيارة الأولي أخذت مكانها بعد ثورة 25 يناير بفترة قصيرة. وحين وصلت إلى القاهرة كان الناس مايزالون مأسورين بالحدث المهيب. حدث خروجهم بالملايين إلى ميدان التحرير في القاهرة، وميادين المدن الرئيسة الأخرى، مطالبين بكسر قيودهم، ومحاربة الفساد، وأن تستعيد مصر ثقلها السياسي والاقتصادي الذي فقدته منذ عدة عقود.

وقد وصفت الحركة الاحتجاجية في حينه بالثورة، بمدلولات تطهير النفس من أدران الجمود، وكسر حواجز التردد، ولم يكن ذلك توصيفاً دقيقاً، لغياب المدلولات الأخرى. مدلولات السياسة والاقتصاد، والاجتماع أيضاً. وكان المجلس العسكري الأعلى في مصر يتولى إدارة شئون الدولة.

في الزيارة الثانية، تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من اختطاف ثمار الحركة الاحتجاجية، وسيطرت على المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وسطرت دستوراً جديداً لمصر على مقاسها، وعملت على أخونة الدولة والمجتمع. وفي حينه، كان الوجوم والخوف على مستقبل مصر، هو السائد ضمن من التقيت بهم من المثقفين والمفكرين المصريين، وقد ساد شعور عام لديهم بأن مصر تتجه نحو حقبة مظلمة.

في الزيارة ما قبل الأخيرة، بدأت حركة تمرد تهيئ الشارع للخروج في حركة احتجاجية أخرى، وتنسق مع المؤسسة العسكرية، وكان ذلك قبل شهر واحد فقط من ثورة 30 يونيو، التي انحاز لها الجيش المصري بقيادة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.

خلال السنوات الثلاث التي أعقبت أحداث 25 يناير، وانتهت بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك؛ تراجع النشاط السياحي، وتعطلت أمور الدولة، وساد انفلات أمني، وارتفعت معدلات الجريمة، ونشط الإرهاب، وبشكل خاص في شبه جزيرة سيناء.

لكن الزيارة الأخيرة، هي شيء آخر. فأرض الكنانة الآن، تكتظ بالزحم وبالحركة، وأكثر من ذلك بوابات الأمل أصبحت مفتوحة على مصراعيها. فبالإضافة إلى فرحة التخلص من حقبة قصيرة مظلمة، هي حقبة اختطاف مصر من قبل الإخوان، هناك عمل حثيث للقضاء على بقايا بؤر الإرهاب، وهناك فرح بأن البلاد مقبلة على أنشطة استثمارية واسعة، من خلال تعزيز علاقاتها العربية والإقليمية، وبشكل خاص مع المملكة، ودول مجلس التعاون الخليجي.

ويعدّ المصريون بداية العمل في إنجاز القناة الموازية لقناة السويس، التي حدد عام واحد فقط لاستكمالها، فاتحة مرحلة الانطلاق نحو تنمية اقتصادية جديدة، ويؤكد المسئولون أنها ستدخل مليون عامل جديد إلى سوق العمل.

الموسم السياحي هذا العام ناجح بامتياز، فكل الفنادق والأماكن السياحية مشغولة ومغلقة، والزائر بحاجة إلى حجوزات مسبقة كي يتمكن من تأمين فندق أو وسيلة نقل أو زيارة معلم سياحي.

والناس المهتمون بالسياسة وبالشأن العام منشغلون هذه الأيام بالانتخابات النيابية التي لم يتحدد لها موعد بعد، التي يتوقع كثيرون أن تجرى في نوفمبر أو ديسمبر هذا العام، ولأن الظروف الانتخابية في هذه المرة مختلفة عن المرة الماضية، التي تمكنت فيها جماعة الإخوان من السيطرة بسهولة على المجلس، فإنه لا توجد أي قوة سياسية مصرية تستطيع بمفردها تحقيق أغلبية في مجلس الشعب؛ بسبب ضعف هياكلها ومحدودية انتشارها في المجتمع، لذا فإن البديل المنطقي هو تأسيس كتل برلمانية بين مجموعات تقترب في رؤيتها السياسية وبرامجها المعلنة.

إن ذلك يعني احتمال الإعلان عن تأسيس تحالفات عدة بين قوى سياسية مختلفة تتصارع فيما بينها من أجل الوصول إلى قبة البرلمان وحصد أغلبية الأصوات.

إن وصول قوى عدة بتوجهات مختلفة إلى قبة البرلمان سيجعل مجلس الشعب هشاً وفضفاضاً، بما يعني تغليب الأجهزة التنفيذية وسلطة الرئاسة على المؤسسة التشريعية. ذلك بالتأكيد سيشكل ثغرة حقيقية في مشروع الانتقال الديمقراطي، لكنه سيتيح لإدارة الرئيس السيسي الطموحة تنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية بعيداً عن السجالات المألوفة في مجلس الشعب. وسوف يكون مريحاً لإنجاز مشاريع المؤسسة التنفيذية.

وهذه الانتخابات ستكون الخطوة الأخيرة في استكمال خارطة الطريق، التي أعلن عنها إثر الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي والإخوان المسلمين.

إن وقوف مصر إلى جانب أشقائها المحاصرين في قطاع غزة، الذين يتعرضون لحملة إبادة من قبل العدو الصهيوني هو موقف أخلاقي ووطني وقومي، وأن مصر بنجاحاتها بوقف إطلاق النار ستعزز من مكانتها العربية والإقليمية والدولية، وتستعيد دورها التاريخي الذي أنيط بها منذ القدم.

لقد انتصرت مصر على المستحيل، وفتحت بوابات أمل جديدة لها وللعرب جميعاً. بوابات واعدة بتخطي المعوقات والصعاب، وكما هي عادتها دائماً تكتب التاريخ الجديد للأمة.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4362 - السبت 16 أغسطس 2014م الموافق 20 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً