العدد 2490 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ

الأسبوع الأول من يوليو

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الأسبوع الأول من شهر يوليو/ تموز الجاري يعتبر مفصليا في تلخيص الكثير من التطورات التي يمكن أن تطرأ على مسرح «الشرق الأوسط» في الأسابيع والأشهر المقبلة. فالأسبوع الأول بدأ في انسحاب قوات الاحتلال الأميركية من المدن والقصبات العراقية وسينتهي بلقاء قمة دولية بين الرئيسين الأميركي والروسي في موسكو.

بين مطلع الأسبوع ونهايته يرجح أن تتشكل سلسلة مواقف مترابطة الحلقات تبدأ من فلسطين وتنتهي في إيران بسبب تلك التحركات الدبلوماسية التي تكشف عن نمو توجهات تدفع باتجاه التطبيع المترافق مع خطوات سياسية وتموضعات في أكثر من مكان.

في فلسطين هناك ما يشبه السباق مع الوقت باتجاه حسم مسألة الحوار السياسي بين «فتح» و «حماس» وظهور مطبات وعثرات تؤخر الإعلان عن تفاهم بين الطرفين. والتفاهم الموقوف حتى الآن ينتظر تلك الإشارات الخضراء من دمشق في ضوء الاتصالات المصرية - السعودية ودور الرياض في تجسير الهوة بين العاصمة السورية والقاهرة. والسباق مع الزمن لا يقتصر على الجانب الفلسطيني من القضية بل يمتد إلى الجانب الإسرائيلي من القضية وظهور تباينات في التعامل الأميركي مع موضوع المستوطنات وتوسيعها عموديا وأفقيا.

الاختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب يحمل في طياته الكثير من التوترات الثنائية على رغم الغموض الذي يخيم على مشكلة المستوطنات. فالاختلاف المعلن أظهر احتمال عودة الولايات المتحدة إلى لعب دور الوسيط في معادلة التسوية بعد أن اتخذت في عهد جورج بوش موقف الطرف المنحاز بشدة إلى وجهة نظر «إسرائيل».

الاختلاف لم يعد سرا بعد أن انكشف التفاوت بين الطرفين خلال لقاء الرئيس الأميركي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي في البيت الأبيض، وتجدد الخلاف خلال لقاء وزيرة الخارجية الأميركية مع وزير الخارجية الإسرائيلي في واشنطن، ثم تكرر الخلاف حين رفض المبعوث الأميركي إلى «الشرق الأوسط» جورج ميتشل لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلي في باريس بسبب تعنت تل أبيب وتجاهلها الطلبات الأميركية بشأن المستوطنات. وأمس تجدد الخلاف خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي واشنطن وإعلان حكومته البدء في تشييد 50 وحدة سكينة إضافية في مستوطنات الضفة.

هذه التباينات تضغط فعلا على الجانب الفلسطيني وهي في مجموعها تشكل ذريعة للعمل باتجاه تصحيح العلاقات الثنائية بين «فتح» و «حماس» وإنهاء تلك الانقسامات بقصد إعادة إنتاج السلطة السياسية على أساس الوحدة الوطنية والبرنامج المرحلي المشترك. وهذه الأمنية يرجح أن تتبلور خلال الأسبوع الجاري في حال تم توضيح الملابسات العالقة بين دمشق والقاهرة في ضوء ما ستسفر عنه الوساطة السعودية بينهما والزيارات الثنائية المتبادلة بين الرئيس المصري والعاهل السعودي.

الجانب اللبناني أيضا يتوقع أن يشهد في الأسبوع الجاري جملة تطورات توضح إمكان نجاح الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في مهمته. فالرئيس المكلف سعد الحريري الذي بدأ يعاني من عقبات وعثرات وحواجز وإشكالات أمنية في بيروت الغربية (منطقة عائشة بكار) ينتظر أيضا تلك الإشارات الإقليمية الخضراء في اعتبار أن الملف الوزاري يتجاوز مساحة بلاد الأرز بسبب اتصال أوراقه باحتمال تطبيع العلاقات والتوجهات بين الرياض ودمشق ودمشق والقاهرة والنتائج التي ترتبت عن زيارة المبعوث السعودي إلى العاصمة السورية.

النجاح الإقليمي الثلاثي يسهل مهمة الحريري في تشكيل حكومة ائتلاف وطني تجمع مختلف الأطياف بين 8 و14 آذار وتعثر الاتصالات بين العواصم الثلاث سيعطل احتمال نجاح الحريري في مهمته كذلك سيدفع الحوار الفلسطيني إلى التعثر.


إيران وتفاعلاتها

إيران أيضا ليست بعيدة عن الملفين الفلسطيني واللبناني على رغم ما يعانيه رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد من إرباكات بسبب تلك الصفعة الارتجاجية التي تلقاها من الشارع الإيراني الغاضب على إعلان فوزه. فإيران على رغم الفوضى الدستورية التي تتخبط بها نتيجة تلك الصدمة العنيفة التي زعزعت استقرارها لاتزال تلعب ذاك الدور القادر على تطويع التوجهات الإقليمية في الإطارين الفلسطيني واللبناني. فالملف اللبناني يعاني من هشاشة أمنية والملف الفلسطيني يعاني من انقسامات سياسية وبينهما تلعب إيران دور الضامن للهدوء والاستقرار في الساحتين أو دور الضابط الذي يعطل حركة الاتصالات بسبب تحكمه ببعض الإشارات الضوئية. لذلك هناك مخاوف لبنانية وفلسطينية، قد لا تكون مبررة، من تحركات إيرانية تعطي إشارات متضاربة تعطل حركة الاتصالات واحتمالات التطبيع بين العواصم العربية الثلاث. وفي حال نجحت طهران في تجميد أو تأخير وربما تعطيل تلك التوجهات الإقليمية لا يستبعد أن تتعرض الساحة اللبنانية للانتكاسة وتتعثر إمكانات الحصول على تسوية مؤقتة للأطراف المحلية. كذلك لا يستبعد أن تختلط أوراق الملف الفلسطيني من جديد وتخسر أطراف السلطة في الضفة والقطاع فرصة سياسية لا تعوض دوليا وهي تصب فورا في مصلحة حكومة أقصى التطرف التي يقودها بنيامين نتنياهو.

إلى إيران هناك العراق الذي بدأ من اليوم يدخل في تجربة أمنية جديدة بعد الانسحاب من مدنه وقصباته. فالأسبوع الأول من يوليو يشكل خطوة في مسار سياسي طويل سيكون له أثره الميداني في ترسيم خريطة العراق الجديد والاتجاه الذي ستذهب نحوه بلاد الرافدين. الفوضى الأمنية وعودة الاقتتال الأهلي وتزاحم الميليشيات الطائفية والمذهبية على تعبئة الفراغات الأمنية كلها مؤشرات سلبية ترسم خطوط تماس مأسوية يمكن أن تبعثر خريطة العراق العربية انطلاقا من تلك التحالفات المحلية والإقليمية التي ستشهدها ساحته في الأسبوع الجاري. أما إذا شهد العراق حالات من الاستقرار الأمني والتوازن الأهلي خلال فترة التسلم والتسليم وذهب عموما نحو التماسك السياسي فإن المنطقة ستتعرف على نوع من التسوية الإقليمية ستساعد لاحقا على تصريف الاحتقانات دبلوماسيا ومن دون إضطرار إلى اللجوء للعنف.

هناك فرص كثيرة ستظهر على مسرح «الشرق الأوسط» خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو الجاري. فالأسبوع بدأ بالانسحاب الأميركي من المدن والقصبات العراقية وسينتهي بلقاء قمة أميركية - روسية في موسكو يرجح أن ينتج مجموعة اتفاقات أمنية وجيوسياسية سيكون لها تأثيرها على توازنات المرحلة في المنطقة المتوافق دوليا على أهميتها الاستراتيجية والوفرة في طاقاتها الطبيعية والبشرية. وبين أول الأسبوع وآخره هناك الكثير من الاتصالات العربية - العربية، والفلسطينية - الفلسطينية، واللبنانية - اللبنانية، والإسرائيلية - الأميركية وهي كلها ليست بعيدة في مجموع منظوماتها الإقليمية عن فضاءات ذاك اللقاء المنتظر في موسكو بين الرئيسين الأميركي والروسي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2490 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً