العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ

القطان: العنف ودوافع الانتقام والكراهية تُنذر بالهلاك وتُكثر الصراعات

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن العنف والشدة والحقد، ودوافع الانتقام والكراهية، تنذر بالهلاك؛ فتقطع الأرحام، وتكثر الصراعات، وتنزع الرحمة، ويحل الشقاء، ويذهب الخير بين الناس، وتقوّض مجتمعات بسبب ذلك، وتتلاشى أمم، وتنهار حضارات، مشدداً على ضرورة التسامح والسماحة، وخصوصاً بين المسلمين أنفسهم.

ودعا القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (22 أغسطس/ آب 2014)، والتي جاءت تحت عنوان «السماحة والتسامح منهج حياة الأمة»، إلى أن «نجعل علاقاتنا قائمة على السهولة واليسر والرفق، في اختلافنا وحوارنا ومعاملاتنا، وبيعنا وشرائنا، وذهابنا وإيابنا».

وأوضح القطان في خطبته أهمية السماحة والتسامح، مستدلاً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. وقال: «كم نحن بحاجة إلى السماحة، التي تعني التسامح والتيسير، والسهولة والرفق واللين، وبذل المعروف وكف الأذى، في سلوكنا ومعاملاتنا، وعلاقاتنا مع من حولنا، خاصة ونحن في زمن قست فيه القلوب، وكثرت فيه المشاكل، وساءت فيه العلاقات بين بني الإنسان، على مستوى البيت والأسرة والمجتمع، وبين شعوب الأرض وحضاراته، الأمر الذي أدى إلى قيام الصراعات والحروب، والعداوات وحب الانتقام، حتى سفكت الدماء، واستطال الإنسان في عرض أخيه، وتعدى على ماله، وضعفت المبادئ والقيم والأخلاق. ولا يمكن أن تكون هذه هي الحياة التي أرادها الله تعالى للناس، رغم اختلافهم في التفكير والرؤى، وفي الاعتقاد والدين، وفي نمط الحياة، وفي النظر لهذا الكون».

وذكر أن «مع هذا الاختلاف والتباين بين الناس، كانت دعوة الإسلام إلى السماحة والسهولة والتعاون والتعارف والرفق واليسر في علاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان، ومن ينظر إلى تشريعات الإسلام وتوجيهاته، في جميع شئون الإنسان وحياته، يجد السماحة واليسر، والبعد عن الحرج، ومراعاة الواقع، وتقدير الظروف، ولا عجب؛ فهذا دين الله سبحانه وتعالى الذي من أسمائه العفوّ والغفور والرحيم والتواب، يغفر الذنوب والزلات، ويعفو ويسامح ويتفضل على عباده ويتجاوز عنهم...».

وأشار إلى أن «التسامح خُلق الأنبياء؛ فهذا رسول الله (ص)، يعيش هذا الخُلق بين أصحابه ومع أعدائه واقعاً في الحياة، فعندما دخل (ص) مكة منتصراً، جلس في المسجد، والمشركون ينظرون إليه، وقلوبهم مرتجفة خشية أن ينتقم منهم، أو يأخذ بالثأر قصاصاً عما صنعوا به وبأصحابه. فقال لهم (ص): «يا معشر قريش، ما تظنُّون أنِّي فاعلٌ بكم). قالوا: خيراً، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريم. قال: (فإنِّي أقول لكم ما قال يوسف لإخوته: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)، اذهبوا فأنتم الطُّلقاء».

وتساءل القطان: «أين من يغالِبهم حبُّ الانتصار والانتقام؟! أين هم من خُلُق سيِّد المرسَلين؟!».

وأضاف «مع شدة الهجمة على الإسلام والمسلمين، وتكرارها وتنوعها من قبل أعدائه الحاقدين، ومن قبل بعض أبنائه المنافقين، المنتسبين زوراً وبهتاناً لهذا الدين، ووصفهم لهذا الدين بالعنف والشدة والإرهاب، وإقصاء الآخر ومصادرة الحقوق، أصبح كثير من المسلمين بسبب جهلهم بدينهم، يتبنون هذه الأطروحات، والبعض الآخر يدافع عن الدين دفاع المتهم الذي يشعر بضعف حجته وأدلته، ويحاول التبرير، واختلاق الأعذار الواهية».

وهناك طرف آخر متطرف من الجاهلين بتعاليم الدين، أخذتهم العاطفة، مع سوء فهم وتفسير مغلوط لأحكام الإسلام وتشريعاته، وجعلتهم يتبنون التكفير والتبديع، والتفسيق والعنف والشدة وسفك الدماء، والذبح وإزهاق الأرواح وإرهاب الآمنين، ولم يفرّقوا بين مسلم ومعاهد وذِمّي، ولا بين المصالح والمفاسد؛ ظنّاً منهم أن هذه الطريق هي طريق الخلاص، وبها ينصر الدين ويعز الإسلام وأهله؛ فكان من نتائج سوء الفهم، سفك الدماء، وذهاب الأمن، وانتشار الظلم، وتشويه الصورة الناصعة لهذا الدين الحنيف عند الآخرين، وتعرض أبناء المسلمين الأبرياء للمطاردة والملاحقة والإيذاء؛ واستُغل هذا الوضع للكيد للإسلام والمسلمين، ومحاربة قيمه، وتشويه تشريعاته، وتحذير العالم وتخويف الناس منه».

وأردف قائلاً: «إن الإسلام يبني في المسلم العزة والقوة والإرادة، ولا يقبل منه الضعف والخور والاستكانة؛ لأنه يحمل دين الله، وهو خليفة الله في أرضه؛ ولكن هذه القوة والعزة ليس فيها ظلم لأحد، مهما كان دينه أو عقيدته أو جنسيته، ما لم يعتد على مسلم أو يشارك في قتاله، أو كان سبباً في ظلمه وانتقاص حقه».

ولفت إلى أن «سماحة الإسلام مع الآخرين من أهل الأديان والملل والمذاهب الأخرى، تظهر في جميع تشريعاته وأحكامه، ففي جانب العقيدة، ترك الإسلام الحرية للإنسان ليختار دينه، وأن لا يكره عليه، وعاش اليهود والنصارى والمجوس في ظل دولة الإسلام قروناً من الزمان، ولم يُكرهوا على هذا الدين، ولم تقم لهم محاكم التفتيش، ولا الإبادة الجماعية، كما حدث للمسلمين في إسبانيا وألبانيا والبوسنة والهرسك والاتحاد السوفياتي سابقاً، وما يجري للمسلمين اليوم وما يفعله الصهاينة في غزة وفلسطين وغيرها»، متسائلاً: «فهل بعد ذلك يكون دين الإسلام دين إرهاب وظلم وإكراه؟!».

وبيّن أن «الإسلام حرّم وأغلظ في العقوبة على أبنائه وأتباعه، إذا بدر منهم ظلم أو تعدٍّ على أي إنسان دخل بلاد المسلمين من غيرهم».

لم ينه الإسلام الذين آثروا الشرائع الأخرى عن الاحتكام إلى ما بأيديهم من الكتب؛ بل أمرهم بتحكيمها: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ)... وإذا كانت الدهشة تملك قلوب أهل هذا العصر الحاضر وعقولهم من هذا السخاء في المساواة والعدل والإنصاف الذي أعطاه الإسلام ودولته لـ «الآخر الديني» قبل أربعة عشر قرناً، فإن هذه الدهشة - دهشة الذين لا يعرفون حقيقة الإسلام - ستزداد وتتعاظم عندما يعلمون وتعلم الدنيا أن الإسلام لم يطلب من هذا «الآخر الديني» مقابل كل هذا السخاء في «الحقوق» سوى «واجب واحد» هو أن يكون هذا «الآخر» لبنة في جدار الأمن الوطني والحضاري للدولة الإسلامية، وأن يكون ولاؤه كاملاً للدولة والوطن، وانتماؤه خالصاً للأمة التي هو جزء أصيل فيها، وأن لا يكون ثغرة اختراق لحساب أي من الأعداء.

وأكد أن «الإسلام أمر بالسماحة والعدل، وحرّم الظلم والتعدي على الناس، حتى في الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، وتزهق فيها الأرواح، وتدمر المدن والقرى، ويموت الصغير والكبير».

وتابع «انظروا إلى الحروب التي دارت، ولا تزال تدور في مشارق الأرض ومغاربها على أيدي غير المسلمين، ملايين من البشر قتلوا، ومدن ودول مُحيت من الخريطة، وأسلحة فتاكة، لا تفرق بين صغير وكبير، ومريض وامرأة، وعجوز وشاب، ومحارب وغيره. بل أقيمت المجازر في القرنين السادس عشر والسابع عشر في الحرب الدينية بين الأوروبيين أنفسهم، التي دامت أكثر من قرنين، ودمرت الحياة بكل معانيها، حيث أُبيد فيها أربعون في المئة من شعوب وسط أوروبا وفق إحصاء «فولتير»، المتوفى عام (1778) ولقد بلغ ضحاياها عشرة ملايين نصراني!».

وأفاد القطان بأن «الحرب دارت في جزيرة العرب عند بداية الإسلام بين المسلمين والمشركين، لنصرة الحق ودفع الظلم ونشر الإسلام، وانتصر المسلمون في 20 موقعة، هي التي دار فيها قتال ما بين السنة الثانية والسنة التاسعة للهجرة، هذا الانتصار الذي غيّر وجه الدنيا والحضارة والتاريخ؛ إن ضحايا كل هذه المعارك من الفريقين، لم يتجاوز 386 قتيلاً، 183 هم مجموع شهداء المسلمين، و203 هم قتلى المشركين، وعندما حكم الإسلام بعد ذلك، لم تقم حرب عالمية أولى، ولا ثانية ولا ثالثة. فأي دين أعظم وأرحم من دين الإسلام؟».

وقال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي: «إذا كانت سماحة الإسلام مع غير المسلمين بهذه العظمة والسمو، فإن السماحة بين المسلمين أنفسهم، يجب أن ترتقي إلى أعلى من ذلك، فالمجتمع المسلم يجب أن يعيش أبناؤه في حب وتسامح وتراحم وتعاطف، وأن يسود حياتهم الرفق واللين، والسهولة واليسر».

العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:40 ص

      الى زائر5

      موظف وزارة ..........شلون يستنكر على وزارة .................

    • زائر 5 | 6:27 ص

      الداخليه

      هى من استخدمت العنف ضد شعبها الشعب خرج بسلميه وقابلتهم الداخليه بدماء سائلة وقتلت الارواح البريئة وصل عددهم 150 شهيد وهاده غير هدم المساجد الى انت عمرك ما استنكرت وسكت عن كلمة الحق المشتكى لله وقاتل الله الجهل

    • زائر 4 | 5:41 ص

      يوم لاينفع مال ولا بنون

      لاطاعة الى مخلوق في معصية الخالق

    • زائر 3 | 2:55 ص

      دور الراعي

      كل راعي مسئول عن رعيته يا شيخنا الفضيل مسئول عن نشر الالفه والمحبة بين رعيته وعدم التفرقة بينهم مهما اختلفت المذاهب والديانات
      للاسف يا شيخ اصبح الراعي يتلمس الرضا والقبول من الديانات الاخرى ويبنون لهم الكنائس والمعابد البوذية ويوفر لهم الخمور والمراقص والنوادي
      ويشع الفرقة بين رعيته المسلمين ببث الكراهية واستبحاة دماء اخوانهم المسلمين والتعدي على حرماتهم وقدسياتهم لاجل مطالب حقوقيه عادلة تصون كرامتهم
      ان الله يوم الحساب سيسال كل راعي بما قدم لرعيته

اقرأ ايضاً