العدد 4373 - الأربعاء 27 أغسطس 2014م الموافق 02 ذي القعدة 1435هـ

أخطاء أميركا ومآسيها في العالم

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

منذ نهاية الحرب العالمية، التي توجت بانتصار دول الحلفاء بقيادة بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، على دول المحور بقيادة ألمانيا وإيطاليا واليابان، وخلال حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، التي استمرت منذ الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، ظلت الولايات المتحدة تصوّر لنفسها بأنها الدولة الوحيدة، التي تستطيع تسيير زمام الأمور في العالم، بعد الدمار والخراب الذي تسببت به آلة الحرب، وذلك من خلال تفوقها في مختلف ميادين السياسة والاقتصاد والعلوم والاكتشافات، خصوصاً بعدما ساهمت بقوة في عمليات إعادة بناء وترميم ما عصفت به الحرب في ألمانيا وبعض الدول الغربية من خلال ما يعرف بـ «مشروع مارشال»، الذي جنت من ورائه ثماراً إعلامية هائلة، حتى أصبحت بعد ذلك مصابة بلوثة وجنون «الدولة الجبارة» التي لا تضاهى.

ومنذ ذلك الوقت اعتبرت الولايات المتحدة نفسها «الحكم والرقيب» أو «الشرطي الدولي» في قضايا العالم، فأخذت سياساتها تتجه دائماً نحو السيطرة والهيمنة وشن العدوان على الدول التي تتحدى سياساتها وتعارض طموحاتها ومشاريعها المعلنة، التي كانت تأمل من خلالها تغيير وجه العالم واقتصاده وثقافته. ووجدت الإدارات الأميركية المتعاقبة نفسها مؤهلة لخوض الصراعات والحروب الكفيلة بتحقيق أحلام السيطرة والهيمنة، التي طغت بالكامل على مختلف الأهداف السياسية والتنموية والمعرفية العامة، التي تميزت بها «عظمة» الولايات المتحدة خلال حقبة الازدهار التكنولوجي العظيم، ولاسيما عندما كانت الصعوبات الداخلية تفرض نفسها بقوة في سنوات السبعينيات وبداية الثمانينيات على اقتصادها، بسبب الظروف الاقتصادية الدولية الصعبة.

ومضت تسلك طريق الحروب بصورة دموية مأساوية، سواء بواسطة التدخلات والغزو العسكري المباشر، أو عن طريق عملائها في الخارج، أو حتى عبر بعض المعارضين للأنظمة الوطنية، في الدول التي تطمح باحتوائها والسيطرة عليها من أجل تمرير مشاريعها وأهدافها، وخصوصاً ضد الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الاشتراكي والدول الأخرى الناشئة في العالم، التي ظلت تسير في فلك التحالفات، المعادية للامبريالية العالمية. ومن أبرز ما قامت به من حروب دموية في ذلك الوقت هو ما ذكره جيمس ريد جواي، في كتابه الوثائقي الصادر تحت عنوان «ملفات هايتي: أسرار الأزمة»، حيث تحدث بواقعية عن فوضى ووحشية الحروب، التي خاضتها الولايات المتحدة في مناطق متعددة من العالم ولاسيما في منطقة البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية، التي تعتبر بمثابة الحديقة الخلفية المهمة جداً للولايات المتحدة، وتتصدى لكل مخططاتها ومشاريعها وسياساتها التسلطية العدوانية.

ففي العام 1961 قامت الولايات المتحدة بعملية إنزال قوات مسلحة في خليج الخنازير في كوبا، مستخدمة بعض الكوبيين المعارضين للنظام الشيوعي الكوبي في المنفى، كدروع واقية في المعارك الضروس، التي دارت رحاها خلال التدخل الأميركي للإطاحة بنظام الرئيس فيدل كاسترو، الذي أسقط الدكتاتورية العسكرية، بقيادة فولجنسيو باتيستا في يناير/ كانون الثاني 1959 وشيد تقاليد نظام اشتراكي تقدمي، وتصدى للمشاريع الأميركية الامبريالية.

وفي العام 1965 أمر الرئيس ليندون جونسون بإرسال أكثر من 23 ألف جندي إلى جمهورية الدومينيكان، التي تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الكاريبي، ويقدر عدد سكانها بحوالي 10 ملايين نسمة، لردع النظام القائم هناك وتحطيم هيبته، وذلك بسبب شكوك الإدارة الأميركية حول قيام نظام شيوعي هناك على غرار النظام الكوبي.

وفي العام 1974 أطاحت وكالة الاستخبارات المركزية بنظام الرئيس سلفادور الليندي في تشيلي، التي عاشت بضع سنوات في ظل حكم النظام الشيوعي، بانقلاب عسكري دموي رهيب بقيادة الجنرال أوغستو بينوشيه، الذي أخذ على عاتقه مهمة تصفية الشيوعيين وقواعدهم وأنصارهم في تشيلي، وحكم البلاد بعدها بدكتاتورية مفرطة بالتعاون مع الـ «سي آي ايه».

وفي العام 1983 أمر الرئيس رونالد ريغان بغزو جزيرة غرينادا بفرقة جنود مجوقلة قوامها 600 جندي لمحاربة الشيوعية في هذه الجزيرة الصغيرة، لكنه لم يستطيع إسكات شعبها الذي قاوم قوات الغزو مقاومة باسلة إلا بعد مضي عشرة أيام بلياليها من القتال الشرس، عندما تمكن الجنود الأميركان من القضاء على آخر فرد من المقاومة الوطنية بشكل وحشي، معتبرين سفك الدماء البريئة هناك «انتصاراً باهراً» على الشيوعية في تلك الجزيرة الآمنة.

وفي العام 1983 نفسه، بدأت «سي آي ايه» حرب «الكونترا» ضد حكومة السندانيين الاشتراكية التي حكمت نيكاراغوا بعد إسقاط الدكتاتور سوموزا، الذي حكم البلاد مع عائلته بقبضة فولاذية لأكثر من نصف قرن، وقد أرسلت أميركا أكثر من 112 ألف جندي أميركي في حرب شرسة (بشكل سري) مع العملاء المحليين لمحاربة السندانيين.

وفي العام 1989 غزت القوات الاميركية جمهورية بنما، التي تتمتع بمركز أعمال دولي مهم، للإطاحة بحليفها السابق الجنرال مانويل نورييغا، الذي سبق أن تعاملت معه في الاتجار بالمخدرات، ثم انقلبت عليه بعد ذلك عندما جير كل إمكانيات بنما في خدمة هذا التجارة الرابحة، وقام بفتح الأبواب لتهريبها من كولومبيا إلى أسواق الولايات المتحدة.

وفي العام 1991 غزت جمهورية هايتي، إحدى أقدم الجمهوريات السوداء بالبحر الكاريبي، بذريعة حماية الديمقراطية والعمل على إعادة الرئيس الذي انتخبه الشعب بأغلبيةٍ كبيرةٍ (67.5 في المئة) في العام 1990 إلى السلطة، الأب براتلاند أريستيد، الذي أطاح به انقلاب عسكري بقيادة الجنرال راؤول سيدراس، وتحت حماية القوات الأميركية والفرنسية المشتركة التي عزلت الرئيس من القصر.

أما الغزوات والتدخلات العسكرية الحديثة، فقد نفذتها أميركا في أفغانستان (2001) ضد تنظيم «القاعدة» لإلقاء القبض على زعيمه أسامة بن لادن وقادة بارزين فيه لمحاكمتهم على خلفية تفجير مركز التجارة الدولية والبنتاغون، والقضاء بشكل نهائي على نظام حركة طالبان، التي استمدت كل قدراتها العسكرية والمادية من أميركا نفسها، وبعض الأنظمة الحليفة لها ثم انقلبت عليهم. وبعدها اجتياح العراق (2003) والقضاء على نظام صدام حسين، وها هي اليوم تذرف دموع الندم على دعمها العسكري والمالي لتنظيم «داعش» الإرهابي، الذي يهدّد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، والذي قام مؤخراً بقطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي، احتجاجاً على توسيع الغارات الأميركية ضد قواعده في العراق، وتدعو دول العالم للتعاون معها للقضاء عليه، بعد أن أصبح قوة ضاربة تهدد مصالحها في العالم.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 4373 - الأربعاء 27 أغسطس 2014م الموافق 02 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:35 ص

      الندم

      هذه هي الولايات المتحدة الامريكية التي تدعي حماية حقوق الانسان ونشرها في العالم تعتدي على الشعوب وتخرق قيم حقوق الانسان من اجل مصالحها وتساعد حركات التطرف وتشجعها على الارهاب ثم تندم عندما يصل السيف الى عنقها ..

اقرأ ايضاً