العدد 4373 - الأربعاء 27 أغسطس 2014م الموافق 02 ذي القعدة 1435هـ

ماذا لو حدث ذلك؟

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في الإعلانات التي تجلد وتكاد تسمل أعيننا. استوقفني كلام... كتابة... نص جميل للصديق المصور الفوتوغرافي والقاص والروائي حسين المحروس، وهو يجلدنا الجلد الذي نستحقه. تستحقه المرحلة التي نشهد وتكاد غالبية الجنس البشري اليوم تنسجم معها. يجلد الصورَ التي لا تنتهك مجال قدرتنا على الرؤية؛ وتنتهك ما تبقى لنا من مجال كنا نظنه حيوياً، في أن نرى ما نريد وما نشاء؛ لا ما تفرضه علينا تلك الآلة والصناعة الدعائية الفارغة من أي مضامين في كثير من الأحيان، وعبر كثير من النماذج والشواهد. وتغييب وتعمية وتضبيب ما نحن بحاجة إلى رؤيته وقراءته والتوقف عنده.

هذه المرة استدراجنا لأن نقرأ ونرى ما يزيدنا عمىً وغياباً وغيبوبة. كتب المحروس ذات «فيسبوك» تحت عنوان «من جماليات الخلفية»: «أتمنى من الأصدقاء تصوير الصور الضخمة والإعلانات التي في الشوارع؛ وخصوصاً في المنامة والمحرق من الخلْف ونشْرها لتصبح معادلاً موضوعياً بصرياً يخفّف ما نُصاب به من غمّ المشاهدة... لون الخشب الطبيعي أجمل وأقرب إلى الطبيعة البشرية».

كثيرٌ مما يُعرض اليوم في الشوارع العامة الرئيسة، وفي الطرق السريعة، من إعلانات وغيرها، ينتهك خصوصية العين. لكل عين ميزانها وما يُدخلها في حال توازن مع بقية الحواس. نتكلم هنا عن الذين يمتلكون تلك الحواس، ولا علاقة لنا بالذين رهنوا حواسهم لدى جهات وأطراف تسيّرها كيفما تشاء وأنّى شاءت.

مثل تلك الخصوصية تتعرض إلى انتهاك ومصادرة وغصْب وإعادة توجيه وتشكيل. من الشركات متعدّدة الجنسية، وليس انتهاءً بما ومن يُراد تسويقه وفرْضه على البشر عموماً، والحواس خصوصاً!

العين، وفي ما يُعرض اليوم، لا تمرّ بمرحلة من الدهشة والشعور بأنها استردّت ما افتقدته. هي على موعد مع ما اعتادته، أو يسبب لها أذى ربما يطول الجسد لمجرد الرؤية العابرة والخاطفة. كل شيء بميزان العزْل، وترك البشر إما أن يلهثوا وراء ما يجعلهم مشدودين ولا طاقة لهم على الانفصال عنه، مهما كان عادياً وأحياناً تافهاً، وينال من أرواحهم وما تبقى من ذائقة، وإما أن يكونوا مُصادرين وتتبع تلك المصادرة حتى بالحق في استعمال الحواس كما يجب، وتوجيهها الوجهة التي يرون وينسجمون معها. لا خيار لهم في ذلك، وعليهم أن يكونوا ممتنّين أن قانوناً ما لا يُحاسبهم على النوايا في كل شيء، في حال تذمّروا وأعربوا عن سخطهم، في السرّ طبعاً!

لماذا لا تصدمنا دولة عربية ذات صباح نتوقعه مملاً وقد ألِفنا الوجوه والسلع والنساء والأثاث والسيارات والمؤتمرات والندوات والمعدّات والمصارف بإغراءاتها التي تحوّل الزبون إلى عبد تملك التصرّف فيه لسبع سنوات قابلة للتمديد، والمستشفيات وشركات التأمين ومواد التجميل والملابس والساعات الفاخرة والرخيصة ومكنات الحلاقة، وتنسيق الحدائق والمعدات الثقيلة، وشاقتصد في الكهرباء»، وتحذيرات وتنبيهات «المرور» لربط الحزام و»لا تتصل لتصل» و«اتصل... نصل»، وإعلانات «الحفاظات» التي لا إمكانية لتسرّب البلل منها، وصور ضيف «كبير» ومطربة تبحث عن تخمة الثراء الذي يتمدّد بالساعات، وهي تتلوّى كأفعى؛ وتحذيرات التدخين وفخاخ شركات الاتصالات وأجهزة التكييف والتجهيزات المنزلية، والأدوات الإلكترونية وبوفيهات الفنادق والمطاعم والمخابز والمحامص والحلويات والمشروعات السكنية والتجارية ومسلسلات لا يتابعها إلا العاطلون عن العمل ويتسمّر أمامها المتقاعدون، والذين لديهم فائض من القرف والتفاهة والضياع، ومجاورة كل ذلك العذاب و«البهدلة» والإغراءات والكذب بالألوان، وأحياناً بالأبيض والأسود؛ كي نكحّل ونبرّد على قلوبهم بإعلان يحمل صورة لص سرق شقاء وتعب وعناء آلاف في موت ضمير وغمْضة عين بعد أن فُصل الأمر في قضيته؛ أو صورة رجل محسن عاش الحياة في هدوء بالغ وهو يسعى لإسعاد الناس وكشف الكرب والغمّة عنهم ولا يعلم أمره إلا الله؛ فعلَّ قطرة خجل تسحّ من وجوه الذين يكنزون «الدولار واليورو» ويحسبون أنهم غير معنيين بالآية التي تتحدث عن الذين يكنزون الذهب!

ماذا لو حدث ذلك ذات صباح... مساء... إجازة؟ طبعاً لن نكون من أهل تلك الأرض! إلا قليلاً!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4373 - الأربعاء 27 أغسطس 2014م الموافق 02 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:12 ص

      ما فهمنا

      انت ويش تبي اتقول ما فهمت شئ،،، خف علينه اشوي استاد

    • زائر 2 | 1:04 ص

      المتمردة نعم

      جميلة مقالات الاستاذ الجمري مرسومة بقلم شاعر

    • زائر 1 | 10:31 م

      ...النخاع

      مقال في قمة الروعة استاذي
      اما بخصوص الاعلانات ماذا اقول وماذا لا اقول سأتحدث بأختصار عن المحرق اعلانات المحرق كلها عن ...صورته على محلات الاحذية ومحلات السمبوسة والمطاعم والخباز والحلاق
      هل هذا ... هو صاحب كل هذة المحلات ما القصد من ذلك لا اعلم (صرنا نمشي واحنا امغمضين)

اقرأ ايضاً