العدد 4375 - الجمعة 29 أغسطس 2014م الموافق 04 ذي القعدة 1435هـ

«ماليفسنت» الشريرة: هل هي كذلك فعلاً

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

منذ بدايته، يبدو واضحاً أن فيلم Maleficent أو (الشريرة)، إن شئنا الترجمة العربية، ينتصر للمرأة وقضاياها، منذ المملكة الممتلئة سلاماً التي تحكمها جنية قوية تدعى ماليفسنت، حتى الغدر بها من قبل حبيبها «البشري» وصولاً للموقف الذي يقفه الفيلم من زوجة الأب الشريرة التي نعرفها جميعاً في فيلم بيضاء الثلج وانتهاءً بخاتمة الفيلم السعيدة ... لكن بشكل مختلف.

الفيلم هو إعادة كتابة لقصة بيضاء الثلج، القصة الشهيرة التي تروي حكاية الأميرة الجميلة ناصعة البياض، التي يثير جمالها غيرة زوجة أبيها فتقرر التخلص منها بشتى الطرق وصولاً لتفاحة مسمومة تنحشر في حلقها، ولا ينقذها منها سوى قبلة حب حقيقية من أمير عابر لحيث تنام في سرير موتها.

هذه المرة تأتي الكاتبة ليندا وولفيرتون لتقدم لنا قراءة مختلفة لهذه القصة، تعيد ليندا سرد القصة لكن من زاوية مختلفة، تقرأ فيها الشخصيات بشكل مغاير، يجعل المتفرج يقف موقفاً مختلفا عن ذاك الذي حمله منذ أن سمع القصة القديمة، موقف أكثر تفهما ربما. ليندا، المعروفة بتوجهاتها النسوية، تنتصر لبطلتها الشريرة «ماليفسنت»، تكسر الشخصيات جميعها وتحللها، تقول لنا أن هناك ما دفع ماليفسنت لأن تفعل ما فعلته بالأميرة. تقول أن العلاقة بين المرأتين لم تكن بالسوء الذي عرفناه من القصة القديمة. لم تكن هناك غيرة من ماليفسنت تجاه الفتاة الصغيرة. الملك لم يكن طيباً وأميناً كما تصفه القصة. تكسر ليندا كل الأنماط بتحليلها للشخصيات ذاك. الملوك ليسوا دائماً أخيار، والأميرات الصغيرات لسن ضحيات عاجزات، والملكات الشريرات لسن كذلك في الواقع. شكراً ليندا لهذا الموقف النسائي الذي ينصف الجميع، والذي يبدو أكثر نقلاً للواقع من ذلك الموقف الذي سرد القصة الأصلية.

في هذه النسخة من القصة التي تروى على لسان امرأة، نلتقي أولاً بماليفسنت، من يفترض أن تكون زوجة الأب الشريرة، لكنها هنا لم تكن زوجة أب. هي في الواقع ملكة قوية من ملوك الجان، تحكم غابة ينتشر فيها الحب والسلام، تجاور مملكة يعيش فيها البشر. نلتقيها أولاً في طفولتها ومن ثم صباها. نراها تحلق عالياً فوق غابتها السعيدة بجناحين قويين، نعرف لاحقاً أنهما سر قوتها. تقع في حب صبي من البشر هو ستيفن، هو الملك المستقبلي والد بيضاء الثلج، الذي يبدو وكأن حبه لها لا يصمد طويلاً أمام طموحه للسلطة والوصول إلى العرش. ينشغل عنها أولاً بكل ما في حياته، لكنها حين تتغلب على ملك بلاده وتهزمه في معركة دارت حين حاول الأخير غزو غابتها المسالمة، يتبرع ستيفن لقتلها طمعاً في مكافأة عرضها الملك لمن ينجح في تلك المهمة تتضمن الزواج من ابنته الوحيدة وتسلم العرش بعد وفاة الملك. يسارع ستيفن للقاء ماليفسنت بعد غياب طويل، يوهمها أنه جاء محذراً من بطش الملك، لكنه، في لحظة توهمتها ماليفسنت لحظة حب، يخدرها، ويحاول قتلها. حين لا يقوى على ذلك، ربما بما تبقى من عاطفة قديمة، يقطع جناحيها، ويقدمهما هدية للملك كإثبات على قتله لماليفسنت. جناحا ماليفسنت هما سر قوتها، دونهما لا تستطيع أن تفعل الكثير. يمكن أن تكون تلك إشارة واضحة للاغتصاب. هذه أولى القضايا النسائية التي تطرحها ليندا.

ستيفن إذن لم يكن الملك الصالح، لكنه ملك وصل إلى العرش على عذاب امرأة لم يكن ذنبها سوى أن أحبته بصدق. ستيفن كذب على ماليفسنت أولاً ثم على الملك الذي سلمه ابنته وعرشه. وماليفسنت ليست زوجة الأب المغرورة، لكنها حبيية الأب المغدور بها. لم تكن شريرة إذن في بداياتها. لكنه اكتشاف الخيانة، ومرارتها، هو ما دفعها للانتقام لاحقاً.

حتى اللعنة التي صبتها على الأميرة الصغيرة، جاءت في لحظة ألم وإحساس بجرح عميق لا تزال آثاره ظاهرة على جسد ماليفسنت. وليس أدل على ذلك من أن القبلة الحقيقية التي أيقظت الأميرة من سباتها طبعتها ماليفسنت على جبين الفتاة. كان حباً أمومياً إذن ذلك الذي سيفك اللعنة، وماليفسنت ليست الشريرة المليئة حقداً بل امرأة مجروحة وأماً حنون.

الفيلم يقلب الكثير من الموازين «النمطية» ويعيد قراءة أحداث القصة بشكل مغاير، عصري وأكثر إيماناً بحقوق ماليفسنت، المرأة، قبل كل شيء آخر.

أفضل ما في الفيلم، ولربما سر قوته، هو اختيار أنجلينا جولي للقيام بدور ماليفسنت الشريرة، أداؤها الرائع، والتشابه الغريب بين حياتها والدور الذي تقوم به ساهما في جعلها أكثر إقناعاً للمشاهد. أنجلينا خاضت معركة شرسة مع سرطان الثدي، جاءت وهي المعروفة بأدوار Femme Fatale أو الأنثى القوية شديدة الجاذبية، واعترفت على الملأ باستئصال جزء كبير من جسدها. لم تكترث كثيراً لما قد يسببه ذلك من ضرر على البروفايل الأنثوي الجذاب الذي رسمته هوليوود لها. في لحظة تجردت أنجلينا من كل شيء وتحولت لإنسانة عادية وامرأة ككل النساء اللاتي يخضن هذه التجربة القاسية.

أنجلينا القوية في واقعها، كانت قوية في الفيلم، واجهت قطع جناحيها كما واجهت السرطان في حياتها. انتصرت على الاثنين، عادت جميلة قوية رشيقة بعد سرطان الثدي، وأصبحت ملكةً وأماً حنوناً جاء فك اللعنة على يديها بعد قطع جناحيها.

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 4375 - الجمعة 29 أغسطس 2014م الموافق 04 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 3:38 م

      تعليق موفق

      وااو جميل جدا

    • زائر 9 | 3:33 م

      اعجبني التحليل..شكرا

      برافو على التحليل فقد غطى جوانب لم يتم النظر فيها من قبل الناقدين العالميين..ربط اجادة انجلينا بكونها خاضت صراع مع المرض كان مثيرا بالنسبة لي..حيث لم الحظه عندما كنت اشاهد الفلم

    • زائر 2 | 4:38 ص

      الشنفرى

      نشكر الاخت منصورة على هذا التحليل المشوق للفلم والذي جعلنا نتشوق لرؤيته.ملاحظة صغيرة:انجلينا لم تصب بسرطان الثدي وانما استأصلت ثدييها خوفا من الاصابة نظرا لان المرض شائع في عائلتها.

    • زائر 3 زائر 2 | 8:34 ص

      شكرا جزيلا

      شكرا للشنغرى على الايضاح وعلى التعليق المشجع

اقرأ ايضاً