العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ

النعيمي... بيده العارية يرفع سبّابته في عين الكارثة!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ما الذي يمكن أن تكتبه عن الوطني الكبير الحاضر، عبدالرحمن النعيمي؟ ما الذي يمكن أن تضيئه في هذا الديجور الذي يخنق أوقات الناس والمخلوقات؟ ما الذي يمكن أن تثيره في اتزان وحكمة الراحل؟ في زمن يبحث بعض بشره عن طبْلَة ولو في مجلس عزاء، واحذر من تنبيهه إلى شرف الاتزان، وفي زمنٍ أصبح فيه التهور والحمق وما دون السطحية مؤهلاتٍ تتيح لصاحبها اعتلاء المنصة وتصدّر المشهد.

البقاء الصوري للذين هم غائبون وإن حضروا. الغياب بالمقياس ذاك، للذين يحتلون الحضور ليس في القاعات والمسارح والساحات بل في قلوب آلاف مؤلّفة، ربما أكثرها لم يلتقِ أولئك أو بعضهم. الصنيع والمواقف والانحياز إلى الناس في حقّهم في الحياة والكرامة والعدالة والمساواة. بعض ذلك مداخل برحابة الحياة إلى قلوب الذين يدفعون ثمن حقهم في كل ذلك: الحياة والكرامة والعدالة والمساواة.

مثل النعيمي؛ بالأمل الذي أفنى حياته كي لا يرجف في وطن أو قلوب، لا يمكن مهما عمد قساوسة التبرير وكهنة التعليل، أن يحجبوا حضوره الجارف في ذاكرة وقلوب البسطاء، أولئك الذين منحهم أولوياته، وذهب إلى حيث هم منصتاً، ملتقطاً حكمة عنائهم، وبياض وبساطة أحلامهم، وإنسانيتهم وكرامتهم التي يعدّونها ثروتهم التي هي بالفطرة خارج مخططات المساومة واللعب على مداها الذي لا حدود له.

بالهجرات التي امتحن؛ والعذابات التي طالته، والغربة التي بلغ حد سكّينها العظم، كان مشغولاً بألاّ تكتفي بمعنى أن تكون إنساناً فيما الممارسة فيك ومنك طاردة لتلك القيمة ومكرّسة لكل نقيض. كان وهو مشغول بترتيب حيوات الناس في البقعة التي أسْلمتْه للمنافي والعِوَز والدخول في اتفاق غير مبرم مع النزوح، بحيوات آخرين. كان يحتقر الأطلس في زمن تتحول فيه الأوطان إلى سجن انفرادي عملاق.

عدواً للمساومات والحلول الوسط كان. الحلول الوسط بتهيئة الذين يفرضون ويُمْلُون كل أمر وشيء. لم ينسجم قط مع الشرط (الإذلال) الذي يكرّس واقعاً صنعه تحت عناوين شتى، واحتيالات. كان يعي شرطه الحق في الحياة. الحياة بعيداً عن الشرط الذي يتنزّل كادّعاء البينات وادّعاء الإتيان بالذكر الحكيم! لم ينسجم مع غول المصادرات والنهب وسرقة شقاء الناس؛ حتى بعد عودته إلى وطنه بعد عقودٍ من المنافي، كان يعي خبث وعسكرة المساومات تلك. لم يناور ويداهن بحثاً عن رؤية في الممنوح من الوقت؛ لأنه لم يفعل ذلك في المُصادر والضائع منه!

في المشابه من الأمكنة؛ حيث البشر سقْطُ متاعٍ بالنسبة إلى بعضهم، كان يرى الشبيه والصورة في أدنى النظر والممارسة داخل وطنه. كان حاسماً وعاطفياً وعقلانياً في الوقت نفسه. حاسماً أمام الأذى والإذلال والاستحواذ على كل شيء من قبل رهط فيما ملايين في عراء الفاقة والحاجة. وعاطفياً بالفطرة التي تقرّبه من الناس. ناسه الذين ليس شرطاً أن يكون شاركهم الغربات وقلقاً ينتهي الدهر ولا ينتهي، وعقلانياً في وقوفه على ماضٍ لا يتبرأ منه، وحاضر يُراد أن يكون جزءاً منه بكل خروقاته، ولن يدنو من ذلك، ومستقبل لا أحد يملك التحكّم فيه فقط لأنه يملك السطوة والمال والغلمان والإماء!

هو الحضور ذاته الذي يحرسه نقاء السيرة، وشرف الهدف، وإنسانية المسعى، ونبْل الموقف، وجسارة المواجهة، والثبات في زلازل مبعثها الإغراء والاحتواء والعرض في أكثر من مزاد!

ليس موضع رثاء هو؛ لأنه أكبر منه. وليس موضع مديح هو؛ لأنه نأى بنفسه عنه وتجنَّبَه طوال سهره الطويل على القيمة والمعنى والشرف واستماتة الإرادة وإدخال اليأس في منفى يليق بالخراب الذي يمكن أن يحيق بالعالم بفعل سطوته!

عبدالرحمن النعيمي: توقيت رحيلك موقف آخر؛ في زمن تقسيم البشر بحسب انسجامهم من عدمه مع الكارثة. كنت بيدك العارية ترفع سبابتك في عينها من دون أن يطرف لك جفن!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:58 ص

      استراتيجيه فاشله

      الاستراتيجيه التي اختارها النعيمي هي التي أبعدت وعد عن حاضنتها الشعبية الأصلية و هي المحرق النعيمي اختار الوقوف و التحالف بل حتى ان يكون تابعا للكهنوت و نحن لا نقبل هذا ابداً وعد يجب ان تكون مستقله و لا تتحالف مع الكهنوت السني او الشيعي

    • زائر 4 | 6:42 ص

      وجع الذاكرة

      من ضاق الأسى وحمل الألم وامتزج الأمل في أنفاسه لازالت أحلامنا مقيدة ولن يحررها الواقع المر

    • زائر 2 | 3:57 ص

      المتمردة نعم

      الله الله الاستاذ الجمري مبدع جدا في كتاباتك ولكنك للاسف غير محظوظ ,... ولكن من بتعمق في مقالك سعرف الى من ترمي سهامك

    • زائر 1 | 2:17 ص

      وداعا في ذكراك المتجددة

      اللة يرحمك يا ابو أمل فقد كنت الأمل والمنارة التي تضئ درب النضال الوطني بعيداعن الطائفية ولكن سنة الحياة لها أحكامها

اقرأ ايضاً