العدد 4391 - الأحد 14 سبتمبر 2014م الموافق 20 ذي القعدة 1435هـ

في «صناعة الرأي» مكْرٌ أيضاً

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

يمكن لأيٍّ منا أن ينظر ويتناول مفهوم «صناعة الرأي» من زاويته التي يرى. مختلف ومضاد سيكون النظر والتناول. لا نتحدث عن «صناعة الرأي» في دول لا تؤمن بالرأي أساساً، وتراه واحداً من عوامل الضعف والاختراق والتجاوز على الذين يُمسكون بالقرار؛ باعتبارهم مفوّضين من السماء! وما يأتي من السماء لا يُحاجج أو يُردُّ.

الدول الديمقراطية هي أكثر دول العالم صناعةً للرأي. مثل تلك الصناعة لا تخلو من ديكتاتورية تأتي في صيغ خداع ومكر والتفاف. مصطلح «صناعة الرأي» في حد ذاته يحمل إشكاله. إشكاله في أنه يمهّد لحال وواقع مصطنعين وليسا حقيقيين. يمهد لإنتاج ما يُعتَقدُ أنها حقائق وهي ليست كذلك بالضرورة. يُمهّد ذلك المصطلح وممارسته أيضاً لأخذ تفويض بالموافقة على المُنْتَج الذي يتم تسويقه. الرأي هنا وصناعته هو ذلك المُنْتَج في أكثر من صيغة أيضاً. لا تهمُ بعد ذلك محصّلات ونتائج «صناعة الرأي» ذاك. تظل الهيمنة هي المسألة.

الرأي لا يُصنع. الرأي تُوفَّر له البيئات والظروف. البيانات والحقائق. طبيعة الأداء من دون رتوش. قانون لا يرى ألوان ومذاهب وميول وعقائد وأمزجة الناس. رأي ينبع من تلمّس حقيقي لمشكلات البشر والحيّز الذي يجمعهم، وعلاقاتهم بالمحيط والجوار، ومحصّلات تلك العلاقة.

الرأي الذي يُصنع يعاني من مشكلات. يعاني من الكذب، ويعاني من الهروب، ويعاني من العزلة، ويعاني من توجيه ذلك الرأي بما يخدم مصالحه وسياساته ووجوده القائم في توخيه على الهيمنة.

تُطْرَح أمام الرأي خيارات واحتمالات. تسبق ذلك قراءة وصورة وواقع يتم تقديمه من دون تلاعب أو اصطناع. بتشخيص المسارات والتنبيه لمطبات بعضها. في ربط منطقي وعقلاني، يقدّم الرؤية مشفوعة بما يعزّزها. إحصاءات لا يتم التلاعب بها. حقائق لا يتم قلْبُها. إنجازات لا يتم تضخيمها. انتكاسات وتراجعات وفشل لا يتم تبريره من قبل تلك «الصناعة».

الجماهير لا تملك أدوات الحسم النهائي فيما يتعلق بأشكال القوة الرادعة. لا تملك رأس المال اللامُقدّر. لا تملك أيضاً اختراع مؤسسات تكون طوابير صدٍّ ومَنْع. كل ذلك يتحكّم فيه رأس المال، والغَرْف من كنوز وثروات، تستمد منها «صناعة الرأي» تشحيم تروسها وآلتها لتستمر في الدوران وضخ الخداع والمكر والالتفاف.

أروع تشخيصٍ وقفت عليه عند تاريخ وتراث عميقين. هو تقرير لواقع حال من دون رتوش. يهدف إلى تنبيه الانحراف الذي يبدر من الجماهير؛ في خياراتها التي تخضع لأكثر من عامل واعتبار؛ وخصوصاً تلك التي تكون رهْن سطوتين: الإرهاب، وإغراء المال. وفي الإغراء إرهاب ما. الخوف من ألاّ يطول بعض تلك الجماهير موضوع ومادة الإغراء.

من خطبة للإمام علي: «يَا أَشباه الرجال ولا رجال! ويا طغام الأحلام، ويا عقول ربّات الحِجَال، ـ والله ـ لقد أفسدتم عليَّ رأيي بالعصيان، ولقد ملأتم جوفي غيظاً حتى قالت قريش: إِنَّ ابنَ أَبي طالب رجلٌ شجاعٌ، ولكنْ لا عِلْم له بالحرْب. للهِ درُّهم! ومن ذا يكون أعلم بها وأشد لها مراساً مني؟ فوالله لقد نهضْتُ فيها وما بلَغْت العشرين، ولقد نيفت اليوم على الستين! ولكنْ لا رَأْيَ لمنْ لا يُطَاع!».

تلك ذروة فهم خداع ومكر والتفاف بعض الجهات التي ضخَّت الذهب والفضة بالأمس، وتضخ المليارات اليوم في سبيل ازدهار تلك «الصناعة» التي ليس بالضرورة أن تزدهر من خلالها حيوات الناس. على العكس؛ تظل مرتهنةً لصناعة الإذعان والخضوع والانسجام والتماهي مع الخلل الذي تقدِّمه تلك «الصناعة» باعتباره نسخة مُطوَّرة من المسارات الصحيحة والمؤدِّية إلى الأهداف التي لن يرى أحد شواهدها على الأرض.

«صناعة الرأي» اليوم، وبالمعاصر من الممارسة، هي شكلٌ من أشكال تأميم الوعي واختطافه وإدخاله في مساحة من الغياب!

«صناعة» كتلك تخلق آليين في خياراتهم!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4391 - الأحد 14 سبتمبر 2014م الموافق 20 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:25 ص

      عبد علي البصري قصه قصيره

      الاطهاد انواع منه الاطهاد الفكري بأسم الدين(دخلت احد المصليات في احدى المطارات العربيه فرأيت اثنين يلبسون لباس قريش أيام زمان . فخيل لي أني في عصر , ما قبل البعثه وفي الجانب الآخر رجل يصلي بصلاه اشبه ما يكون بالمشعوذ ا فسألت الرجلين هذا اشلون اصلي غريب والله صلاته , فأجابوني بسرعه كالباروت هذا شيعي؟! فسألتهم من أين انتم قالو من غزه , ولم انتم هنا في هذا البلد قالوا ندرس شرائع ؟؟ فقلت لهم رأيتوني كيف اصلي قالو بلى كيف هي صلاتي قالو نعم والله قلت انا شيعي

    • زائر 1 | 11:53 م

      تزييف الوعي

      صباح الخير .. من وسائل " تزييف الوعي " في المجتمعات اختيار بعض " صناع الرأي " أو المبتدئين بحماسة ومن ثم تتم المساومةغير المباشرة لحرف المسارعن طريق وسائل عدة من ضمنها " الوفرة الاعلامية " ومن خلالها تتم التجارة بالكلمة ومن دخل في هذه الصفقة مستخدما لها فسرعان ما يتحول الى عبد أو أجير عندها ، ومن كان الناس الناس يحتاجون كلمته فانه يصبح أشد ما تحتاجه الناس بأن تترك كلمته .. ومن دخل في هذه الصفقة " مخدوعا " فانه قد أصبح "رأسا للمخادعين " !

اقرأ ايضاً