العدد 4405 - الأحد 28 سبتمبر 2014م الموافق 04 ذي الحجة 1435هـ

جمال عبدالناصر ودوره في تحرير وتنمية شبه الجزيرة العربية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

قامت لجنة من المؤرخين المصريين بإصدار كتاب جديد عن «جمال عبدالناصر وعصره”، وشارك في كتابة فصوله بعض الشخصيات السياسية العربية المقيمين في مصر، حيث تناولوا مجموعة من القضايا التي تخص عصر جمال ودوره وعصره، وفي مقدمتها قضية الجزيرة العربية وفلسطين.

القضية التي أتناولها في هذا المقال لأهميتها في أوضاعنا المعاصرة، هي دور جمال عبدالناصر في تحرير شبه الجزيرة العربية وتنميتها، وقد أعد هذا البحث فوزي أسعد نقيطي، وهو طيار سعودي مقيم في مصر منذ أربعين عاماً، وعضو في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. ويوضح الباحث في دراسته المطولة نسبياً، والتي تقع في 50 صفحة، أن الاستعمار البريطاني (القديم) كبل حكام شبه الجزيرة العربية بمعاهدات «مانعة وأبدية”، تلزمهم بعدم التصرف في شؤون إماراتهم أو إقامة علاقات خارجية أو منح امتيازات لأية دولة أخرى دون موافقتهم. أما الاستعمار الأميركي فقد طرح على المنطقة مفهوماً جديداً وهو «الحماية مقابل النفط”، وظل شعب شبه الجزيرة العربية فقيراً يعاني الجوع والتخلف، ولذلك لقيت شخصية عبدالناصر وأفكاره شعبية كبيرة في المنطقة، وكذلك دعواته للعدالة والمساواة.

وعرض الباحث بالتفصيل للثورة اليمنية وتأييد عبدالناصر لها، وكذلك تأييده لحركة التحرر في اليمن الجنوبية، ولأوضاع إمارات ومشيخات الخليج العربي، ولمساندة عبدالناصر لحركة الإصلاح في المملكة العربية السعودية، وللدور الأميركي في مساندة الحكم هناك. وأشار الباحث إلى أن عبدالناصر زار السعودية خمس مرات، وتحدّث بصراحة مع الملك سعود حول نهب الغرب لأموال البترول، وعن الإسراف في استخدامها. كما أشار الباحث إلى استقبال مصر للطلاب السعوديين في مختلف جامعاتها، بما في ذلك الكليات العسكرية والشرطة وتقديم المنح لهم. وعرض الباحث إلى مساعي السعودية لإصلاح الأوضاع الداخلية لديها.

عبدالناصر والجزيرة العربية

وخصّص الباحث المحور الرابع في دراسته بعنوان «دور عبدالناصر في تحرير إمارات الخليج العربي من السيطرة الانجليزية وتنميتها”، وأوضح حرص عبدالناصر على تنمية موارد البترول في الخليج وصيانته، وإنشاء مكتب في الجامعة العربية يعني بشئون النفط، واستشهد الباحث بما ورد في تقارير أميركية وبريطانية في نشر المفهوم القومي لدى حكام دول الخليج حتى قبل استقلالها، ابتداءً من لقائه بحكام الكويت في 20 يوليو 1958 ودعوته لها للانضمام إلى الجامعة العربية، ومساندتها ضد عبدالكريم قاسم، وإنشاء صندوق للخليج العربي في الجامعة العربية لمساعدة أبناء مشيخات الخليج العربي.

ويلاحظ على دراسة الباحث فوزي أسعد نقيطي استعراضه باستفاضة للتاريخ والمفاهيم التي سادت آنذاك، ولكن يؤخذ عليه أنه مازال يعيش في تلك المرحلة، ويبدو أنه لا يتابع ما حدث في الخليج العربي والمملكة العربية السعودية من تطور وتقدم وتنمية، وما حدث من تقارب استراتيجي بين هذه الدول الخليجية وبين مصر الحديثة، والتي بدأت بوجه خاص بعد هزيمة 1967، بل وفي حرب 1973، ثم بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث تجلت الأصالة العربية في مساندة السعودية بقوة وأشقائها من الإمارات والكويت والبحرين للنظام المصري الذي أطاح بحكم الإخوان.

لقد حدث تغير كبير في المفاهيم والسياسات في المنطقة العربية، ولكن للأسف مازال بعض المؤرخين المصريين والعرب يركزون على جوانب سلبية تاريخية، وأعتقد أن إثارتها في هذه المرحلة في مؤتمرات مهمة لا يخدم المصالح الإستراتيجية للأمة العربية وسعيها للتقدم والتعاون. لقد تغيّرت مفاهيم ومضامين الوحدة العربية في القرن الحادي والعشرين، عنها في منتصف القرن العشرين، ولو عاد عبدالناصر إلى الوجود اليوم فإنه سيغيّر كثيراً من مفاهيمه وسياساته التي نضجت بعد هزيمة 1967، وإنني أتصور أن محمد بن عبدالله (ص) لو عاد إلى الحياة اليوم لتبرأ من الإرهاب والعنف والكراهية التي يرددها كثير من المسلمين تحت اسم الإسلام، الذي لم يعرف العنف بل دعا للتسامح تجاه الآخر واحترامه، ولعل وقوف الرسول عندما مرت به جنازة يهودي احتراماً لها، ورده على أصحابه الذين تساءلوا عن ذلك قائلاً: أليست نفساً.

قضية فلسطين

وقد خصصت لقضية فلسطين عدة فصول، باعتبارها قضية العرب الأولى ومن أهم شواغل فترة عبدالناصر، وهناك فصل لفت النظر وهو بعنوان «حرب 1956 شهادة إسرائيلية»للباحث نبيل الطوخي، وركز على شهادة موشيه دايان الذي كان رئيس الأركان آنذاك، ثم وزيرا للدفاع. كما تناول الباحث شهادة جولدا مائير التي كانت وزيرة خارجية «إسرائيل”، ثم رئيسة للوزراء بعد ذلك؛ وشهادة وزير المواصلات موسى كرمل، ثم شهادة إسحاق رابين الذي تولى رئاسة الوزراء بعد ذلك ونشر مذكراته؛ وأخيراً شهادة مردخاي بارون. وخلاصة ما جاء في تلك الشهادة هي الارتباط الرئيس بين وجود «إسرائيل»وبقائها وبين استراتيجية الاستعمار عبر العصور في السيطرة على المنطقة العربية.

لقد وصف عبدالناصر «إسرائيل»بأنها «الطفل المدلل للدول العظمى”، واستخدامها كأداة لضرب القوى التحررية العربية، ومن هنا كانت مشاركتها في حرب 1956 ونجاح «إسرائيل»في إقناع الدول الغربية بألا تبيع للدول العربية أية أسلحة متقدمة تؤثر في التوازن بينها وبين «إسرائيل”، وظلّ هذا المفهوم قائماً حتى الآن.

كما ذكر أن الشهادات الإسرائيلية جميعها تركز على أن «إسرائيل»حقّقت انتصاراً في حرب 1956 وحقّقت أهدافها، وإلى حد ما هذه الشهادات بها قدر من الصحة في تحقيق «إسرائيل»لأهدافها المرحلية آنذاك، ولكن عبدالناصر استطاع تحويل الهزيمة العسكرية في مواجهة العدوان الثلاثي إلى انتصار سياسي استراتيجي، رفع مكانة مصر والعرب عالمياً، وأكد زعامة عبدالناصر. لذلك لم تستطع «إسرائيل»فرض «السلام»الاستسلام عليه آنذاك، وهذا ما ركزت عليه شهادة رابين، رغم السماح لها بالمرور في خليج العقبة وضمان ذلك دولياً مما أدى إلى حرب 1967 لاحقاً.

الوجه الآخر لعبدالناصر

وهي بحث للمؤرخ عادل غنيم، وتضمنت انتقاداً لسياسات عبدالناصر، وإبراز سلبياته مثل المعاملة غير اللائقة وغير الإنسانية لمحمد نجيب وغيره من زملاء عبدالناصر، وكما حدث في اعتقال كمال الدين حسين العام 1965 والاعتداء على عبدالرازق السنهوري العام 1954، واصطدام النظام مع الإخوان والشيوعيين، والصراع مع نجيب في أزمة 1954 والصراع الخفي مع عبدالحكيم عامر. وأعتقد أن كل ما ذكره غنيم حدث بالفعل، ولكن التفسير الذي قدّمه يمكن النظر إليه بنوع من التحفظ، لأنني كباحث في العلوم السياسية، أعتقد أن الصراع هو أحد مظاهر السياسة وممارستها؛ وأن أي قائد في ظروف عبدالناصر لم يكن ليتردد في سلوك نفس الشيء، وإن كان من الممكن معاملة نجيب بطريقة أفضل.

وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل قانون الثورات التاريخي، وهو أن الثورة هي انقلاب على نظام قديم، ومن ثم تسعى لتغييره جذرياً، والقانون الثاني أن الثورة تأكل أبناءها، وهذا ما حدث في الثورة الفرنسية أو الروسية أو الصينية أو ثورة العراق 1958 أو في ثورة الخميني 1979 أو حتى الانقلابات العسكرية العديدة في سورية في الأربعينيات والخمسينيات، وانقلابات العراق في عهد عبدالكريم قاسم وصدام حسين وغيرهما. فكان قادة تلك الثورات والانقلابات أكثر شراسة مما حدث بين عبدالناصر ورفاقه، بل إن الصراع الخفي مع عبدالحكيم عامر جلب على مصر كوارث كبيرة. وكم كنت أتمنى كباحث سياسي، لو أن عبدالناصر استبعد عبدالحكيم بعد 1956، أو بعد فشل الوحدة مع سورية العام 1961، فربما كان موقف مصر ونظامها أفضل مما حدث. فقد كان عبدالحكيم عامر من أكبر سلبيات نظام عبدالناصر، إذ أن بقاءه في قمة السلطة العسكرية، رغم ثقافته العسكرية والسياسية المحدودة، وسيطرة قوى يسارية وعبثية على عبدالحكيم أدى بنظام عبدالناصر لارتكاب الكثير من الأخطاء، كما إن مساهمة عبدالحكيم في كارثة 1967 لا يمكن إنكارها.

عبدالناصر والمرأة

دور المرأة في حياة عبدالناصر ابتداءً من تأثير أمه التي ماتت وهو طفل، إلى حبه الأول الشاعري الذي أخفق، ثم حبه الثاني وزوجته تحية، إلى مساندته لدور المرأة وأهمية حصولها على حقوقها، ومن هنا منحت المرأة المصرية حقوقها في التصويت والترشيح في العام 1956 باعتبارها نصف المجتمع، مع احترام خصوصياتها والطابع المحافظ آنذاك في المجتمع. كما تولت المرأة لأول مرة في العالم العربي منصب وزيرة في بداية الستينيات من القرن العشرين.

وختاماً نقول إن هذا الكتاب عن عبدالناصر وعصره يمثل مرجعاً وثائقياً عن عبدالناصر والمرحلة التي عاشها وأحداثها، وهو يتسم بالتحليل العلمي والموضوعي إلى حد كبير، لأن المرحلة التي نعيشها ماتزال شخصيات عبدالناصر أو غيره من زعماء مصر والعرب موضع جدل، فمن الناس من يعجب بهذه الشخصية أو تلك، أو من هو ضدها تماماً، ولكن الكتاب يمثل مساهمة علمية قيمة ولا يمكن أن ننسى الإشادة بدور الأستاذ المؤرخ أحمد زكريا الشلق في إعداد الكتاب للطبع ومراجعته وإخراجه كما ذكر عادل غنيم في مقدمته للكتاب.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4405 - الأحد 28 سبتمبر 2014م الموافق 04 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:44 ص

      ابا خالد

      رحم الله ابا خالد و ادخله فسيح جناته كان رجلاً شهماً عروبياً كريماً .

    • زائر 3 | 1:23 ص

      ----

      والله وجعتون راسنا عبدالناصر.... عبدالناصر دكتاتور حاله حال غيره. كلهم في الهوا سوا.

    • زائر 2 | 1:08 ص

      شتو الفائدة

      من نتيجه التمجيد ضاعت فلسطين وسيناء والجولان 67 73 كلها هزائم للأمه العربيه وقلبها احمد سعيد لانتصارات

    • زائر 1 | 12:44 ص

      مجرد رأى

      نعم عبد الناصر كان محارب للأستعمار وكان عربيا ومناصرا لجميع القضايا أالقوميه وكان طاهر اليد ولكن عليه بعض المآخد للتاريخ .كان قوميا لحد العنصريه رسخ الدكتاتوريه يترسيخه الولاء المطلق للقائد قليل التخطيط وكثير الكلآم مخترق من الحاشيه نهب الكثيرون بحجة الأقطاع

اقرأ ايضاً