العدد 4415 - الأربعاء 08 أكتوبر 2014م الموافق 14 ذي الحجة 1435هـ

نبوءة غورباتشوف حول عودة الحرب الباردة

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

هل يوشك العالم على قيام حرب باردة جديدة، بعدما ظل الخلاف يحتدم وبقوة بين حلف “الناتو” الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا وحلفائها في منظومة الأمن الجماعي في هذا الوقت؟ هذا السؤال أجاب عنه ميخائيل غورباشوف؛ آخر الزعماء الشيوعيين الذين حكموا الاتحاد السوفياتي السابق، في تصريح للصحافيين السويسريين مؤخراً، حول إمكانية أن تتطور خلافات حلف “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة مع روسيا، وتفضي إلى قيام حرب باردة جديدة في العالم، وهو الأمر الذي لاتزال تؤكده مواجهات السنوات الأخيرة بين الطرفين من خلال الصراعات المحتدمة في مناطق الشرق الأوسط وأوكرانيا.

لقد كان الرئيس السابق غورباتشوف أحد العرابين الأساسيين الأقوياء الذين استطاعوا أن يقضوا نهائياً على الحرب الباردة، التي استمرت منذ سنوات منتصف الأربعينيات حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، واعتبر المراقبون نهايتها بمثابة بداية خطوة الألف ميل للتعاون البناء والمشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا الفتية وحلفائهم لإدارة النظام الدولي الجديد، الذي كان يعول عليه بدرجة كبيرة في استبعاد حدوث أية حروب جديدة تشغل المجتمع الدولي برمته، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وكانت سنوات حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والامبريالي قد وضعت مرتكزات الأمن والاستقرار العالمي على كف عفريت، بعد أن بالغ فرقاء الصراع في مواجهات التحدي السياسي والإعلامي، وإبقاء جذوة هذه الحرب قائمة، بدلاً من أن يقود أحدهم زمام المبادرة لتقويضها خلال مرحلة المواجهة الصعبة في تلك الحقبة، وهو الخطر الذي شعر المجتمع الدولي بأنه كان ماثلاً بالفعل لبداية نهاية الكون.

ولكن بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وتحوّلها إلى دول مستقلة بما فيها روسيا نفسها، في نهاية القرن الماضي، انتهى زمن الحرب الباردة المخيفة، لكن تداعياتها المقلقة بقيت تحث الخطى بأشكال متعددة من الأوهام والشكوك والمخاوف المتبادلة بين الأضداد، فالنظرة المأمولة إلى التعاون المشترك والبناء بين روسيا والولايات المتحدة بدأت تتآكل تدريجياً، وخصوصاً في السنوات التي أرادت الإدارة الأميركية وحلف الناتو التفرد بصنع القرار الدولي على حساب العالم أجمع. كما أن عدم ثقة روسيا وحلفائها بالتحركات الأميركية السرية والعلنية، التي ظلت تهدف إلى طموحات السيطرة والهيمنة الكاملة على الكون، وكذلك النوايا السيئة والخبيثة، التي كانت مبيتة تجاه دول شرق أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة، والتي تحدث غورباتشوف عنها بمرارة لوسائل الإعلام السويسرية، جعلت النجاح على هذا الصعيد أمراً غير محتمل وغير مقبول من جهة الاتحاد الروسي، الذي كان يطمح لأن يكون شريكاً أساسياً وفاعلاً في صناعة القرار الدولي.

وكما اتضح في تلك الفترة بالذات، أن مصداقية الولايات المتحدة قد شوهتها الأفعال القائمة على الأرض، حيث كانت واشنطن تمارس الأساليب الملتوية والخداع والكذب بشأن مستقبل روسيا والدول الأخرى التي تحررت من قبضة الأنظمة الشيوعية الحديدية الصارمة.

وفي تصريحات خاصة لخبير الإصلاحات الاقتصادية السابق في روسيا غريغوري يافلنسكي، الذي عاصر فترة المحادثات بشأن مستقبل دول أوروبا الشرقية وخطط واستراتيجيات حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة، قال: “إن الولايات المتحدة ظلت تثير المخاوف لروسيا بمعاملتها كعدو محتمل”، ووصف الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة نحو توسيع حلف الناتو بأنها “أشبه بدبابة تقترب من الحدود الروسية”، وأضاف “لقد طمأنتنا الولايات المتحدة بأنها مجرد دبابة سلمية ومع ذلك فهي تبقى دبابة”!

وعلى رغم فرط تكرار الوعود والتعهدات، التي قطعتها الولايات المتحدة على نفسها وعلى الاتحاد السوفياتي والرئيس غورباتشوف نفسه في العام 1990 بأن حلف الناتو لن يظل يزحف نحو شرق أوروبا في حال أنهى الاتحاد السوفياتي الحرب الباردة، ظلت الولايات المتحدة تلعب “لعبة الجوكي في أوروبا”، وتتحدث بلهجة صارمة مع روسيا بأن “التوسع في الحلف سيظل مفروضاً في الوقت الراهن”. وبهذه اللهجة الصارمة أيضاً تحدثت واشنطن مع حلفائها الأوروبيين خلال قمة الناتو المنعقدة في مدريد في العام 1997 حيث قالت إن خطط التوسع في الحلف ستمضي قدماً، وسيتم ضم كل من بولندا وجمهورية التشيك وهنغاريا لعضويته، ولم يتم ضم أعضاء جدد، غير أنها بعد فترة قصيرة من ذلك نكثت بوعودها وتعهداتها، وشجعت ودعمت وحرضت جميع الدول، التي خرجت من عباءة المعسكر الاشتراكي السابق، باستثناء روسيا على الانضمام لعضوية الحلف، من دون أن تكترث للمخاطر الكبيرة المتعلقة بهذا المصير. وهذا ما أشار إليه غورباتشوف بالضبط عندما قال للصحافيين: “إننا بتنا نعرف الآن أن الولايات المتحدة لا تتمسك بوعودها”.

ويمضي غورباتشوف “لقد بدلنا جهداً كبيراً للعمل على إنهاء الحرب الباردة وحققنا في النهاية النجاح الكبير، ولكن مازال هناك من يريد عودة أيام الحرب الباردة من جديد”. ووصف نهاية الحرب بأنها كانت بمثابة “هدية كبيرة للعالم” حيث شهد النظام الدولي استقراراً أكبر ومخاطر أقل من أي وقت مضى، ولكنه يخشى اليوم من أن تظل هذه الهدية معرّضةً للخطر، حيث يوجد في هذا الوقت بالذات ـ بحسب غورباتشوف - من يريد عودة الحرب الباردة من جديد، ويعني بذلك في المقام الأول حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الذي لايزال يكثف حشوده العسكرية في أراضي دول ومناطق شرق أوروبا، وخصوصاً في بولندا وجمهوريات البلطيق السوفياتية السابقة الثلاث (ليتوانيا ولاتفيا واستونيا) وأوكرانيا التي لاتزال تشهد حرباً ضروساً في أقاليمها الشرقية، والذي ما برح ينتهج سياسات هادفة لإضعاف روسيا القوية، التي تقود اليوم محور التصدي لهيمنة القطب الواحد والشرطي العالمي، حتى لا تكون قادرةً على مواجهة الولايات المتحدة وكل حلفائها في العالم، وإفشال جميع مخططاتها ومشاريعها السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية المشبوهة، التي تريد أن تغزو بها العالم، وذلك من خلال قرارات توسيع تدابير الحماية الجماعية لأعضاء الحلف، التي اتخذت في اجتماعات قمة حلف شمال الأطلسي في ويلز في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر/ أيلول 2014 والتي كانت تشير إلى ما تصفه بالتهديدات الروسية المباشرة في أوروبا.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 4415 - الأربعاء 08 أكتوبر 2014م الموافق 14 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:38 ص

      عدم الاستقرار

      مادامت هناك حروب شريرة ومادام هنالك تنافس على الهيمنة الدولية لن تسعد شعوب العالم بالطمئنينة والامن ..

    • زائر 1 | 10:29 م

      واقع النظام علي هذه الكرة

      قبل اكثر من ثلاثين عاما كتب توفيق الحكيم مقالا و قبل جورباشوف يؤكد بانه لا يمكن العمل الا في ظل قطبين. التظام الذي خلقه البشر و اتبع من الخليقة مبني علي الظلم و قتل البشر و استغلاله للست إناء قلة منهم. هذا النظام يستوجب وجود قطبين. لا عجب مما نحن فيه من المآسي.

اقرأ ايضاً