العدد 4417 - الجمعة 10 أكتوبر 2014م الموافق 16 ذي الحجة 1435هـ

مفاوضات «العقول الرديفة»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أن نقول الغرب أو الشرق، فهما ليسا لفظين مختلفين في الحروف أو في تحديد البوصلة فقط. كما أنهما ليسا اتجاهين سماويين ناتجين عن «تقاطع كل من دائرة الزوال والدوائر الرأسية مع الأفق» كما يقول العلماء، بل الموضوع متصل بالخلاف حول شئون عديدة: بيئية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، وهو موضوع الكلام في هذا المقال.

فمفهوم الدولة في الغرب يختلف عنه في الشرق، أو بالتحديد عن مفهوم الدولة في العقل السياسي لدول شرق أوسطية. هذا الاختلاف ليس فقط في طريقة التفكير السياسي، بل في إفرازات ذلك التفكير، وطريقة تنفيذ أجنداته. ومن بين تلك الأمور استخدام الغرب لـ «العقل الرديف» في توصيف مصالحه القومية ومناقشة السياسات والمواقف وإقرارها ومن ثم تمريرها.

وما نقصده بـ «العقل الرديف»، هو مراكز الدراسات التي يتم إنشاؤها على حواف الدولة، والاستعانة بالشخصيات السياسية والعسكرية المرموقة، التي تقلدت مناصب عليا في الدولة في وقت سابق، كوزراء الخارجية والدفاع أو حتى رئاسة الوزراء، وذلك للقيام بمهام سياسية ذات علاقة مباشرة بمصالح الدولة، مع أطراف خارجية معها خصومة وخلاف على المصالح سواء أكانت دولاً أو جماعات.

رأينا وزير الخارجية الأميركية الأسبق جيمس بيكر وهو يُنتَدَب لقضية الصحراء الغربية، ورئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير للملف الفلسطيني، ونائب وزير الخارجية الإيطالي السابق ستافان دي ميستورا، مبعوثًاً للأمم المتحدة في سورية (وإن كانوا عبر المنظمة الأممية). ورأينا وزراء من فرنسا وبلجيكا وهولندا يضطلعون بمهام دولية مماثلة، تُعاونهم في ذلك مجالس «حكماء» بغية منحهم فرصة الاضطلاع على تقارير استخباراتية واقتصادية حساسة، كي تجعلهم في مدار المصالح المُدافَع عنها.

من بين الملفات التي يتم الآن إدخالها شيئاً فشيئاً في هذا المسار، هو الملف النووي الإيراني، الذي قَطَعَ فيه الطرفان الكثير لتسوية المسائل العالقة، وبدا أنه في النقطة الحرجة، التي تحتاج إلى مشاورة دائمة وأوسع، وبالتالي بدأ العقل الرديف الآن ينظر فيه لإبداء وجهة نظره، فيما خصَّ النتائج إن كانت تنطوي على محاذير أو على منافع مرتقبة.

قبل أيام بدأت أعمال الجلسة المشتركة بين مكتب الدراسات السياسية والدولية (المكتب السياسي) في وزارة الخارجية الإيرانية ومجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي بحضور وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف ووزيرة الخارجية الايطالية السابقة إيما بونينو، وبحضور عدد من السفراء والمسئولين، دون تواجد لأيٍّ من وسائل الإعلام.

الحقيقة أن هذه المباحثات، التي تُجرَى على هامش جلسات التفاوض، غير منفصلة عن أصل الملف النووي، الذي يُحَجُّ به مرةً في فيينا ومرةً في بغداد، ومرةً في أنقرة ومرة في باريس. وهو بالمناسبة أمر فعله الأميركيون في أكثر من مناسبة.

وللعلم، فإن الغرب، كانت لديه تجربة مماثلة مع إيران في مطلع تسعينيات القرن الماضي، حين بدأ في إطلاق ما سُمِّي بسياسة الحوار النقدي Critical Dialogue مع طهران لتسوية إرث الثمانينيات السياسي والاقتصادي والأمني معها، حيث استطاعت تلك النقاشات أن تسوِّي المشاكل القائمة بين الجانبين حتى وصل الحال لأن تكون 85 في المئة من تجارة إيران هي مع خمس دول أوروبية، في الوقت الذي بيَّن ذلك فشل سياسة الاحتواء المزدوج التي عرَّب لها مارتن إيندك ضد إيران وعراق صدام حسين آنذاك.

أيضاً، فإن الأنباء التي تترى من الجانب الآخر للأطلسي حيث الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى أن جزءًا من العقل الرديف هناك يدفع بأن تُوقِّع واشنطن على اتفاق مع طهران. بل إنهم (أي خبراء العقل الرديف) لم يعودوا يُصرون حتى على إشكال مدى تخصيب اليورانيوم ولا أجهزة الطرد المركزي، ما دام 95 في المئة من الموضوعات قد تم إنجازها.

فالهواجس التي يتم طرحها على الجانب الأميركي اليوم، هو أن عدم توقيع اتفاق مع طهران قد يدفع الإيرانيين لأن يتجهوا إلى الأمام بتعاظم قوة الخط المتشدّد، مع تواتر أنباء إنشاء مفاعلين نوويين جديدين خلال العام الجاري، حيث أن طهران وموسكو في طور صياغة قانونية وتجارية وتقنية مع شركة «روس اتوم كرينكو» لإنشائهما في المنطقة الجنوبية من إيران بقوة ألف ميغاواط، وهما أكثر تطوراً وتجهيزاً من مفاعل بوشهر.

الذي يظهر الآن، أن النقاشات بين الجانبين تجري على ثلاث خطوات أولية، اشتملت الأولى على خمسة محاور أساسية، والثانية على سبعة محاور، والثالثة على ستة محاور، تم الانتهاء من خمسة بشكل كامل وسبعة من أصل ثمانية عشر (أي بمجموع 12 موضوعاً) تتعلق بالصواعق المتفجرة، حسب تصريحات مسئول رفيع من وكالة الطاقة الذرية الإيرانية.

بل حتى موقع بارشين الذي تمّت الإشارة إليه في اتفاق الإطار العام الماضي، قد زاره مسئولون غربيون والمنظمة الدولية في عامي 2003 و2005 وأخذ العينات منه، ولم يبق سوى تسوية الخلافات حول منشأة «فردو»، وتبديد مخاوف العسكرة.

اليوم، يُنظر إلى النقاشات التي تدور في مراكز الدراسات والأبحاث والمكاتب السياسية بين الإيرانيين والأوربيين، على أنها مُحرِّك قوي لأي اتفاق قادم، بالضبط كما دفع الحوار النقدي بين الجانبين في السابق لأن تُوقِّع إيران على البروتوكول الإضافي فيما يتعلق ببرنامجها النووي، وهو ما توليه الأطراف المعنية المزيد من الاهتمام.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4417 - الجمعة 10 أكتوبر 2014م الموافق 16 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:05 م

      مقالات تعور القلب

      الكل يطور نفسه الي المقدمة ماعدا العرب الذي تتراجع دولهم الي الوراء مع ان لديهم كل الموارد التي تجعل منهم قوة لا يستهان بها: موارد وعقول بشرية وحضارات سادت ثم بادت وثروات طبيعية من نفط ومياه وأراضي ومعادن وموقع استراتيجي ولكن ينقصهم القيادة الحكيمة ، الي متي؟ العلم عند الله وخده

    • زائر 3 | 3:39 ص

      فيتنام مثالا

      جزء من التسوية مع فيتنام كانت بهذه الطريقة لكنها قد تاخذ وقتا طويلا

    • زائر 2 | 12:05 ص

      ما يحرك هذه الدول

      هي مصالحها،فهناك لوبيات تعمل في الخفاء لتنفيذ ذلك،و ما هذه المفاوضات الا قشرة خارجية.

    • زائر 1 | 10:43 م

      الا نحن العرب ليس لدينا مراكز أبحاث رديفة

      كوننا نقاد لمراكز الأبحاث لدينا هم من يمسكون زمام السلطة قرار الحرب قرار السلم قرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي يده أوبضع ايدي ونقول لماذا نحن متأخرين مستوردين غير منتجين والسبب القرار الفردي

اقرأ ايضاً